مرتزقةُ العدوان يتاجرون بالأسرى والسجّانون يتناوبون على تعذيبهم
هي اللحظة التي تختزل الفرح وتتجاوز آلام سنوات من العذاب، ومثلها من لهفة لقاء الأحبة والوطن والانتماء، عاشها الأبطالُ من الأسرى المحرّرين عندما حطّت أقدامُهم مطارَ صنعاء، بل إنها النصرُ المصغّرُ في عيون اليمنيين، مشهدٌ يتعدّى الوصفَ ويصف ذاته بلُغةٍ ملؤها العزةُ والكرامةُ المثقل بها هؤلاء الثلة من الأبطال، بعد رحلةٍ تمتدُّ لسنوات سطّروا خلالها البطولات؛ ذوداً عن حياض الوطن وَدِفاعاً عن العرض والشرف والسيادة التي لم يتنازل عنها اليمنيون ودفعوا كُـلَّ شيء دوناً عنها.
وَلأَنَّ الكلَّ تسابق على التواجد من قيادات الدولة والمواطنين؛ كي يتشرّفوا بلقاء الحاضرين والواصلين من رحلة الفداء والمعركة المقدّسة، كان لزاماً علينا في صحيفة المسيرة توثيق هذه اللحظات الخالدة من التاريخ اليمني الناصع، عزة وشموخاً وكبرياء، حيثُ تمكّنا من توثيق الجزء البسيط وعدنا بهذا التقرير.
استقبالٌ حافلٌ:
قَدِمت أمُّ الشهيد العلامة فيصل عاطف منذُ الصباح الباكر إلى ساحة مطار صنعاء، وهي في السبعين من عمرها، وقالت لصحيفة المسيرة: إنَّ دافعَها هو استقبالُ رجال الرجال الذين بذلوا من أعمارهم وأجسادهم الكثيرَ في سجون العدوّ السعوديّ، معتبرةً هذا اليوم بأنه عيد وفرحة كبيرة بما حمله لأهالي الأسرى من سعادة، وكذلك كُـلّ الشعب اليمني الذي احتشد للاحتفال بقدوم هؤلاء الأبطال؛ تقديراً لتضحياتهم في سبيل الدفاع عن أعراض الشعب اليمني وعن كرامتهم وانتصاراتهم، وهذا جزءٌ بسيطٌ من الواجب تجاه الأسرى المحرّرين، واصفةً المعنويات الشعبيّة بأنها عالية وشامخة، مؤكّـدة الاستعدادَ والجهوزيةَ التامةَ في مواجهة العدوان مهما طال أمدُه.
لقد كان مشهدُ الحضور مهيباً بحجم الفرحة التي ارتسمت على وجوه الناس، وعلى زوامل المجاهد عيسى الليث رقص الأهالي طرباً وقرعوا الطبولَ ابتهاجاً بهذا الحدث، الذي يُمثّل بارقةَ أمل على دنو انتصار اليمنيين، حيث كانت معنوياتُ المواطنين مرتفعةً كيف لا وهم يحتضنون فلذاتهم وأقاربهم بعد طول فراق وغربة ليست كأيّة غربة، فهي في سجون العدوّ، حيث قال الشيخُ شمسان أبو نشطان -رئيس الهيئة العامة للزكاة-: إنَّ هذا اليوم الذي يستقبل فيه الشعبُ اليمنيُّ دفعةً من الأسرى المحرّرين يُمثّل عيداً وطنياً أدخل الفرحَ إلى قلوب هذا الشعب الصامد الصابر الكريم الذي حضر لاستقبال هؤلاء الأبطال العظماء، من رفعوا رؤوسَ اليمنيين عالياً وكسروا أطماعَ العدوان بثباتهم وجسارتهم.
بداية لسقوط العدوان ومشروعه في اليمن:
’’لا شكَّ أن الضغوطَ العسكريةَ والانتصارات التي حقّقها الجيشُ واللجانُ الشعبيّةُ خلال الفترة الماضية، بالإضَـافَـة إلى ضغوط الدبلوماسية اليمنية عبر المطالبة المستمرّة للإفراج عن الأسرى ومبادرات إطلاق دفعات من أسرى تحالف العدوان، هو ما جعله يُنفّذ مثلَ هذه العملية كردٍّ على المبادرات اليمنية’’.
هذا ما صرّح به مستشارُ المجلس السياسي الأعلى، السفير عَبدالإله حجر، لصحيفة المسيرة أَثناءَ استقبال الأسرى المحرّرين في مطار صنعاء، مضيفاً أنَّ ‘‘هذه الخطوةَ بدايةُ السقوط للسعوديّة وهزيمتها في مواجهة اليمنيين، فهذه الخطوة تُعتبر مقدّمةً لعدّة خطوات تنحني فيها السعوديّةُ لإرادة اليمنيين، دافعُها في ذلك خوفُها من قدرات اليمنيين التي تتعاظم مع استمرار أيام العدوان، فضربُ منشآتها النفطية جعلها تفكّرُ مليًّا في الخيارات المطروحة أمامها فيما يتعلّق بالعدوان، لكنها اكتشفت أن خياراتِها لم تعد كما كانت متعدّدة وأصبحت معدودةً’’.
وعبّر حجر عن تفاؤله ‘‘بأنها أولى الخطوات نحوَ السلام المشرف الذي يحقّق للشعب اليمني السيادةَ والكرامةَ، ولكنها ليست خطوةً كافيةً فنحنُ نريدُ منهم إطلاقَ جميع الأسرى ودفعَ الرواتب وَفكَّ الحصار وفتحَ مطار صنعاء، كما يجب عليهم تعويضُ كُـلّ من تضرّر من هذه الحرب العدوانية؛ كي يحصلوا على السلام’’.
تعذيبُ العدوان للأسرى شاهدٌ آخرُ لقبح العدو:
‘‘إن إطلاقَ دول العدوان لـ 128 أسيراً تعتبر أولى الخطوات العملية في اتّجاه بناء الثقة، حيثُ إن عدداً منهم لم يكونوا من ضمن الأسرى وهم من المغتربين اليمنيين الذين تم اعتقالُهم في الأراضي السعوديّة ’’.
هذا ما قاله محمد البخيتي لصحيفة المسيرة، مؤكّـداً ‘‘أنَّ هذه أولى الخطوات السعوديّة في الاتّجاه الصحيح، لكن ما ينغّص هذه الخطوة ممارسات التعذيب البشعة التي تعرّض لها هؤلاء الأسرى في السجون، في مخالفةٍ لِكُـلِّ القوانين الدولية والعرفية والسلوك الإنساني السليم، والتي ستظلُّ وصمةَ عار تلاحقه’’.
وأشَارَ ‘‘إلى أنه وبالرغم من أهميّة هذه الخطوة الإنسانية، إلّا أننا سبق وأن بادرنا بإطلاق أربعمِئة أسير ممن وردت أسماؤهم في كشوفات محادثات السويد، بينما خطوة السعوديّة لم تلتزم بمن وردت أسماؤهم في الكشوفات ذاتها’’.
أسرى محرّرون يتحدّثون لصحيفة المسيرة:
الأسيرُ المحرّر بارق الشهاري يتحدّث لصحيفة المسيرة قائلاً: ‘‘أُسرت في وادي أبو جبارة قبلَ عام من قبل المرتزِقة اليمنيين الذين يقاتلون؛ دِفاعاً عن حدود السعوديّة بعد أَن جُرحت بإصابة كبيرة؛ نتيجةَ شظايا متعدّدة في أكثر من جزء في جسدي’’.
وأضاف: ‘‘بقيتُ في إحدى مواقع هؤلاء المرتزِقة شهراً كاملاً لم أتلّقَ خلال هذه الفترة من المساعدة الطبية إلّا القليل، فقد كانوا يستلذّون بآلامنا على الرغم من تفاقم إصابتي وبعد أَن كدت أفارق الحياةَ، تم نقلي إلى مستشفى بنجران، ومكثت هناك ثلاثة أشهر حتى بدأت حالتي الصحية تتحسن، بعدها نُقلتُ مع مجموعة من الجرحى إلى أحد السجون في خميس مشيط وهناك بدأت المرحلةُ الثانيةُ من التعذيب والتنكيل المستمرّ، بحيث لم يمضِ يوم دون أن يتم تعذيبنا بكلِّ أشكال وأنواع التعذيب التي تخطر على بال أي إنسان، لكننا اليوم نقولُ للعدو من مطار صنعاء ومع أولى لحظات وصولنا إلى وطننا الحبيب، بأننا لن ننسى جرائمه بحقِّنا وبحقِّ كُـلّ فرد من أبناء هذا الشعب المظلوم، ونعده بأننا عائدون إلى مرابض العزة والكرامة في الجبهات، فمن خلالها سنأخذ بثأرنا وثأر اليمنيين جميعهم”.
لحظات الاستقبال والوصول في منظور أحد الأسرى المحرّرين:
بدوره، قال الأسيرُ المحرّر أنور الكينعي: لقد أُسرت في منطقة صرواح بمحافظة مأرب، استمرَّ سجننا في محافظة مأرب لفترة وبعدها تم بيعُنا من قبل المرتزِقة اليمنيين للعدوِّ السعوديّ مقابلَ الفتات من المال، حيث قضيت في الأسر في سجون العد أربعَ سنوات وأربعة أشهر، معظمُها تحت التعذيب.
وفي حديثه للصحيفة وصف أنور هذا اللحظات ‘‘بأنها لا توصف، وأنها كمن يخرج من قبر استمر فيه سنوات كانت المعاملةُ قاسيةً جِـدًّا، أربعُ سنوات وعدّة أشهر من التعذيب في سجون خميس مشيط التي تشبه سجونَ أبو غريب سيئةَ الصيت، فالحمدُ لله الذي أخرجنا من هذه السجون الظالمة’’.
عودة محارب.. والعوْدُ أحمد:
قبل أن نسألَه، قال الأسير المحرّر عَبدالإله أبو مريم، بعد أن حمدَ الله على هذه الفرحة واللحظات السعيدة التي يعيشها مع كُـلِّ هؤلاء الأسرى المحرّرين: ‘‘إنَّ العودةَ إلى الجبهات هي أكبرُ ردٍّ على كُـلِّ جرائم العدوان التي ارتكبها بحقِّ الشعب اليمني جميعاً’’.
وأشَارَ أبو مريم إلى أنَّ الردَّ سيأتي كذلك ثأراً لما طاله من تعذيب في سجون السعوديّة ومرتزِقتها خلال سنة ونصف سنة.
وبعد الفترة التي قضاها في سجون السعوديّة بعد أن تم أسرُه في منطقة مجازة على إثر إصابته في رجله والتي بترت فيما بعد، حيث أوضح أنَّ الجنودَ السعوديّين كانوا يتناوبون على تعذيب الأسرى بشكلٍ يصل الليل بالنهار، ويمنعونهم من أبسط حقوقهم حتى دخول الحمام، كما يرفضون السماحَ لهم بأداء فريضة الصلاة بالرغم من ادّعائهم بأنهم مسلمون، وهذا ما يعزّز من إرادة العودة إلى الجبهات بالرغم من إعاقته.