إغتيال الحمدي؛ بداية مبكرة للعدوان السعودي على اليمن
عمران نت / 12 / 10 / 2019
// تقارير // شبكة الفرقان الثقافية
في خضم مرحلة يظن البعض أنها خلت، إلا أنها لا تزال جاثمة على صدر اليمن بمخلفاتها وتداعياتها الصعبة والخطرة، فها نحنُ نمر بالذكرى الثانية والأربعين لإغتيال الرئيس إبراهيم محمد الحمدي في أكتوبر1977؛ الذي أوجع رحيله الوطن والمواطنين في مرحلة حرجة من تاريخ اليمن الحديث، سيما وأن الطريقة التي قُتل بها أزعجت كل يمني يحلم بالحرية والسيادة والإستقلال والدولة، في ظل تكالب الجار السعودي على اليمن منذ أن أوجدت بريطانيا كيان آل سعود على غرار الكيان الصهيوني للسيطرة على المقدسات الاسلامية في ثلاثينيات القرن الماضي، وما العدوان السعودي الأمريكي على اليمن منذ 26 مارس 2015 حتى اللحظة؛ إلا حصيلة للحقد الدفين الذي تكنه المملكة السعودية لليمن أرضاً وإنسانا، على يقين راسخ لدى الأسرة الحاكمة أن في عز اليمن ذلاً لها وتوجساً من بناء دولة يحكمها نظام جمهوري وهي التي قامت على النظام الملكي المستبد وليس العادل، ناهيك عن قلقها الكبير من قيام دولة قوية تسترد المدن اليمنية التي سيطرت عليها، ما جعلها تعمل بدأب على خلخلة أركان الدولة ومفاصلها والتلاعب بمصير الشعب اليمني عن طريق أدواتها في الداخل، والتدخل المباشر كما حدث عندما أعلنت عاصفة الحزم على خلفية سيطرة انصار الله على الدولة وهم المكون السياسي الذي أثبت رغم التحديات قدرته على النهوض بالدولة حتى في أصعب وأدق الظروف.
77 بدء العدوان السعودي
الأمرُ كذلك فعلًا، وفي الحقيقة أن السعودية شكلت خطراً كبيراً على اليمن منذُ أن وجدت على الخريطة ففي ثلاثينيات القرن الماضي ارتكب النظام السعودي وعصاباته أبشع مجزرة بحق الحجاج اليمنيين وهي مجزرة تنومة التي راح ضحيتها أكثر من 3000 حاج لم تسقط بالتقادم، وفي سبعينيات القرن نفسه وبالتحديد في يوم الثلاثاء 11 اكتوبر 77 نجحت أدوات السعودية في وأد مشروع الدولة اليمنية الحديثة بإغتيال رئيس الجمهورية العربية اليمنية ابراهيم الحمدي رحمة الله تغشاه، جاء ذلك بعد تخطيط وتمويل واستقطاب قيادت مقربة من الرئيس الشهيد وقرار اتخذه الديوان الملكي السعودي لينفذ الإغتيال المقدم أحمد حسين الغشمي نائب القائد العام، والرائد علي عبدالله صالح قائد لواء تعز؛ كما كشفت الوثائق التي حصلت عليها صحيفة 26 سبتمبر قبل حوالي عام من مصادر مسؤولة وعدت بكشف حقائق المؤامرة في أوقات أخرى، وتعددت الروايات التي تواردت عن العملية المشؤومة إلا أن جلها يقود إلى وقائع في ميزان حقيقة لا تموت، وهي تورط النظام السعودي في العملية بطريقة غير مباشرة عن طريق العملاء من الداخل حيث تم دعوة الرئيس الحمدي إلى تناول الغداء في منزل نائبه الغشمي بضلاع همدان وهناك تم تصفيته وشقيقه المقدم عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة حينها، وقادة آخرين أبرزهم عبدالله الشمسي مدير مكتب الرئيس وقائد حرسه الخاص عبدالخالق معوضه وعلي قناف زهرة قائد اللواء السابع، وبعدها تم السيطرة على صنعاء وباقي المحافظات، وإعلان الغشمي رئيساً كونه نائب القائد العام للقوات المسلحة، والإنتشار الأمني والسيطرة على المراكز الحيوية والحساسة، فضلاً عن الاستمرار في الإخفاء القسري والتصفية لكل القيادات الموالية للرئيس الحمدي، ناهيك عن بث الشائعات لتشويه صورة الشهيدين الرئيس وأخيه إلا أن الشعب لم يتقبلها البتة، لتكتمل بذلك أركان الانقلاب الدموي الممول سعودياً والمنفذ من قبل المأجورين من الداخل، وحسب شهود آنذاك أن صنعاء خرجت بحشود عند تشييع جنازة الرئيس تطالب الغشمي بالقاتل قائلة: أين الحمدي يا غشمي؟ وما أثار غضب كل يمني هو إقتياد الرئيس الى غداء كان الغداء الأخير بالنسبة له في حين أن قيم اليمنيين وأعرافهم وتقاليدهم تحرم وتجرم الإعتداء على الضيف فضلا عن قتله وتشويه سمعته، إلا أن القتلة من الداخل لم يألوا جهدًا في السعي نحو تنفيذ المؤامرات السعودية بغية الوصول الى كرسي الحكم.
الأدوات وتبادل الاتهامات
ظلت الجريمة حبيسة الصمت والخوف لردح من الزمن جراء التعتيم الكامل على تفاصيلها من قبل النظام الذي استحوذ على الحكم، فضلاً عن طمس تاريخ الشهيد الرئيس الحمدي وهويته الوطنية وكل ما يتعلق به، وتصفية كل من يحاول مجرد الحديث أو التساؤل عما جرى، وفي هذا الصدد وصف الأديب البردوني الحادثة في قصيدة كتبها وهو في دمشق؛ عندما كان يستمع لإذاعة صنعاء وهي تبث خبر إغتيال الرئيس وأخيه، وعنونها ب”صنعاء في فندق أموي” في غموض يدل على استيائه من الجريمة وتحفظه عن الإفصاح بها لتوقعه ما سيحدث فيما بعد، وفي الحادثة يتكلم المنطق عن نفسه أن من تلى الحمدي هو الأداة الأولى؛ المقدم احمد الغشمي الذي لم يستمر في الرئاسة سوى قرابة 7 شهور، ليتم بعدها إغتياله بتفجير مكتبه بحقيبة دبلوماسية جاءت عن طريق مبعوث من رئيس الشطر الجنوبي حينها سالم ربيع علي، وينفي البعض صحة ذلك متكهنًا بأن المكتب تم تلغيمه من الداخل وأن الحقيبة لم تكن سوى ذريعة لإخفاء خيوط الجريمة وعدم فتح ملفها مرة أخرى ليتخلص النظام السعودي من أولى أدوات إغتيال الحمدي، ويليه مباشرة الأداة الثانية علي عبدالله صالح وهو الرئيس الوحيد الذي حكم اليمن منذ إغتيال الغشمي في 78 حتى إندلاع الثورة الشعبية في 11 فبراير 2011، وخلال فترة حكمه كانت السعودية قد اتهمته بالضلوع في الجريمة في كتب نشرتها عند أزمة الخليج، والتزم صالح الصمت حتى هددته السعودية قبل أعوام، ليرد باتهامها مباشرة في مقابلة له على قناة روسيا اليوم حيث قال: ” السعودية هي من قتلت ابراهيم الحمدي وقام بالاشراف على العملية الملحق العسكري السعودي صالح الهديان والملفات والتحقيقات موجودة، لتتهمه في اليوم الثاني بعد المقابلة صحيفة الوطن السعودية بتنفيذ ذات الجريمة، واللافت هنا هو إغفال صالح للقضية لقرابة 40 سنة منذ وقوعها، وفي سياق الإتهامات استغل حزب الاصلاح القضية في تصفية حساباته مع صالح بتوجيه أصابع الاتهام بقتل الحمدي نحوه، متجاهلين السعودية وهي المخطط والممول والمشرف المباشر على التنفيذ، ناهيك عن تناسيهم ضلوع الشيخ الاحمر الذي يعتبر رأس من الرؤوس الكبيرة المخططة والمنفذة للعملية تبرئةً لحزبهم من أي صلة بالأمر؛ كون الأحمر رمزًا من رموزهم، وها هم اليوم يقبعون في فنادق الرياض التي قتلت حلم اليمن بالدولة باغتيال رئيسها في السبعينيات، وأعلنت قبل خمس سنوات الحرب على الدولة اليمنية، ورغم معرفتهم بالحقيقة للأسف يؤيدون العدوان على بلدهم بل أصبحوا ذريعة للمملكة في استمرار عدوانها وحصارها وارتكاب الجرائم بحق أبناء جلدتهم، ولحل الجدل نعود للمنطق الذي يرى أن بقاء علي عبدالله صالح لأكثر من 33 عاماً في الحكم، وتدخل الخليج لإنقاذه من الثورة الشعبية في 2011 يدلان على الدور المهم الذي اضطلع به في إغتيال الحمدي وإبقاء الدولة ضعيفة طوال فترة حكمه حيث لم تشهد اليمن نهضة حقيقية بل شهدت التزام بكل املاءات السعودية على النظام، ما سهل لها تحقيق مشاريعها في اليمن، وهنا في هذا السياق يجدر ذكر تصريح الصحفي الكبير عبدالباري عطوان الذي قال فيه أنه حينما سأل علي عبدالله صالح كيف صعدت الى السلطة؟ فأجابه بهذه؛ مشيراً إلى الخنجر (الجنبية)، ومما لاشك فيه أن قوى عالمية تواطئت في العملية منها بريطانيا وإسرائيل وفرنسا؛ لتعارض مشروع الرئيس ابراهيم الحمدي مع مصالحها خصوصاً في باب المندب.
العدوان السعودي مستمر
لم يكن الشهيد الحمدي يألُ جهدًا في السعي لتحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين، وتؤكد قيادات أنه كان قد اتفق مع الرئيس في الجنوب على اعلان الوحدة، وفي هذا الشأن ذكرت مصادر مطلعة أن الإعلان عنها كان سيتم في اليوم الثاني لاغتياله، وعن الوحدة اليمنية قالت اسرائيل في وثيقة تم تسريبها في 1993 بأنها المارد الخبيث الذي تخشى منه، وبعد تحقق الوحدة في 1990 لم تقبل السعودية بذلك بل دعمت الجماعات الانفصالية حتى اندلعت حرب انتهت ببقاء الوحدة، ويصف خبراء الحرب بين شطري اليمن حينها، بأنها لم تكن بين الشمال والجنوب بل كانت يمنية سعودية بالدرجة الأولى، ومن الجنوب الى شمال الشمال لم تتخلَ المملكة عن هيمنتها على الأراضي اليمنية كجيزان ونجران وعسير باتفاق مع علي عبدالله صالح، وحين انطلق المشروع القرآني العظيم على يد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، كرست السعودية كل جهودها لاجهاض هذا المشروع فهي تخشى منه كمشروع وطني يستمد رؤيته من القرآن الكريم، ويدعو للتحرر والاستقلال من الوصاية والهيمنة والممارسات التي عطلت أجهزة الدولة عن طريق العملاء من الداخل، الأمر الذي أدى إلى إضعاف هيبة الدولة، ولذلك دعمت نظام صالح في شن ستة حروب على صعدة الا أن صعدة لم تستكن ولم تهدأ واستمرت في نضالها ضد النظام العميل، حتى توجت نضالها بثورة 21 سبتمبر2014 التي جاءت من بين جموع الشعب الثائر الذي يرفض الهيمنة والاملاءات السعودية وطاردت العملاء وأذناب الوصاية، في مرحلة الحوار الوطني بعد أن كانت قوى الهيمنة ممثلة بالسعودية تفرض اجندتها وبالتزامن من خلال سيطرة حزب الاصلاح على الدولة، وحينها عملت على إغتيال هامات كبيرة تابعة لأنصار الله كالبروفيسور احمد شرف الدين، والدكتور محمد عبدالملك المتوكل والدكتور المرتضى المحطوري، والدكتور عبدالكريم جدبان والصحفي عبدالكريم الخيواني، تخوفاً من العقول الفذة التي جعلت منهاجها الوطن وطموحها بناء الدولة، فكما اغتالت مشروع الدولة الأول الرئيس ابراهيم الحمدي اغتالت العظماء من بعده، وحينما انتصرت ثورة 21 سبتمبر جن جنون الرياض وأشعلت النار وأعلنت الحرب من أين؟ من واشنطن، ثم قصفت وأحرقت الشجر والحجر والبشر، ولم تكترث بما سيعود عليها من هذه النار الشعواء التي أشعلتهاعلى اليمن المجاور لها؛ ناسية ما يكنه اليمنيون لها من الثأر فهم يعلمون من قتل رئيسهم آنذاك، كما يعلمون من يقتلهم الآن ويعرفون أيضاً من سطى على جيزان ونجران وعسير، وتظهر المؤامرات السعودية على اليمن في كل مرحلة تأريخية بوضوح وما يحدث في جنوب الوطن حاليًا خير دليل، فطالما حاولت السعودية السيطرة على المهرة كما سيطرت الامارات على سقطرى، ويؤكد صراع النفوذ القائم بينهما على حجم الأطماع القذرة في السيطرة والاحتلال.
الحمدي والصماد وجهان لجمهورية واحدة
وكما اغتالت مملكة النفط السعودية الرئيس الحمدي، اغتالت الرئيس صالح الصماد، ولكن هذه المرة بطريقة أخرى كشفت عن مدى تخوفها من استمرار هذا الرجل في النهوض باليمن من بين الركام، الشهيد الرئيس صالح الصماد هو القائد الذي تربى على هدي الثقافة القرآنية، وهو النموذج المطابق للشهيد الحمدي فهو من أطلق مشروع “يدٌ تحمي ويدٌ تبني” في ذكرى العام الثالث للصمود في وجه العدوان والحصار، وهو أشجع قائد يمني في أصعب مرحلة، مضى باليمن قُدمًا في معركة الكرامة والتحرر والإستقلال حتى بذل روحه رخيصة في سبيل الوطن والدفاع عنه، وبعد العديد من المحاولات التي قامت بها طائرات العدوان لإغتياله، استهدفته الطائرات الأمريكية وهو يؤدي واجبه الوطني في محافظة الحديدة في 19 أبريل2018، في دلالة على قلق ورعب السعودي وأسياده الأمريكين والاسرائيلين من وجود رمز وهامة وطنية كصالح الصماد، وتزيد المرحلة التي تولى فيها زمام الأمور خطورة عن مرحلة الشهيد الحمدي نتيجة العدوان الذي تشنه على اليمن أكثر من دولة بقيادة السعودية، حيث رأس المجلس السياسي الأعلى وقام باعادة مؤسسات الدولة الى نطاق الخدمة تحت القصف والحصار، وفي ما يتعلق بالمواجهة مع العدو الاسرائيلي ،طالما رصدت الدفاعات الجوية اليمنية مشاركة طائرات اسرائيلية في الساحل الغربي اليمني، وفي هذا السياق اعترفت اسرائيل بمشاركتها في العدوان على اليمن، والعامل المشترك بين فكر الرئيسين الشهيدين هو الرؤية الوطنية لبناء الدولة القوية والهوية القومية التحررية الاستقلالية، والعدو المشترك لهما وللوطن والأمة هو العدو الاسرائيلي الذي كان قبل إغتيال الرئيس الحمدي يشن عدواناً سافراً على المياه الاقليمية اليمنية، وأكدت الوثائق أن إغتياله تم فور بداية تحركه لمواجهة العدوان الإسرائيلي، ما يدلنا على مشاركة قوى عالمية وإستخبارات دول كبرى لتنفيذ عملية إغتياله، وقد لاحظ الجميع كيف أخفيت القضية من الساحة المحلية والدولية رغم أن إغتيال رئيس كفيل باثارة ضجة وفوضى عارمة في العالم إلا أن العالم شارك في قتله، وتكشف عمليتا الإغتيال الأولى والثانية عن هُوية العدو التأريخي الأول لليمن وهو النظام السعودي؛ صاحب لقب قاتل كل مشروع وطني نهضوي يسعى الى استعادة هيبة الدولة اليمنية وتخليصها من قيود الوصاية والهيمنة، كما تدلنا العمليتان على أن السعودية حينما تعجز أدواتها عن تصفية أي شخصية وطنية كبيرة تتدخل مباشرة للقيام بالعملية مهما كلفها الأمر.
وفي ذكرى إستشهاد الرئيس ابراهيم الحمدي على يد الأدوات العميلة من الداخل وبإيعاز من المملكة العربية السعودية، نُجدد العهد له بالمضي على دربه حتى تحقيق الحرية والسيادة والاستقلال، كما نبشره أن اليمن لم يعد هشًا كما كان؛ بل أصبح أقوى من ذي قبل، يطور البالستيات ويصنع الطائرات المسيرة ويجتاح مئات الكيلومترات في أيام معدودة في عمق الأراضي اليمنية المحتلة من قبل السعودية في ظرف عدواني حساس وحصار قاتل، ونخاطبه خطاب الشعب لقائده أننا لم ننساه وأن دمه لن يذهب هدرًا، بل سيكون وقودًا لقطار اليمن نحو بناء الدولة القوية ذات السيادة الكاملة والقرار الوطني البحت بإذن الله.