99 عاماً.. نزيف وعد بلفور!
نظام مارديني
تسعة وتسعون عاماً على الوعد المشؤوم، بعد قرنٍ على «سايكس بيكو» الذي «أعطى فيه مَن لا يملك، لمَن لا يستحق»، وحيث وضعت فلسطين رهينة استعمار استيطاني، وحيث تهافت الجراد اليهودي من كل دول العالم إلى أرضنا المقدسة.
هل نلوم أجدادنا وآباءنا، رغم أننا ندرك ما كانت حالهم، حين وضع مصطلح «المسألة الفلسطينية» قيد التداول.. وحيث كانت الغيبوية التاريخية، والحضارية، تطبق علينا بعد خمسمئة عام في «الثلاجة» العثمانية؟ وحيث ظل المصطلح يتفاعل زهاء قرن إلى أن فعل ما فعله الثنائي «سايكس – بيكو» في إعادة ترتيب عظامنا.. أجل عظامنا التي لا تزال تعمل قبلياً – حتى الآن! غريب أن يتعاطى بعض شعبنا في سورية الطبيعية بكل تلك اللامبالاة، بل وبكل ذلك التواطؤ، مع الذكرى المشؤومة التي وضعتنا، شئنا أم أبينا، في بطن الكارثة!
منذ نحو قرن زرعوا قنبلة «وعد بلفور» لاستنزافنا بل ولتحطيمنا. كل ما يمكن تصوّره، فعله ذلك الوعد فينا، وبدا، كما رأينا بالعين المجردة، كما لو أن الغروب الكبير للقرن هو الغروب الكبير للأمة.
تذكرون دافيد بن غوريون، وهو النبي المسلّح، كيف بدا وقد تلاشى قائلاً: «أذهب وفي ذاكرتي كل ذلك الدم». فيما قال عزرا وايزمان «تلك الأحذية التي تقود أرواحنا»، ومن دون أن ننسى مناحيم بيغن وقد التفّ ببطانية الصوف خوفاً من كل تلك القبور التي تلاحقه. مات أيضاً داخل بطانية الصوف.. كلهم ارتطموا، أخيراً، بدمنا وتناثروا!
بعد مئة عام على وجود هذا السرطان في جسم أمتنا، وهو يتغلغل، ولكنه سرطان شظايا. أجل وكيان شظايا. الجميع ضد الجميع. حزب العمل قد ترهّل وتناثر، الليكود يتهاوى. إنها الحرب الحامية الوطيس. مَن ضد مَن؟… وفي نهاية المطاف، يتبارون: كيف نقتل الفلسطينيين بصورة أفضل؟
الأيام الأخيرة أثبتت كم أن الفلسطينيين الذين، لهذا السبب أو ذاك، وما أكثر الأسباب، عاشوا بين التشتت والشتات، بحاجة إلى أن يصبحوا ساعداً واحداً، أجل نقولها بالفم الملآن، لأن هناك مَن عمل، وعلى ذلك النحو المنهجي اللامرئي، على تحويل الفلسطينيين «شعوباً» معَدّة للتقاتل في ما بينها. ولكن التقاتل حول ماذا؟ هل تريدون أن نستفيد من تجربة هوشي منه وكيف وحّد ثلاثة عشر فصيلاً فيتنامياً تحت مظلة الفيتكونغ! كانت المسافات كبيرة بين الرجال، لكن القضية كانت كبيرة، تمثلاً باللحظة الفيتنامية الكبرى، لماذا لا تكون اللحظة الفلسطينية الكبرى؟
هذه أيام دقيقة وصعبة، بل وخطيرة، مادامت الذئاب تقف على كل المفترقات، من العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين.. بل تقف على كتفي سوريانا لتغتال ما تبقى من مقاومة في هذه الأمة. هذه لحظة فلسطين.. فلسطيننا، فمَن يلتقطها؟
يقول الزعيم أنطون سعاده: «نحن أمام الطامعين والمعتدين في موقف تترتّب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة أو الموت».
فمَن يصرخ: أيها الفلسطينيون استيقظوا. قبل الدولة، قبل الايديولوجيا، قبل خرائط الطريق وما أكثرها وقد تحوّلت إلى خريطة… قطع أوصال الفلسطينيين ، اجلسوا حول طاولة مستديرة، إذا لم يكن باستطاعتكم الجلوس إلى طاولة مستطيلة، ولا تخرجوا من المكان قبل أن تحرّروا – أو توحّدوا – فلسطين في داخلكم. حينذاك تصبح لكم خريطة طريقكم، وهي غير التي تطبخ في الأقبية!
وأيضاً للزعيم سعاده: «لو وجد في سورية رجل فدائي يضحّي بنفسه في سبيل وطنه ويقتل بلفور، لكانت تغيرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيّراً مدهشاً».