هُنا اللبنات!
عمران نت / 29 / 4 / 2020
// مقالات // د.مصباح الهمداني
قالوا بأن معسكر اللبنات هو المستحيل، ودخول الجيش واللجان إليه هو الحلم الذي لن يتحقق، ولا أخفيكم أنني مع كل الثقة بالله، كنت أنظر إلى الجغرافيا، وإلى الأسباب والمسببات، فأجد الوضع صعبًا للغاية، فالمعسكر في أرضٍ مكشوفة، وصحراء واسعة، وطيران الأباتشي تحلق فوقه، والطيران الحربي يمشط سماءه، وبكل أبجديات المعركة لن يستطع بشر أن يقتحم معسكرًا في قلب الصحراء ، إلا إن كان يمتلك طيرانًا موازيًا، وعتادًا مماثلًا، لكن ما حدث أذهلني، ورأيت مالا تستطع وصفه الكلمات، ودعونا نتسلل قليلًا إلى مرابض الأسود، ونراقب ما فعلت بأذناب اليهود…
أسدٌ من أسود اليمن، يجلس على رؤوس أصابعه، وبيده اليمنى فأسًا، وفي اليسرى رشاشًا، وحوله ثلاثون بطلًا تقريبًا، وبجوارهم طقمٌ مموه، كلهم جلوس، إلا اثنان تدور أعينهم حول المكان، ومصورٌ يوثقُ لحظات المجدَ الأسطوري، يخُط قُطب الدائرة بنهاية عصا الفأسِ على الأرض ويقول:
“…وفي الأخير سيتم قطع المدد من هذا الطريق”.
وترتفعُ الصرخة، التي أرعبت شياطين الأرض وعبيد المال، ويتحركُ رتلٌ من الأطقم، وتبدأ أم المعارك، للوصول إلى أشرس مكان، وأصعب بقعة، حيث الرمالٌ ملتهبة، والسماءُ مكشوفة، والأرضُ صلعاء لا تنبتُ فيها شجرةٌ ولا شجيرة، والجبالُ حول المعسكر، كأنها غادرت الأرض منذ ملايين السنين.
تحركَ المُؤمنون، وكل شيءٍ ضدهم، إلَّا أن هُناكَ يدٌ ترافقهم، وعينٌ تحرسهم، وقوة تؤيدهم، ومددٌ يُثبتهم، لقد رأيتهم يفتشون عن كل هذا، في كل اجتماع، ويتوقفون كثيرًا عند كل محطة، ويخرجون كتاب الله من جيوبهم ويقرأون منه ما تيسر، إنهم باختصار يجدونه بين سطور كتاب الله المبين”
ومع تقدم الأبطال؛ تسجدُ قرية المرازيق تحت أقدامهم، ويعلنُ قائدهم، طريقة الدخول بقوله” أهم شيء لا نرمي على بيت ولا على مزرعة ولا على خيمة؛ إلا إذا ضَرَب علينا..واضح”
ويتم تطبيق التوجيه بحذافيرة، وتأتي بعدها قرية بني نوف، ويستمر التطبيق، ولا تشتعل النيران إلا في وجه مرتزقٍ مُحارب، أو مدرعةٍ مواجهة، أو طقمٍ برشاش، وتتساقط المواقعُ واحدًا تلو الآخر، ويدخل المُسدَّدون وادِ الهضبة، وقد اغتنموا بعض المدرعات والآليات، والعدو في فرار والليوث في إقبال، وتبدأ مرحلة الملاحقات في السهول والوديان، ويمد الليل رداءه الأسود على كل التلال والهضاب، ويشعلُ المؤمنون مصابيح الطقوم، ويستمرون في الهجوم، ترافقهم زواملهم وصيحاتُ قائدهم “فوقهم يا رجال الله فوقهم”
وتلوحُ بوابة معسكر اللبنات، بعدَ أن صبَّ المجاهدون آلاف الطلقات، وأحرقوا عشرات المدرعات، واعتلى بعض الأشبال فوق الآليات، يرددون “كل هذا بفضل الله وتأييده”
وسترى من الآيات على أرض المعسكر ما تتوقفُ له القلوب، وتقشعر له الأبدان، وتُسبِّحُ الألسن للقوي المنَّان.
هنا مدرعة انقلبت على رأسها ، وهناك أخرى رفعت أرجلها للسماء، وعلى أكتاف الهضاب الصغيرة مخازن كثيرة ممتلئة بما يُشبعُ الذود عن حياض الوطن، وغرفٌ كثيرة رديئة الخدمات، قليلة الفُرش، وبجوارها غرفٌ مجهزة على أحدث طراز، وفي داخلها كل شيء، من الشوكلاته إلى المشروبات، إلى الحشيش، ويتضحُ الأمر بعد التحقيق السريع مع الأسرى،وبعد بعثرة الأوراق، وتفتيش الملفات، فإذا بالأوَلِ للمرتزقة المحليين، وإذا بالأخريات للسعاودة، فرقٌ كبير في كل شيء، من التغذية إلى الأثاث، إلى التحصين، وإهانة كبيرة للمرتزق في داخل أرضه، لكن المُحصَّن والمكشوف سقطَوا جميعًا، تحتَ أقدام رجال الأرضِ وحماة العرض، ومن المضحك أن هناك خيما مكتوب عليها “السعودية مملكة الإنسانية” وبداخل هذه الخيم صواريخ وألغام…
وبين جمع الغنائم وملاحقة البهائم، وضرب الطيران الذي لم يتوقف للحظة؛ لم يفُتْ رجالُ الحرب أن يرفعوا العلم اليمني في وسط ساحة المعسكر.
وكم كان جميلًا وصول الأبطال إلى جوار بئر نفط لمعاهدتها أن يتم تفعيها يومًا لرفد الخزينة اليمنية، لا في خدمة جارة السوء اللعينة…
لن أستطع حصر المشاهِد كلها، ولابُد لكل مؤمن أن يكحِّلَ عينيه بآيات الله المرصودة في مقطع الفيديو الذي بثه الإعلام الحربي، ومدته أربعة وأربعون دقيقة…
إن سقوط معسكر اللبنات، يُعدُّ كسرًا للعمود الفقري للعدو، واكتمال الكماشة حول خصر مدينة مارب الساقطة ناريًا، “وما النصرُ إلَّا من عند الله”