لماذا القبول بالهوان إلى هذا الحد ؟!
من يتابع بعض وسائل الإعلام العربية لا شك أنه سُيصاب بخيبة أمل وإحساس عميق بالحسرة وعدم الرضا عند النفس وعن الواقع ، فإذا كان الإنسان ووجوده في هذه الحياة يرتبطان بهّم أساسي وكبير وهو الحفاظ على الشرف والكرامة وما يرتبط بهما من مسميات تشمل الأرض والعرض ، فإن انتهاك هذه المسميات بأخرى أكثر خسة يمثل حالة سقوط أخلاقية وقيمية رهيبة لا يمكن إدراك معانيها أو استشراف ما ستؤول إليه الأوضاع بسببها إلا من خلال بشر يدركون ما معنى الكرامة والعزة ، ولهذا نحن في اليمن نتألم كثيراً عندما نسمع قنوات مدجنة مسلوبة الإرادة تتغنى بضرب إسرائيل لسوريا أو باستهداف السعودية والإمارات لليمن أو إرسال المتطرفين شذاذ الآفاق من جماعات الإرهاب إلى سوريا وليبيا أو.. أو.. كلها أشياء غريبة ورهيبة لم نتوقعها يوماً من الأيام ، فعلاً لم نتوقع هذه المهانة فهل كنا قبل 30عاماً مثلاً نصدق أن قناة تدعي أنها عربية وتسمى للأسف بالعربية تمجد ضربة العدو الصهيوني لسوريا وكأنها حققت انتصاراً عظيماً لم يكن في الحسبان ، أين ذهبت النخوة وأين الكرامة وأين الأخوة ؟! أليست هذه من المنغصات الكبيرة التي نصل من خلالها إلى معرفة كيف أن الأعداء استطاعوا النفاد إلى عقول العرب و سيطروا عليها سيطرة تامة وأصبحوا من خلال هذه العقول المريضة يحققون الغايات والمقاصد التي عجزوا عنها من خلال الاستعمار المباشر ، فلقد انتفض الشارع العربي في يوم ما ضد المستعمرين وأجبرهم على الرحيل ولكنهم ما إن خرجوامن الباب عادوا من النافذة ، من خلال أبناء جلدتنا للأسف الشديد أصحاب العقول الخاوية الذين لا هم لهم إلا الوجود في هذه الحياة كيفما كان شأنه ، وفي سبيل هذا الوجود الناقص الغير سوي ينفقون المليارات من الدولارات على أساس أنهم يحققون النصر على من يعتبرونهم أعداء وهم أخوانهم في الدين والعروبة ، إنها حالة بائسة جداً أن يصل الحال بالمواطن العربي إلى هذا المستوى من التردي والانحطاط بسبب وجود جماعات مُسخ من البشر استوطنوا منطقة الخليج على حين غفلة من الزمن وكلهم يسعون إلى السير في ركاب الأعداء على حساب أي شيء ، هذه الأحاسيس نجدها لدى اليمنيين الذين يتألمون جداً لما يجري في الواقع العربي رغم أنهم أكثر الناس تعرضاً للقصف وحرب الإبادة من أبناء جلدتهم الذين يتسابقون لإبادة الشعب اليمني نيابة عن أمريكا وبريطانيا والعدو الصهيوني ، فالشارع اليمني بفطرته يتمتع بحس صادق وذكاء عميق يجعله يستشف مكامن الشهامة وصدق الإنتماء إلى الأمة فيتألم جداً لما يجري حوله متناسياً جراحه النازفة ، وهذا ما يحدث حيال المؤامرة التي تستهدف الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره الذي يخذله العرب عن سبق إصرار وترصد، لا أقول كل العرب ولكن أولئك الذين افتقدوا الشرف واستسلموا لبريق المال المدنس وأصبحوا يتباهون بالعمالة والخيانة وكأنهم يحققون انتصارات على ذواتهم ، وهي انتصارات زائفة ستقودهم إلى المهلكة إن شاء الله بفعل صمود وتحدي الأبطال رجال الرجال الميامين ممن لا يزالون يحتفظون بالنخوة العربية والانتماء الصادق للدين على امتداد الوطن العربي.
مهما تفاقمت المشكلات وزادت حدتها وزاد معها شعور الناس بالاستياء وعدم الرضا إلا أنهم في النهاية يركنون إلى قوة الإرادة الذاتية وصدق الإيمان وما يمثلانه من قوة ستمكن الجميع من دحر الأعداء وتسحق إن شاء الله أصحاب الفكر المتعصب بكل أشكاله ودرجاته ، وكل من يعتقدون أنهم في ساحة الجهاد كما هو حال من كانوا في ولد ربيع وتصدى لهم الأبطال في عشية وضحاها ، مع أنهم كانوا يتصرفون من باب الضلال والافتراء والضحك على الدقون بينما هم في الحقيقة لا يجاهدون في سبيل الله كما يدعون بل في سبيل الشيطان من أجل الحكم والنفوذ والسيطرة ، وأصحاب هذا الفكر يدركون أن هدفهم مرتبط باللعب والمتاجرة ، وهنا يمكننا أن نتصور ما ستؤول إليه أوضاع هؤلاء في المستقبل القريب إن شاء الله .
مهما امتهنوا الدجل والخداع فإنهم سيصلون إلى مرحلة الإحساس بالدونية لأنهم يحاربون بلا قضية ، لذلك سيتجرعون مرارة الهزيمة ويكابدون حالات الازدراء النفسية في كل الظروف والحالات كونهم باعوا الأوطان وتاجروا بالكرامة وامتهنوا الأعراض كلاً منهم يمتهن عرض الآخر وهو يشعر ببطولة زائفة لا وجود لها إلا في مخيلته المريضة ، إنها قمة المهزلة والبؤس أن يصل الأمر بالعرب إلى هذه الحالة من الانتكاسة وأن يتولى الأمر حكام بلا إرادة ولا ضمائر ، كل همهم أن يحكموا وقبلتهم أمريكا لا يحيدون عنها قيد أنملة ، واليوم يتجهون إلى قبلة أخرى وهي قبلة العدو المباشر تل أبيب ، ويخامرهم إحساس مريض بأنهم انتصروا أو حققوا ما يتطلعون إليه وهو إحساس مشوب بالخسة والحقارة يكشف حالة الاستعداد النفسي للهزيمة والقبول بها برضا تام .
نقول لهؤلاء أعملوا ما شئتم فإن مصيركم إلى الزوال وحياتكم كلها عبث في عبث ، لن تجدوا في النهاية مفر من عقاب الشعوب وصرختها المدوية التي ستزلزل أركانكم ، يكفينا عزاء في اليمن أننا نحس بالأمان في الوطن وهذا الإحساس كما تدركون لا يقبل وجود فجوة ولا يقبل الانتقاص لأنه إحساس بالوجود وهو الحياة التي يتطلع إليها كل إنسان ، وإن شاء الله مآلكم جميعاً الزوال وإن هذا اليوم لقريب إن شاء الله.. والله من وراء القصد..