أبناء الجنوب.. والثقافاتُ المغلوطة
عندما تكون الثقافة المغلوطة هي السائدة في أوساط المجتمع، يصبح الغازي صديقاً، والمقاوم عدوًّا، والعميل رجلاً وطنيًّا، والمقاوم رجلاً غازياً.
عندما يفقد المجتمع وعيه الثقافي، يصبح إعلام العدوّ سلاحاً خفيًّا يقتل المجتمع فكريًّا وعقائديًّا، تصبح مبادئه وقيمه التاريخية والحضارية لا قيمة لها أمام الغزو الفكري الهوليودي.
لا زلت أتذكر وتتذكرون معي عبارتين متناقضتين تماماً، الأولى “برع يا حوثي”، والثانية “شكراً إمارات الخير”، كان المواطنون يصرخون بها خلال فترة انسحاب الجيش واللجان الشعبيّة من المناطق الجنوبية، ودخول قوات غازية أمريكية تحت مسمى قوات إماراتية وشعار حماية اليمن من المد الشيعي!! فاحتلت الجنوب وعشش فيها العدوّ الأمريكي.
كما لا زلت أتذكر وتتذكرون معي أَيْـضاً عبارتين أُخريين متناقضتين تماماً، الأولى “ارجَع صعدة يا حوثي” والثانية “شكراً سلمان”، كان المواطنون يصرخون بها خلال فترة انسحاب الجيش واللجان الشعبيّة وفق اتّفاق سياسي مدينة “تعز” ومناطق أُخرى مجاورة لها، فاحتلت أمريكا تعز وبعض المناطق عن طريق أدواتها من المليشيات والجماعات التكفيرية عديدة بقيادة حزب الفساد والإفساد حزب الإصلاح، لتحول هذه الجماعات مدينة تعز من مدينة الثقافة والمثقفين إلى مدينة القتل والمتشدّدين.
اليوم المناطق في المحافظات الجنوبية والوسطى التي تتواجد فيها أذرع أمريكا غير مستقرة وغير آمنة، وتنتشر فيها الجماعات المتشدّدة والمليشيات متعددة الأفكار والتوجّـهات، وكل جماعة لها قائد مرتبط إما بالإمارات أَو السعودية، وكل واحد يحاول يفرض سيطرته على الآخر، وعادة يقاتلون بعضهم البعض ويكون الضحايا من كلا الطرفين ومن المواطنين الساكنين في منازلهم جراء القصف العشوائي بين الجماعات المتقاتلة فيما بينها داخل المدينة، كل هذا وغيره هو نتاج للثقافات المغلوطة التي غزت المجتمع اليمني عبر إعلام العدوّ ومشايخ الدين الموالين للنظام السعودي.
نحن كمجتمع يمني حرٍّ يرفض العبودية والذل والاحتلال، نحتاج إلى ثورة ثقافية حقيقية لتفنيد هذه الثقافات وتصنيفها ودراستها وتحديد أهدافها التدميرية وفضحها للعامة وإحياء الموروث الثقافي والهُوية الوطنية والدينية الأصيلة القائمة على المبادئ الإسلامية والعادات والتقاليد اليمنية الأصيلة.
لقد استوعب أغلبُ أبناء المحافظات الجنوبية حقيقة الدور الخارجي المشبوه في جنوب اليمن، وأن التواجد الأجنبي في اليمن لم يأتِ؛ مِن أجلِ مصلحة الجنوبيين ولا إنقاذهم كما يدعون.
بدأ يستوعب الجنوبيون أن السعودية والإمارات ما هي إلَّا أدوات لقوى أكبر منهما، الأولى “بقرة حلوب” والثانية “ماعز حلوب”، لا يشبع النظام الأمريكي من حلبهما حتى يذبحهما، هما أدوات لقوى الاستكبار، تسعى من خلالهم إلى احتلال البلدان ونهب ثرواتهم، كما أن السعودية والإمارات لا حول لهم ولا قوة ولا يستطيعون فرضَ أيِّ شيء أمام الإدارة الأمريكية، بل تنفذان توجيهات ورغبات أمريكا الحامية والداعمة الرئيسي للعدو الإسرائيلي.
الكثير من السياسيين يؤكّـدون أن السياسة الأمريكية استطاعت تنفيذَ أجنداتها في المنطقة العربية والإسلامية عن طريق أدواتها في المنطقة، والمتمثل في النظام السعودي والأنظمة الخليجية وبعض الأنظمة العربية كالنظام المصري، وهذا يؤكّـد أن السعودية والإمارات لا يمتلكان مشروعاً حقيقيًّا نهضويًّا للمنطقة باستثناء سعيهم الحثيث لزعزعة الأمن والاستقرار في البلدان العربية خدمة لأمريكا وتلبية جميع رغباتها في المنطقة.
للأسف لم يكتفِ النظامُ الأمريكيُّ بالخدمات التي تقدمها له الدول التي يقاتل ويحتل بها، بل إن العدوّ الأمريكي اليوم يتحَرّك مع العدوّ الإسرائيلي لبناء قواعد عسكرية لها في مطار الريان بحضرموت وسقطرى وباب المندب، وتعمل على نهب المشتقات النفطية والثروة السمكية، إضافةً إلى نهب الآثار اليمنية القديمة.
أمام كُـلِّ الجرائم التي يرتكبها العدوُّ الأمريكيُّ في الجنوب خُصُوصاً واليمن عامة، تقع علينا جميعاً كيمنيين أحرار مسؤولية مواجهة تحالف العدوان الأمريكي السعودي من منطلق إيماني ووطني وأخلاقي وإنساني التي تفرض علينا واجب الدفاع عن الدين والأرض والعرض، وأيُّ تقصيرٍ أَو تخاذل سنكون مشتركين فيما يتعرض له بلادنا من ظلم وقتل واحتلال وسنخسر هُويتنا الإيمانية وكرامتنا وحريتنا وسنكون أدوات رخيصة بيد الأعداء وأذيالهم، ولتكن مشاهد القتل والتعذيب التي ترتكبها قوى تحالف العدوان حافزاً قويًّا للصمود واستمرار مواجهته في مختلف الجبهات عبر رفد الجبهات بالرجال والمال والغذاء والأدوية.
ونؤكّـد مراراً وتكراراً بأن النصرَ قريب إذَا ما عززنا ثقتنا بالله تعالى وواصلنا التصدي لهذا العدوان الغاشم تحت راية القائد العلم، ووقفنا جنباً إلى جنب مع المجاهدين في مختلف جبهات القتال، حتى يأذن اللهُ تعالى بالنصر المبين.