هيروشيما بيروت
عمران نت / 11 / 8 / 2020
// مقالات // أحلام الدميني
في 6/8/1945م استيقظ اليابانيون على دمار مدينة هيروشيما الذي خلف في حينه 80 ألف قتيل في لحظة واحدة، ليرتفع العدد، فيما بعد نتيجة الإشعاع الذَّرّي إلى أكثر من 120 ألف قتيل، والذي من خلال استيعاب ما حصل لمدينة هيروشيما من دمار، أصبحت دولة اليابان اليوم ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم، وأصبحت مدينة هيروشيما مدينة السلام تذكيرا بتلك الكارثة لليابانيين، ليستمروا في التعايش، والسلام الداخلي والخارجي مع العالم، ولتُغيّر تلك اللحظة الدولة والشعب الياباني معا نحو هدف واحد، وهو تحقيق المصلحة الوطنية الواحدة، والعليا المتمثلة ببناء دولة قوية وناجحة، تقوم على أساس العلم والإتقان والتطور التكنولوجي والتربوي ..ألخ.
وهو ما أصبح، فيما بعد، هدفَ الجميع دولة وشعباً في كل المجالات التعليمية والصناعية والتنموية ….الخ، يحول اليابان جذريا من الدمار والخراب إلى العمران والنهضة، التي لم تأت إلا من خلال حقيقة واحدة، وهي أن الوطن لـ( الدولة والشعب) جميعاً، وليس لأفراد أو أحزاب أو كيانات …الخ، الأمر الذي وضع النقاط على الحروف، لتبدأ اليابان في رسم بداية نهضتها التعليمية والصناعية …ألخ، المعروفة للعالم كمراحل في التأسيس والبناء والإنتاج والتطوير، وليتحقق لها الاستقرار السياسي والاقتصادي المتميز والناجح، طوال 75 عاماً منذ أن حدثت كارثة هيروشيما.
وبالمقابل تفاجأ اللبنانيون، وبفارق يوم واحد على كارثة مدينة هيروشيما، مساء الثلاثاء الموافق 5/ 8/2020م، بانفجار ضخم مثَّلَ ( نصف قنبلة نووية)، ليدمر نصف بيروت، ويجعلها مدينة منكوبة تصل فيها الأرقام والمعلومات الأولية إلى تشريد نحو أكثر من 300 ألف مواطن ومواطنة، وأكثر من 5 ألف جريح، و150 قتيلا، وخسائر اقتصادية كبيرة قدرت ب 15 مليار دولار، وقد تبين في كل هذه الخسارات، التي لم تُحصَرْ بعدُ، حجم تلك التراكمات والسلبيات والأخطاء الموجودة في لبنان، منذ عقود، نتيجة سوء الإدارة وانتشار الفساد وغياب الشفافية والمصداقية في الأنظمة والحكومات المتعاقبة خلال تحمل مسؤولياتهم لقيادة وإدارة الدولة، وهو ما جعل لبنان في الأعوام الأخيرة تزداد وضعيته سوءً في التضخم والبطالة والديون والانهيار الاقتصادي والركود، وتُقتَل طموحاتُ أجيال موجودة وقادمة، نتيجة غياب التوجه العام للدولة اللبنانية في إيجاد أي تصحيح أو إصلاحات جذرية حقيقية تحقق له الاستقرار السياسي والاقتصادي معا، وبذلك ظل الشعب اللبناني يعاني ويتحمل عبث وفساد وتخلف عقلية المنظومة الفاسدة الموجودة في الدولة اللبنانية من كل الأحزاب والطوائف التي جعلت تركيبة الدولة اللبنانية طائفية ومعقدة، ومسيطَرا عليها من قبل تجار الدولة والسياسة والمال والإعلام والقوة، ولتُظهرها الأثار والتداعيات التي حدثت بعد الانفجار قمة الفساد والسقوط للبنانيين والعالم أجمع، ويتبين عدم ثقة الشعب بالمنظومة الفاسدة في الدولة اللبنانية.
ويظهر هذا الوضع بجلاء في أن كل طرف مسؤول يحمّل المسؤولية للطرف والمسؤول في الحزب الآخر، رغم أنهم جميعهم من أوصلوا الشعب إلى حالة الجوع والافتقار والتشرد، وضاعفوا من معاناته وأوجاعه.
واليوم هناك الكثير من المساعدات والمعونات الإغاثية تصل إلى لبنان من مختلف دول العالم، إلا أن غياب التنسيق والشفافية وإدارة الأزمة لتلك الكارثة من قِبل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص في لبنان، تتسبب في المماطلة واللامسوؤلية في ترتيب وتنظيم وإنقاذ كل من تضرر من الشعب اللبناني، لأن الدولة ومؤسساتها، من ناحية، والشعب و(مؤطريه)، من ناحية أخرى، بدون رؤية وطنية وشعبية موحدة ومنظمة، ودون منهجية مؤسسية متكاملة في تنظيم الحقوق والواجبات المتكاملة، وبالتالي ليس أمام الشعب اللبناني إلا البحث عن الحقيقة والتعلم من تجارب الدولة والشعب الياباني الذي وضع خارطة طريق متكاملة بعيدة المدى، جعلته يرسم مستقبلا أفضل له وللأجيال القادمة. والسؤال هنا، هل سيستطيع الشعب اللبناني من تجميع كلمته، ويقرر وضع هذه الخارطة المتكاملة له كرؤية وطنية وشعبية مؤسسية، تصحح وتعالج وتؤسس لبناء دولة جديدة قادمة للجميع، أما أن الحال سيبقى كما هو عليه؟
خصوصا وأن لبنان اليوم بحاجة من اللبنانيين إلى توحيد الصف الشعبي وطنيا ومؤسسيا، لوضع هذه الخارطة، لتوضَع النقاطُ على الحروف لكل منظومة مؤسسات الدولة اللبنانية، وليكون حكام اليوم من أصحاب الاختصاص والتخصص والكفاءات النظيفة والنزية.
ورحم الله الشاعر العراقي أحمد مطر، الذي وصف ظلم الأنظمة والرؤساء والحكومات والمسؤولين للشعوب بقوله:
ربما الزاني يتوب
ربما الماء يروب
ربما يُحمل زيت في الثقوب
ربما شمس الضحى
تشرق من صوب الغروب
ربما يبرأ إبليس من الذنب
فيعفو عنه غفَّار الذنوب
إنما لا يبرأ الحكام
في كل بلاد العرب
من ذنب الشعوب.
وفي الأخير لكل من تحمل مسؤولية شعب نقول: العدل هو أساس الحكم لمن أراد أن يحكم أي شعب، ففكروا بالعدل والإحسان والإتقان، قبل أن تحكموا الشعوب بالجهل والظلم والفساد، ليغفر الله وشعوبُكم لكم.