الانتماء بين الضرورة المجتمعية وتشويه المفهوم
عمران نت / 27 / 10 / 2019
// مقالات // ابراهيم محمد الهمداني
إن الواقع الذي يفرض عليك الانتماء، يؤكد لك أنك
لن تستطيع العيش خارج إطار الانتماء إلى أي مسمى.
الانتماء طبيعة بشرية وفطرة إنسانية، ولكن حدثت فيه تشوهات وانحرافات، خرجت به عن مساره القويم ونهجه الصحيح، الذي رسمه الله جل جلاله وتقدست أسماؤه،
فقد سعى البشر إلى تعطيل مفهوم الانتماء الحقيقي، حيث استبدلوا انتماء البشر لله تعالى، كونهم عباده، بانتماءات حزبية ومذهبية وطائفية وغيرها، ثم تطرفوا في تعصبهم لتلك الانتماءات حتى صارت هي السمة الغالبة والمحددة لعلاقة الأنا بالآخر، ضمن تلك الأنساق التي تؤله الإنسان، ليستعبد أخيه الإنسان، وهذه الأنساق بدورها وجَّهت وقولبت المسار الأيديولوجي والمعرفي والثقافي، وفق محددات ثابتة جامدة، ومعطيات محددة سلفا.
بهذا صنع البشر انتماءات وفقا لأهوائهم، بما يعزز مركزيتهم السلطوية والوجودية، القائمة تكريس وجود وسلطة الذات على حساب وجود وحقوق الآخر، بما يعمق فلسفة المحو، التي لا تقبل تحقق وجود الذات إلا بعد محو الآخر، بينما كان الانتماء المرسوم من الله تعالى يقوم على مبدأ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، انطلاقا من فلسفة ثنائية الخير والشر، وأزلية الصراع بينهما، ومن يمثل الخير، هو يمثل الانتماء الحقيقي لله رب العالمين، ومن يمثل النقيض، فهو يجسد الرفض للانتماء الإلهي، ويرسم لنفسه مسارا حياتيا مغايرا ومختلفا عن المسار الذي رسمه الله العليم الخبير.
ونتيجة لانحراف البشر عن المسار الإلهي، واتباعهم أهواءهم بغير علم، انحرف بذلك مفهوم الانتماء، واصبحت الانتماءات الضيقة، بديلا عن الانتماء الواسع، واصبح الإنسان مقيدا بانتمائه لمذهبه وحزبه وطائفته وطبقته وعنصره، وتابعا مرتهنا لتعاليم وتقاليد وأعراف ذلك الانتماء، رغم مخالفتها لصريح النص القرآني والأمر الإلهي، فحين يقول لنا الله تعالى:- “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، ويقول لنا:- “هو الذي خلقكم من نفس واحدة”، ترانا نرفض المعيار الإلهي، ونرفض الوحدة البشرية والأخوة الإنسانية، لنقيم تفضيلات بين البشر وفق معايير طبقية وعنصرية ولونية وجغرافية وعرقية و….. الخ، ومقابل واحدية الخلق والمصدر، نفتري على الله الكذب بتقسيمات وعصبيات، تعلي من شأننا وتكرس سلطاتنا وتسلطنا، وبذلك اصبح الانتماء للمجتمع والعشيرة والقبيلة، بناء على العصبية، أقوى وأكثر حضورا في نفس الفرد، من الانتماء الى الله تعالى، تحت مسمى العبودية له، ” وكونوا عباد الله إخوانا”، وأصبحت القومية والشعوبية والمناطقية والطائفية والسلالية والعرقية، هي وسائلنا لهدم صورة الانتماء الجامع في قوله جل وعلا:- “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” ، جاعلين سلطة الانتماءات البشرية أقوى وأكثر فاعلية وتحققا، من سلطة الانتماء الإلهي، وحين يرسم لنا الله تعالى في ذات السياق صورة حزبين – حزب الله وحزب الشيطان – لكي يوضح لنا حقيقة وطبيعة وكيفية الانتماء أكثر، ترانا نتعمد تغطية عين الشمس بغربال، وتشويه الحقيقة وتزييفها، باصطناع أحزاب داخل الحزب الواحد – حزب الله – لكي نحقق من خلالها مصالحنا وأطماعنا باسم الله، ونترك محاربة حزب الشيطان والحذر منه، لنتحارب فيما بيننا، بكل الطرق والوسائل التي يوسوس لنا بها الشيطان، وقد كفيناه عداوتنا له، وكفيناه مهمة التفريق بيننا، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل وصل إلى أن افترى الإنسان على الله الكذب باسم الله، وحين قال الله تعالى:- “إن الدين عند الله الإسلام” ، قال الإنسان لا، ليس دينا إلهيا واحدا، وإنما هي أديان سماوية إلهية متعددة، ونسبوا الى الله الاختلاف والتناقض، تحت مسمى الشرائع المختلفة، ليبرروا بذلك خروجهم عن مقتضى الانتماء الإلهي، غير مدركين أنهم بذلك يدخلون أنفسهم في دائرة الظلم، واللعن من رحمة الله، خاصة حين يقرأون باستمرار قوله تعالى:- ” شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْـمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ”، لكنهم ينساقون وراء أهوائهم، رغم المسار الواضح، “أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه” ، ولم يقف اختلافهم عند مسميات الأديان، بل تجاوزوا ذلك الى اختراع المذاهب المتعددة في إطار الدين الواحد، ” وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْـمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ”، وما أسوأ الضلال بعد الهدى، واستحباب العمى على البصر، انسياقا وراء الأطماع الذاتية والمصالح الشخصية، والاختلاف بعد العلم، استجابة لنزعة البغي، ورغم أننا نتلوا قوله تعالى:- “فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْـمَصِيرُ”، إلا أننا لا نسير وفق التعليمات الإلهية، والإرشادات الربانية، التي تحدد لنا مدار الاستقامة، وحقيقة الدعوة إلى دين الله، وطبيعة الانتماء الذي يظمن النجاة والفلاح، وهذا لأننا عبدنا أسماء سميناها، وخضعنا لقوانين ما أنزل الله بها من سلطان، حتى أصبح الخروج على الله والدين أمراً مألوفاً من منطلق حرية الرأي والتعبير والاعتقاد، بينما الخروج على عادات وتقاليد وأعراف المجتمع أو الحزب أو المذهب، القائمة على العنصرية والعصبية، أمراً محذوراً وخطيراً وتجاوزاً وانتهاكا كبيراً، لا يمكن أن يتسامح المجتمع مع فاعله.
هل يستطيع أي شخص أن يثبت أنه لا يدين بالانتماء إلى مذهب أو حزب أو طائفة أو سلالة أو عرق، وأنه لا يدخل تحت أي مسمى أو تصنيف أو عصبية؟!!!!
هل يستطيع أي شخص يثبت من خلال واقع حياته، أنه حنيفا مسلما، لا يخضع بالولاء لغير الله تعالى، ولا ينتمي إلى سواه، وأنه ليس بحاجة إلى الانتماء المجتمعي والسلالي والطبقي!!!!!
إذن فدعوى عدم الانتماء لأي مكون أو حزب أو مذهب، إنما هي محاولة للهروب من الواقع، ومغالطة بشرية أخرى تضاف إلى قائمة المغالطات السابقة.
ملتقى الكُتَّاب اليمنيين