عن حديث الإنسانية وأحفاد بلال
عمران نت : 24 / 6 / 2020
// مقالات // د. أسماء الشهاري
وبعد أن سافرت الإنسانية في أرجاء المعمورة شرقاً وغربا وشمالا وجنوبا علّها تجد لها موطئ قدم في مكانٍ ما، إلا أنها عادت تجرّ أذيال الخيبة والخسران وبالأخص بعدما لفظت أنفاسها الأخيرة عندما فاضت روح المواطن الأمريكي جورج وهو يصرخ -لا أستطيع أن أتنفس- تحت أقدام من تدعي أنها الراعي والحارس الأول لها، لينطبق عليها وبكل جدارة المثل القائل”حاميها حراميها”.
تلكم هي أمريكا التي اختزلت كل مواقف جرائمها وعنصريتها التي لطخت بها تاريخ الإنسانية طوال عقود من الزمن في مشارق الأرض ومغاربها في مشهد قتل من يفترض بأنه من أبناء شعبها لأن بشرته سوداء، فكيف سيكون الحال بمن هو ليس من أبناء شعبها!
لم تكن هذه المرة الأولى التي تُداس فيها الإنسانية بهذه القسوة ولن تكون الأخيرة بيد أن المشهد يُقدم صورة مختزلة عن قرون زُيفت فيها الحقائق وتم تغطية وجوه مغتصبي الإنسانية وقاتليها بأقنعة لم تكن لتنسجم يوما مع بشاعة ما انطوت عليه سرائرهم وما ظهر في العلن من فظائع جرائرهم.
وفي المشهد الآخر، ورغم الصورة القاتمة والمشهد السوداوي لم تيأس الإنسانية وما فتئت تفتش في هذا الكون الفسيح عن مكان تتوارى فيه عن أعين المجرمين، حتى تسنح لها الفرصة لتشرق شمس نورها في العالمين، وفي لحظة يأس وهي تتصاعد منها آهات تحسر مُرة تلمح عيناها بصيص شعاعٍ وضاء يهديها لمكانها أخيرًا،
وهكذا وجدت مكانها أخيراً في قلب رجلٍ يقطن بلدا في أقصى اليمين يُقال عن أهلها أنهم أهل رقةٍ وإيمانٍ ولين، فطافت حول قلبه وصلّت وقيل ادخلي_”بسم الله”من الأمنين.
وبعيدا عن كل صور العنصرية والتمييز التي باتت وباءا فتك بقلوب الملايين، ورغم كل التحديات والمخاطر المحدقة به وببلده، رمى ببصره أقصى القوم إلى فئةٍ ظلّت طوال عقود يُنادى أهلها بالـ” مهمشين”، فلم يرق له حالهم ولم يكُ عنهم من الغافلين.
تقدم السيد إلى قومه معاتبا وموجها ومن الناصحين، أنّ هؤلاء – أحفاد بلال- أخوة ٌ لكم في الإنسانية والوطن والدين، وإنهم لأكرم الناس شرفا وفي الميادين، فما باعوا أنفسهم يوم فعل أناسٌ ذلك وما كانوا يوما من الخائنين، ومنهم الأسرى والجرحى والشهداء، وفي مقدمة جند الله الميامين، وإن حبهم للوطن لأشد من حب الخونة لدراهم السلاطين، وقد ظُلموا في هذه الدنيا عقودا، وإني لمن ظَلمهم لعمله لمن القالين، وفيهم يقطن الفقر والحرمان وهم أشد المحتاجين، وإني “والله” لستُ على ذلك من الراضين، وقد نذرتُ لربي أن أخدم شعبي وإني لهم لأول الناصرين.
إذن هذه كانت وصية سيد الإنسانية في زمنٍ يتكالب الأدعياء على تشويهها و وأدِّها، وهو أصدق الناس قولاً وعملاً وأعداءه على ذلك أول الشاهدين، وهي بمثابة خارطة طريق يجب على الجميع السير على خطاها بكل اهتمام وجدّية فالسيد يحفظه الله رؤيته بعيدة وطرحه عميق وهدفه كبير ولا يكفي التفاعل الشكلي الآني من قبل الجهات المعنية فقط، لأن الهدف الأساسي فيما يتعلق بهذه الفئة هي استعادة مكانتهم ورد اعتبارهم ودمجهم في المجتمع بشكل لائق من خلال العديد من البرامج والخطط، وتثقيفهم ورفع مستوى تعليمهم وثقافتهم ومشاركتهم في الحياة السياسية وتكاتفهم ضد من يضطهدهم، وغيرها الكثير من الاعتبارات التي قد تكون هدفًا للسيد سلام الله عليه على مستوى العالم.
فهذه الفئة تعد جزءا لا يتجزأ من أبناء هذا الشعب ودعمها يحتاج إلى برنامج وطني طويل الأمد كما دعا إليه سماحته، تتشارك فيه جميع الجهات ذات العلاقة حتى يتم دمجهم في المجتمع، وبالأخص أن البنية التحتية تعد منعدمة بالنسبة إليهم في جميع المجالات، فيجب تعاون وتشارك الجميع من منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة والمجتمع بكل مكوناته حتى ينهضوا نهضة دينية وإجتماعية وإقتصادية وتعليمية وعلى جميع المستويات، فحاجة الجميع للوعي ملّحة وكذلك الحال بالنسبة إليهم وبالذات التربية الإيمانية المنبثقة من روح القرآن الكريم والثقافة القرآنية فهم وكما أثبتت الوقائع أشدّ حباً لله وتضحية في سبيله وإذا ما تم تدعيم هذا الجانب لديهم فسينطلقون صواريخا في سبيل الله ولن يقف شيئا في طريقهم، وسيكون هؤلاء المستضعفين هم قوة الله الضاربة لكل الطواغيت والمستكبرين ليحقق الله على أيديهم إلى جانب أخوتهم الفتح والنصر المبين، فالمؤمنين أخوة ولا فضل لأحد على آخر إلا بمقياس الإيمان والتقوى والجهاد في سبيل الله والعمل على إعلاء كلمته في العالمين.
وقبل الحديث عن ما يمكن الدولة والمجتمع للقيام به لأجلهم، ربما يجب في البداية أن تكون لهم جهات رسمية تمثلهم بشكل رسمي وتعبر عنهم وعن آمالهم وآلامهم وطموحاتهم واحتياجاتهم كإنشاء هيئة أو نقابة باسمهم تمارس نشاطًا سياسيًا باسمهم وتطالب بحقوقهم، وإنشاء جمعيات خيرية لهم تعنى بتحسين وضعهم وتنفيذ مشاريع استثمارية لهم وباسمهم، يجب أن تكون هناك رؤية واضحة فيما يتعلق بدعمهم والاهتمام بهم وعلى رأس ذلك إيجاد المأوى والسكن المناسب وبناء مدن سكنية منظمة لهم، ثم يتدرج ذلك ليشمل العديد من البرامج والخطط التنموية، وألّا يغفل الجانب الرسمي عن مسألة استيعابهم في الوظائف مع الجهات وفي المؤسسات المختلفة بما فيها الجيش والمؤسسة الأمنية وغيرها من الجهات وذلك بعد تأهيلهم والارتقاء بهم في مختلف المستويات وعلى مختلف الأصعدة،
فأحفاد بلال لا يقلون شأنا عن غيرهم بل على العكس، فالكثير منهم يمتلكون قدرات ومواهب قد تفوق الكثير من الناس ولها احتياجات، فإذا ما تم بناءها وتوظيفها ضمن برامج شاملة توعوية وتدريبية وتنموية لرفع القدرات وتنمية المواهب تكون منطلقة من دراسات استراتيجية وكل ذلك يصب في إطار المساواة والعدالة الإجتماعية في إطار المسئولية، وألّا يظلوا كفئة مهمشة ومستضعفة وفقيرة، لأن لهم الحق في كل شيء ويجب الوقوف إلى جانبهم حتى يتم مساعدتهم على بناء أنفسهم ويشاركون هم في بناء المجتمع، وأن يأخذوا حقوقهم التي حرموا منها طوال هذه السنين، فلم يثبت من قبل أنه تم الإعتداء من قبلهم على حقوق الآخرين رغم الإضطهاد الذي تم ممارسته عليهم، ولهم الحق الذي كفلته لهم العدالة الإلهية في أن يعطوا حقوقهم في مجال الصحة والتعليم والسكن ودعمهم اقتصاديا وغيرها من المجالات وأن يتم إيجاد الحلول بالخطط التنموية الكبيرة على مستوى البلاد فيكونوا مجندين لهذا الوطن وإذا ما فتحت أمامهم الآفاق فسيخرج منهم الأطباء والمهندسين والمبدعين في شتى المجالات، وسنذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض المقترحات التي يمكن أخذها بعين الاعتبار في مجال التدريب والتأهيل بالنسبة إليهم،
كإلزام أطفالهم بعملية التعليم والتكفل بالاحتياجات والمستلزمات التي تساعدهم على ذلك بحيث تكون العملية التعليمية شيء أساسي ومهم بالنسبة لهم، إضافةً إلى تنفيذ برامج تأهيل حِرفية في كافة الأشغال، مثل
عمل دورات في الحرف اليدوية ودعم مشاريع صغيرة لهم، كالخياطة وحياكة المعاوز والمنتجات القطنية وغيرها الكثير من الحرف اليدوية، كذلك بالإمكان توظيفهم في تشجير المدن وفي مشاريع زراعية للاستفادة من المساحات الكبيرة في زراعتها كقاع البون وقاع جهران وتهامة وغيرها.
وكما من المهم دمجهم في المشاريع المختلفة كمشاريع المنظمات، والسلات الغذائية وغيرها
وإذا ما تحدثنا عن استيعابهم في مشاريع النظافة على أن يكون ذلك ضمن صندوق التحسين مع رفع مرتباتهم والاهتمام حتى بنظافتهم ومظهرهم وأناقتهم ونظافة وتنظيم الأدوات التي يعملون بها وهم يؤدون عمل النظافة وتحسيسهم والمجتمع من حولهم بأنه عمل راقٍ وعظيم يقومون به،
وإنشاء جهات منظمة لعمل النظافة وتحويل العمل فيه إلى متعة وموارد مالية يعود ريعها عليهم، فمثلا يتم مساعدتهم في المنازل في فرز المخلفات إلى مخلفات أطعمة وحدها، والبلاستيك وحده، والحديد والخرداوات على حده وغيرها، بحيث يكون لديهم مؤسسات تم استيعابهم فيها
لتدوير التصنيع، كالبلاستيك والمعادن وما إلى ذلك.
وهناك الكثير والكثير من الأفكار التي يمكن الانطلاق منها في هذا المجال، فالمهم
هو الإحساس بهم، ومعالجة معاناتهم
وحل مشكلاتهم،
ومن المعروف حبهم وتفانيهم في الأعمال، فهم يمثلون أيدي عاملة مهمة في الارتقاء بالبلد في مختلف المجالات مع إعطائهم حقوقهم ومن حقهم أن يتقلدوا المناصب كغيرهم، وليس استغلالهم بسبب فقرهم وعدم إعطائهم حقوقهم كما كان في السابق، وباختصار هو كما قاله قائد الثورة #السيدعبدالملكبدرالدين_الحوثي يحفظه الله أنه برنامج وطني طويل الأمد له أسسه الثابتة ومجالاته المتعددة حتى يُعطي أُكُله ويسعد الجميع بجني ثماره التي لا شك أنها ستكون من أهم مقومات بناء الوطن وازدهاره.