آخر أوراق السعودية في المهرة
// مقالات // عبدالرحمن العابد
العداء التاريخي الذي تكنه السعودية لليمن لا يخفى على أحد، لكن أوراقه تتكشف يوما بعد آخر في جنوب اليمن عبر محاولاتها المتكررة وبشتى الطرق السيطرة على محافظة المهرة، من أجل مدّ أنبوب نفطي بحري لتصدير نفطها وصولاً إلى بحر العرب وذلك في محاولة لضمان تأمين خطوط نفط بديلة له.
ويواجه التواجد السعودي في منطقة المهرة وغيرها من مناطق الجنوب مواقف رافضة لمحاولاته التوسعية وأطماعه التي برزت في التوجه صوب المناطق الشرقية من اليمن على خلفية تزعمها تحالفاً عربياً ودولياً ينفذ عدوانه وحصاره على اليمن واليمنيين منذ مارس 2015 م، لكن ذلك الرفض يبدو في المهرة أكثر وضوحاً عن سائر المحافظات الجنوبية.
تُلقي السعودية بكلِّ ثقلها العسكري في المهرة، تلك المحافظة الواقعة عند ملتقى ثلاث دول، وتحديداً في أقصى جنوب شرق اليمن، والتي فتحت عيون الرياض فجأة على بحر العرب بموقعها الاستراتيجي ، لكن التعزيزات العسكرية الجديدة للمملكة ليست الأولى في هذه المحافظة التي تشهد حراكاً ضد المخطط السعودي منذ مطلع العام ولن تكن الأخيرة، غير أن حجمها هذه المرة يأتي في ظل تحركات على كافة الأصعدة للفصل في هذا الجدل الذي بات كابوساً يطارد الرياض وتراه استحقاقاً نظير تدميرها لليمن وتمزيق نسيجه الاجتماعيـ بينما يصفه الأهالي بـ”الاحتلال” لا أكثر.
التعزيزات السعودية الأخيرة شملت خمسة قوارب عسكرية سريعة نُشرت في سواحل المهرة التي تكتظ أصلاً بسفن وزوارق عسكري سعودية، ودفعة كبيرة من الأطقم المزودة بأسلحة رشاشة ومدافع متنقلة، لتضاف هذه التعزيزات لقوات كبيرة حرصت السعودية منذ وصول قواتها نهاية العام الماضي على إرسالها على دفعات براً وبحراً وجواً، ووزعت على قواعدها العسكرية المنتشرة على امتداد الخارطة الجغرافية للمهرة الواقعة على حدود سلطنة عمان.
هذه المحافظة التي ظلت لعقود من الزمن منسية، باتت اليوم محل اهتمام إقليمي فتح أبواب جهنم عليها، وهي التي نأت بنفسها عن خارطة الصراع اليمني الذي تقوده الرياض منذ مارس 2015، ويهدد مستقبلها كمحافظة واعدة بالاستثمارات، فالرياض بدأت منذ مطلع العام عسكرة البر والبحر وحتى الجو، فلا الساحل الذي تخطط الرياض إقامته مشروع ميناء نفطي سيبقى مفتوحاً للصيد، المهنة التي يحترفها آلاف الصيادين في هذه المحافظة، ولا البر سيظل مفتوحاً للرعي وقد حددت الرياض أهم مناطقه الخصبة كمواقع عسكرية لحماية أنبوب للنفط تسعى الرياض لـمَدِّه عبر أراضي المحافظة ويمتد لنحو ألف كيلومتر، بحسب ما ذكرته صحيفة عكاظ في وقت سابق، وقبل هذا كانت القوات السعودية التهمت آلاف الكيلومترات من صحراء هذه المحافظة حتى وصلت عند ملتقى المهرة وعمان، وسط أنباء تتحدث عن تجاوز الرياض حدود اليمن بنحو 42 ألف كيلومتر انطلاقاً من الخراخير، المنطقة اليمنية التي التهمتها السعودية عندما ساهمت بإثراء حرب الانفصال في تسعينيات القرن الماضي، وخرجت من هذه الحرب باتفاقية لترسيم الحدود.
السيناريو ذاته يتكرر اليوم، فالرياض التي مزقت القوى اليمنية بحرب جعلتها تبدو فيها كالأطرش في الزفة تدفع حالياً لإجبارهم على تمرير اتفاقيات تضمن لها كل مشاريعها سالفة الذكر، وقد نجحت فعلاً في جر تلك الأطراف إلى الرياض وسهَّلت لهم عقد مجلس النواب بمن حضر، وهي تسابق الزمن حالياً، قبيل توصل الأطراف اليمنية لاتفاق مرتقب يضغط المجتمع الدولي لتنفيذه في يناير المقبل، لفرض الواقع الجديد في المهرة ولو بالقوة المسنودة إلى قرار رسمي سبق لهادي، وإن تقاضى ثمنه من السفير السعودي بمسرحية هزلية تمحورت فصولها حول استقبال السفير السعودي للرئيس اليمني القادم من الرياض لافتتاح مشاريع في المهرة، لكن رغم ذلك تدرك الرياض بأن الأهالي سيظلون حجر عثرة في طريقها ولن يقبلوا بمخططاتها، وقد أعلنت قوى عدة- أبرزها المؤتمر والناصري والرشاد- الانضمام إلى ساحات الاعتصام المناهضة للوجود السعودي، وطالبوا في بيان لهم بخروج القوات السعودية من المحافظة، وهذا قد يزيد الزخم الشعبي ضد الوجود السعودي قوة.
تجهز السعودية قوتها على الأرض، وهي التي سبق وأن جندت المئات محلياً واقتحمت مخيمات الاعتصام سابقاً، لكن عينها الآن على البرلمان، والهدف تمرير الاتفاقيات الجديدة وإعطاؤها الضوء الأخضر لتنفيذ مشروعها، بغض النظر عن الفاتورة الإنسانية أو حتى الأخلاقية، وهي التي سبق وأن قتلت وحاصرت شعباً بأكمله في سبيل ذلك.
مصادر محلية في محافظة المهرة سبق قولها إن القوات السعودية، تسعى لتحويل شاطئ سيحوت إلى ثكنة عسكرية للقوات السعودية، من خلال استحداث موقع عسكري وبناء أبراج مراقبة.
وأضافت المصادر أن الأهالي والصيادين في سيحوت فوجئوا، بوجود فريق هندسي سعودي يرافقه مدير المديري
وأضافت المصادر أن الأمر لم يتوقف هنا حيث قام مدير المديرية “بنقل الفريق السعودي إلى مكان آخر على الشاطئ، لا يبعد سوى أمتار قليلة”. وبحسب المصادر فقد قوبل هذا التحرك السعودي أيضاً بالرفض من قبل أبناء منطقة سيحوت ” الذين عبروا عن رفضهم هذه الممارسات التي من شأنها أن توقف مصدر رزقهم”، وكذا رفضهم المساومة على أرضهم وإنشاء ثكنات عسكرية ومعسكرات على شواطئ المهرة.
محافظة المهرة تشهد احتجاجات منذ أكثر من عامين رفضا للتواجد العسكري السعودي في مطارات وشواطئ المحافظة الاستراتيجية الحدودية مع سلطنة عمان، والتي حولتها القوات السعودية إلى ثكنات عسكرية تابعة لها.
جدير بالذكر أن الاعتصامات، والاحتجاجات التي ينظمها أبناء المهرة تعرضت لحملة تخوين من قبل الوسائل الإعلامية الموالية للسعودية، وتتهم قياداتها بإثارة الفوضى والتسبب بإقلاق الأمن في المحافظة.. ولم يتوقف الأمر عند الاتهامات بل تطور إلى الاعتداء على فعاليات الاعتصامات ومحاولات فضها بالقوة واستخدام الأسلحة، واستشهد اثنان من المشاركين في الاعتصامات المنددة بالتواجد السعودي، والرافضة لتنفيذ السعودية مشروعها بمد أنبوب نفطها إلى البحر العربي عبر الأراضي اليمنية، وانضمت عدد من الأحزاب إلى الاعتصامات الرافضة لتواجد القوات السعودية في محافظة المهرة، وصدر عن تلك الأحزاب بيان، أعلنت فيه انضمامها الكامل للاعتصامات المطالبة برحيل القوات السعودية، لتتسع دائرة الرفض للتواجد السعودي في المهرة.
وثائق مسربة كشفت في وقت سابق عن حقيقة الأطماع السعودية في اليمن بشكل عام ومحافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان بشكل خاص.. مؤكدة أن الهدف الأساسي للتدخل السعودي في اليمن هو تأمين منفذ بحري لتصدير النفط السعودي، وتداولت مواقع إخبارية وثائق تعود لعهد الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز ووزير الداخلية الراحل نايف بن عبد العزيز، تضمنت الوثيقة الأولى والتي كانت موجهة من رئيس مجلس الوزراء السعودي إلى ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء شرحا عن جغرافيا المملكة وأن إطلالتها البحرية تقتصر على الخليج والبحر الأحمر واللذين لا يتصلان بالبحار المفتوحة إلا عبر مضائق من السهل إغلاقها.
الوثيقة السرية طالبت ولي العهد في تلك الفترة بضرورة إيجاد بدائل ومنفذ بحري للمملكة مفتوح على بحر العرب عن طريق اليمن أو سلطنة عمان ويطالبه بتشكيل لجنة عليا لدراسة الأمر.
الوثيقة الثانية الموجهة من ولي العهد السعودي نائب رئيس الوزراء إلى وزير الدفاع والخارجية ورئيس الاستخبارات والمالية والبترول والثروة المعدنية والنقل والاقتصاد والتخطيط، يطلب منهم تسمية أعضائهم في اللجنة بحسب الوثيقة ويبلغهم بأنه قد حدد رئيس اللجنة.
مراقبون أكدوا أن تلك الوثائق تكشف ما تقوم به السعودية حاليا على الأراضي اليمنية وتفضح حقيقة تواجدها العسكري في المهرة منذُ حوالي عام.
عضو مجلس الشورى اليمني ومدير أمن محافظة المهرة السابق اللواء أحمد محمد قحطان شن هجوما عنيفا على السعودية، محذرا من مشروعها المشبوه في اليمن بشكل عام ومحافظة المهرة بشكل خاص، وأشار اللواء قحطان في مقابلة مع قناة الجزيرة أوائل يناير الجاري إلى أن السعودية تسعى لمد أنبوب نفط من داخل أراضيها إلى السواحل اليمنية، مستغلة حالة الضعف التي تمر بها الدولة اليمنية حاليا.. مؤكدا أن أبناء المهرة لن يسمحوا بذلك.
قحطان لفت إلى أن التحالف السعودي الإماراتي يسعى من خلال وجوده في محافظة المهرة إلى إحداث الفوضى وزرع مجاميع متطرفة وليس دعم حكومة هادي كما يزعمون.
أحمد بلحاف الناطق الرسمي باسم المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، أكد في وقت سابق عبر مقابلة مع وكالة “سبوتنيك” رفض أهالي المهرة أية وصاية عليهم من جانب التحالف.
مؤكداً أن التماسك القبلي والمجتمعي ردع السعودية وكبح جماحها عن تنفيذ أجندتها أو الفتك بأبناء المهرة وأن السعودية تعمل جاهدة لفك هذا التماسك ولكنها لم تفلح… لافتا إلى أن المعتصمين سعوا إلى خروج المليشيات التي أسستها السعودية وضباطها وجنودها الذين نشرتهم على الساحل والخط الصحراوي.
الناطق الرسمي باسم المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، أوضح أن السعودية تعمل على تثبيت وضع معين تريده في المهرة منذ فترة ليست بالقريبة وعملت على التفريق بين أبناء المحافظة على الشريط الحدودي وخلط الأوراق وكأن المهرة جزء من أراضي السعودية جغرافيا.
مشيراً إلى أن الرفض الشعبي من أبناء المهرة بدأ منذ لحظة دخول القوات السعودية في 12 نوفمبر 2017 إلى مطار الغيظة في منتصف الليل بدون علم السلطة المحلية في وقتها.
السعودية التي تعمل على تحقيق أهدافها في المهرة عبر تمويل مشاريع في قطاعات التعليم