أعظم احتفال تشهده الأرض يؤكّـد تفرُد اليمنيين بارتباطهم وولائهم لرسول الله
في الوقت الذي يعيش الشعبُ اليمنيُّ ظروفاً صعبة جِـدًّا جراءَ العدوان والحصار المفروض عليه للعام الخامس، وما ترتّب على ذلك من آثار ونتائج جعلته يعيش تحتَ وطأة أخطر كارثة إنسانية في العالم، وما رافقها من جريمةِ تحالف العدوان في احتجاز سفن المشتقات النفطية، والتي ضاعفت من حجم الكارثة الإنسانية وفاقمت من شدّة المعاناة ورفعت من مستواها إلى أعلى حد، ومع ذلك فهذه المأساة الكارثية التي تخيّم على الشعب اليمني لم تشغله عن الاستعداد للاحتفال بذكرى ميلاد سيدنا محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله-، كما إنَّ العذابَ الذي يتجرّعه الشعبُ بألوانه المتعدّدة وأشكاله المختلفة لم يَحُلْ دون إظهار فرحة بحلول هذه المناسبة العظيمة.
وعلى ما يبدو أنَّ فرحةَ الشعب اليمني بذكرى مولد الصادق الأمين أعظم قوة من أوجاع الشعب وآلامِه، ما جعل بهجةَ الفرح تطغى على شدة الأوجاع وقساوة الألم، ودفعت أفراده لينطلقوا في كُـلّ مدينة وقرية وقد تهلّلت وجوهُهُم بفرحة الذكرى، وارتسمت على محيّاهم نشوةُ المناسبة، وشعت من وجوههم الأنوارُ المحمديّة في حركة دؤوبة لتزيين مدنهم وقُراهم؛ استعداداً لإحياء هذه المناسبة اليمانية الإيمانية بأعظم احتفالٍ تشهده الأرضُ.
انطلقوا وكأنهم في مضمار سباق، فمنهم من اجتاز مرحلة الاستعداد ودخل مضمار الإحياء الفعلي للمناسبة بالأنشطة والفعاليات، ومنهم من لا زال في طور الاستعداد والتجهيز، ومنهم من وصل إلى مرحلة الإعداد الواسع لبرامج الفعاليات القادمة.
ومن ينظر إلى شعب الإيمان والحكمة، ويرصد حركته وبهجته، ويتأمل ملامحَ الوجوه، يظن أنَّ هؤلاء القوم يعيشون فرحتَهم الكبرى، في وطنٍ لا حربَ عليه ولا حصار، ولا خرابَ فيه ولا دمار.
ومن يقارن بين حركةِ شعب اليمن وحركة بقية الشعوب العربية والإسلامية، يعتقد أنَّ هذه المناسبةَ تخصُّ الشعبَ اليمنيَّ دون كُـلِّ العرب والمسلمين، بل وربما يعتقد أنَّ سيدنا محمداً -صلى اللهُ عليه وعلى آله- أُرسِلَ لأهل اليمن؛ لأنهم وحدهم الذين يحتفون به ويعبّرون عن فرحتهم بمولده، ويظهرون أمام العالم فخرَهم العظيم بولائهم له وارتباطهم به.
ألا يجب على كُـلِّ شعوب العرب والمسلمين إظهار حبهم لمحمد، وإجلال محمد، وتعظيم محمد، وإعلان الولاء لمحمد، وإشهار ارتباطهم بمحمد، والتعبير الصادق عن مشاعرهم الحقيقية تجاه محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله-، أم إن هذه الأمورَ محصورةٌ على اليمنيين دون كُـلّ العرب؟
ألا يجب عليهم أقلّ شيء أن يحيوا هذه المناسبةَ حتى أمام الأممِ الأُخرى؟!
لماذا تفرّد الشعبُ اليمنيُّ بخصوصية الارتباط الحقيقي برسول الله -صلى اللهُ عليه وعلى آله- دون أغلب المسلمين، وخصوصية الحب العظيم له، وخصوصية تجديد الولاء له بعدَ الله، وخصوصية الاحتفال بمناسباته ومناسبات دينه وعترته؟!
أليس هذا دليلاً عملياً وحيّاً على إيمانهم به، وحبّهم له، وعلى أنهم رجاله وأنصار دينه قديماً وحاضراً ومستقبلاً؟!
بلى فتفرُّدُ الشعب اليمني في علاقتهم وارتباطهم وحبهم وولائهم لرسول الله، هو الدليلُ الثابتُ على أنهم رجاله وأنصار دينه، ومصداقاً لوصفه لهم بأنهم أهلُ الإيمان والحكمة، وعلى أنهم خيرُ جندٍ لدينه، والثابتون على نهجه والحاملون لأصح سنته وهديه، والسائرون على دربه ودرب عترته، والمتمسكون بوصيته وأمره.
وهذا الحال هو ما يفترض أن تكون عليه الأمةُ الإسلاميةُ كلُّها من أقصاها إلى أقصاها؛ ولهذا فيجب عليها أن تراجعَ حساباتها وتعيد التأملَ في حالها، فإن كانت قد قصّرت عن واجبها فعليها أن تحذرَ التقصير، وإن كانت قد تهاونت عن ذلك متعمّدة فقد أثمت، وَإذَا لم يكن هذا ولا ذاك فلتعلمْ أنها بحالها هذا قد ضلّت عن هديه، فأفل عنها نوره، وانحرفت عن نهجه ودربه ويتوجب عليها أن تفوقَ من سباتها، وتنهض من غفلتها وتعود إلى دينها وكتابها ونبيها وهديه الصحيح البيّن، وعترته الطاهرة أعلام الهدى وسفن النجاة، وأن تجعلَ من الشعب اليمني قدوة ومثالاً، فتحذوا حذوه وتمضي على نفس النهج الذي يسير عليه قبلَ فوات الأوان.