ماذا تعرف عن تجسس السلطات السعودية على مواطنيها وبمن تستعين؟
التجسس على المواطنين، أمر تقوم به الكثير من دول الشرق الأوسط، خاصة تلك الدول التي تتبع أنظمة قمعية، حيث تستعين هذه الأنظمة بشركات تجسس أجنبية بهدف ملاحقة المعارضين داخل البلاد وخارجها ومنعاً لحدوث أي انقلاب مفاجئ ضد هذا النظام أو ذاك، وخلال السنوات القليلة الماضية لمع اسم السعودية في هذا المجال، وتهافتت عشرات التقارير الدولية التي تؤكد تورط النظام السعودي مع شركات أجنبية منها “إسرائيلية” للتجسس على مواطنين سعوديين، واستخدمت هذا الأمر في استدراج الصحفي جمال خاشقجي قبل أن يتم تقطيعه في قنصلية بلاده في اسطنبول.
الغريب في الأمر هو تواطؤ الحكومات الغربية مع هذه الأنظمة، على اعتبار أن الغرب يقول بأنه يبحث عن إيجاد الديمقراطية في الشرق الأوسط وهو أول المساهمين في منع حدوث هذه الديمقراطية، لأن شركات التجسس هذه تمسّ حقوق الناشطين السياسيين المدنية والإنسانية، وتُخضع جميع المواطنين للمراقبة على مدار الساعة، وتحرمهم بالتالي من حرية التعبير، وتعرّضهم لخطر الاعتقال والتعذيب والإخفاء، وكل هذا يعود إلى نفاق الغرب بالدرجة الأولى.
إن المواطن العربي ضحية عملية انتهاك مزدوجة، فهو من جهة يخضع لانتهاك مباشر من حكومات بلاده عبر عمليات التجسس والمراقبة الإلكترونية هذه، ويخضع من جهة أخرى لاستغلال مقنّع من الشركات الرأسمالية الغربية التي تعمل على إنتاج البرامج المتخصصة في المراقبة والتجسس، والتي تقوم ببيعها لتلك الحكومات السلطوية من غير أن تراعي استخداماتها وآثارها الضارة على المواطنين مقابل عقود بمئات الملايين من الدولارات.
السعودية تستعين بـ “إسرائيل” للتجسس على مواطنيها
تواتر الأخبار التي تتحدث عن فضائح بعض الحكومات العربية -مثل الحكومة السعودية والإماراتية– حول عمليات التجسس والرقابة الإلكترونية التي لا تطول فقط مواطنيها الذين ما زالوا على أراضيها أو الذين غادروها خوفاً على سلامتهم الشخصية، بل أيضاً تطول مواطنين لدول أخرى مثلما كشفت عنه وكالة رويترز في إحدى تقاريرها حول قيام السلطات السعودية باختراق هاتف “جيف بيزوس” مالك صحيفة “واشنطن بوست” والتجسس عليه، وذلك بسبب دور صحيفته في تغطية أحداث اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول نهاية العام الماضي، والذي كان ضحية عملية مراقبة وتجسس قامت بهما الرياض من خلال برنامج تجسس يُدعى بيغاسوس 3 اشترته من شركة NSO الإسرائيلية.
السعودية اشترت واستخدمت أدوات طوّرتها الشركة الإسرائيلية (NSO Group) وذلك من أجل التجسس على صحفيين ومعارضين ومنظمات حقوق إنسان ترى الدولة أنها خطر عليها.
استخدمت السعودية والمكسيك برنامجاً يدعى “بيغاسوس” أنتجته شركة (NSO) الإسرائيلية يكلف حوالي 500 ألف دولار لاختراق كل 10 أهداف، علاوة على 650 ألف دولار كتكاليف إضافية على الأهداف العشرة، ودفعت السعودية 55 مليون دولار عام 2018 لشراء برمجيات تجسس إسرائيلية، حسبما أشارت بعض التقارير الإسرائيلية.
التجسس على خاشقجي قبل قتله
استخدم نظام آل سعود برمجيات متطورة أنتجتها شركة NSO الإسرائيلية لاختراق هاتف المعارض السعودي المقيم في كندا عمر عبد العزيز من أجل التجسس على اتصالاته مع الصحفي جمال خاشقجي قبل أن يتم استدراجه وقتله وتقطيع جثمانه في سفارة بلاده باسطنبول في 2 تشرين الأول 2018.
مختبر “سيتيزين لاب”، التابع لجامعة تورنتو بكندا والمتخصص في تحقيقات التجسس الرقمي ضد منظمات المجتمع المدني وتتبع التقنيات والممارسات المؤثرة على حرية التعبير عبر الإنترنت، خلص إلى أن حكومة آل سعود تقف وراء اختراق هاتف الناشط عمر عبد العزيز.
رفع الناشط عمر عبد العزيز دعوى قضائية لدى المحاكم الإسرائيلية ضد شركة NSO بهذا الخصوص، عبد العزيز قال في قضيته إن السعوديين تمكنوا من الوصول إلى اتصالات خاشقجي معه بشأن مشاريع المعارضة قبل أشهر من قتل خاشقجي.
ألقت القضية الضوء على التوافق السعودي الإسرائيلي غير المعلن فيما يتعلق بقضايا قمع المعارضين للنظام السعودي، حرصاً من “إسرائيل” على الحفاظ عليه، حسبما أكد مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
التجسس على منظمة العفو الدولية
اتهمت منظمة العفو الدولية السعودية بالتجسس على أحد موظفيها بمساعدة شركة NSO، وطالبت المنظمة وزارة الدفاع الإسرائيلية بإلغاء ترخيص شركة NSO لكن الوزارة قابلت طلب المنظمة بالرفض، قالت مولي مالكار، مديرة برامج منظمة العفو الدولية بمكتب بـ”إسرائيل” إن وزارة الدفاع الإسرائيلية بمواصلتها الموافقة على أعمال شركة NSO تعترف عملياً بالتعاون عمداً مع الشركة في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.NSO
تبرّئ ساحتها
شركة NSO تصرّ في بياناتها بعد عدة قضايا كبرى توّرطت فيها على أنها توفر برمجياتها بموجب عقود قانونية خاضعة للتدقيق الكامل والترخيص من قبل الحكومة الإسرائيلية، وأنها تبيع التكنولوجيا للحكومات بشرط استخدامها بشكل قانوني فقط.
الشركة قالت إنها تحافظ على بنود في عقودها تمنحها الحق في إيقاف العقد أو فسخه حال اكتشافها استخدام برمجياتها بأشكال غير قانونية.
“إسرائيل” تصنّف برمجيات التجسس كسلاح، وبالتالي فإن أي برمجيات تجسس تحصل عليها دول أو أفراد أو منظمات من أي شركة برمجيات إسرائيلية تعدّ موافقة صريحة من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية على استخدام ذلك السلاح، حسبما أفادت نيويورك تايمز.
الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الحكومات وضد شركة NSO تتضمن وثائق ورسائل بريد إلكتروني مسرّبة تتحدّى بشكل مباشر تأكيدات الشركة أنها غير مسؤولة عن أي استخدام غير قانوني لبرمجياتها من قبل الحكومات التي اشترت منها برمجيات التجسس، ضمن ما تبرزه الوثائق المسربة أن الشركة ساعدت زبائنها الحكوميين عن طريق نقل البيانات التي كانت تحصل عليها من هواتف المعارضين المخترقَة عبر شبكة كمبيوتر متطورة وحصيفة.
لا تضمن بعض الحكومات، بما في ذلك الحكومة السعودية، أن يتم تسريب تقارير من قبل شركات تستخدم برمجياتها – كشركة NSO على سبيل المثال – إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
من جهتها وجّهت الأمم المتحدة، اتهامات لعدد من الدول العربية على رأسها “السعودية والإمارات”، على خلفية انتهاك خصوصية المواطنين بواسطة استخدام برنامج للمراقبة الشاملة، وفي تقرير صادر عن المقرر الخاص المعني بالحق في حرية الرأي والتعبير الأممي، اقتنت عدة دول عربية برامج المراقبة الشاملة على المواطنين، من بينها السعودية، المغرب، الإمارات، ومصر مؤكداً أن هذه البلدان ارتكبت انتهاكات سابقة في مجال حقوق الإنسان.
في 16 تموز 2014 نشرت صحيفة الإيكونوميست تقريراً بعنوان (نحن نراقبك) فضح التجسس السعودي على هواتف المواطنين، بعدما رصدت مجموعة (سيتيزن لاب)، وهي مجموعة مهتمة بأمن الفضاء الإلكتروني برنامجاً متخصصاً للتجسس تستخدمه السعودية، باسم جهاز التحكم عن بعد (RCS)، وهو برنامج يقتحم الهواتف النقالة، وتبين لاحقاً بعد اختراق (هاكينج تيم) أن الرياض اشترت هذا البرنامج.
هذا البرنامج يعطي الحكومة إمكانية الوصول إلى جميع معلومات المستخدم، وما يكتبه عبر الإنترنت والمواقع التي يتصفحها، وتاريخ المكالمات، وغيرها من المعلومات، بل تحويل الجهاز إلى أداة رصد عن طريق السيطرة على الكاميرا والميكروفون والتحكم فيهما دون أن يلاحظ المستخدم.
حينئذ قالت «سيتزن لاب» إن البرنامج كان متنكراً في شكل نسخة من تطبيق للأخبار على الهاتف المحمول يسمى (القطيف اليوم)، وإنه كان بمجرد تحميل النسخة المزيفة من ذلك التطبيق، فإنه يتم تثبيت برامج التجسس.
وربطت مجموعة «سيتزن لاب» بين برنامج RCS وفريق إنتاج برامج التجسس القانونية الإيطالي المعروف (هاكينج تيم)، والذي يزعم موقعه على الإنترنت إنه “يوفّر التكنولوجيا للمسؤولين عن إنفاذ القانون وأجهزة الاستخبارات في جميع أنحاء العالم”.
ولكن بعد اختراق فواتير وحسابات هاكينج تيم تبين وجود معاملات سعودية مع هذه الشركة، فهناك فاتورة صادرة من مكتب مدير الاستخبارات وأخرى من وزارة الدفاع لشراء هذا البرنامج للتجسس على النشطاء، وزرع برامج تعطيها القدرة على إجراء المكالمات، وقراءة الرسائل القصيرة وكتابتها، ورصد موقع المستخدم عبر نظام GPS، وتنفيذ أوامر على الجهاز وتعديل وحذف الذاكرة.