السعودية والأعداء الافتراضيون
قال خبير أمريكي أن نظرة, النخبة السياسية في أمريكا، الخاطئة للعالم الشيوعي -حقبة الحرب الباردة -باعتباره عالماً مُوحّداً بشكل متراص وحازم، واعتقادهم الخاطئ بأنّ كلّ الشيوعيين في كلّ مكان كانوا عملاء موثوقين للكرملين فوّت على أمريكا كثيراً من الفرص وقادها لارتكاب كثير من الأخطاء والحماقات .
بنفس الدرجة ينطبق ما قاله الخبير الأمريكي على نظرة السعودية للشيعة ككتلة سياسية واحدة يتصرّفون بشكل روتيني تجاهها ويتحرّكون جميعاً انطلاقاً من قواعد لعبة مُتماثلة, وافتراضهم في حالة عداء طبيعية معها والتصرف معهم كأعداء طبيعيين وما كان له من تداعيات حتى على علاقتها بجزء كبير من مواطنيها.
ان رؤية العالم والمنطقة باعتبارها كتلاً ومحاور من التضامنات الإيديولوجية دفع النخب السياسية في السعودية للتحرّك بطرق ساهمت بقصد أو من دون قصد في خلق الكثير من الأعداء, وتعاظم وتزايد الخصوم واقتراب بعضهم من بعض أكثر فأكثر ، كما أعاقهم عن رؤية ما يتميز به كل بلد ودولة وتيار أو جماعة في الرؤى والأهداف والخصوصيات والمصالح وما تتيحه هذه التمايزات من فرص يمكن استثمارها في بناء علاقات متنوعة تستند لحزمة من المحددات الداخلية, الجغرافية وغير الجغرافية ,والخارجية ,المتعلقة بتوزيع القوى في نسق دولي واقليمي متعدد الأقطاب ,الأمر الذي يتيح لها خيارات واسعة في بناء علاقاتها الخارجية .
هل يدرك صناع القرار في الرياض أن التهديدات التي فرضتها سياستهم الخارجية هي التي تجمع بين قطر وايران وتركيا واليمن وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين وحماس وحزب الله وانصار الله ( ولا زالت القائمة مفتوحة لانضمام متضررين جدد) وذلك لأسباب أداتية وتكتيكية وليس كما يفترضون بأنهم مرتبطون معاً بالتزام عميق وعن سابق قصد وتخطيط عبر مجموعة من الأهداف المشتركة ؟.
جربت السعودية سياسة “من ليس معنا فهو ضدنا” وكانت نتائجها على هذا النحو الذي يكاد يودي بآخر حليف ورط السعودية في الحرب، وعلى السعودية ألاّ تفاجأ بهذه النتائج وكان عليها أن تتحسب هذه النتائج وأعتقد أن الوقت قد حان للتحول نحو سياسة ” من ليس ضدنا فهو معنا “فقد تستطيع أن تجنب نفسها والمنطقة المزيد من الخسائر .
غير هذا قناعتي أن الترابط بين أزمات المنطقة، إن في اليمن أو سوريا ،يستدعي تسوية إقليمية أو معاهدة ويستفاليا عربية وإسلامية، خاصة الصراع بين السعودية وإيران فوق أنه لا يخدم مصلحة البلدين لا توجد له مبررات موضوعية ،أو يمكن ادارته بطرق أقل تدميراً ، سيما وأن نتائجه الكارثية وضعت المنطقة على فوهة بركان ، و يجب فورا التخلي عن السياسات الرامية لتوحيد المنطقة سياسياً أو دينياً ، وفتح منصات تواصل بين أهم خصمين إقليميين، فلقاء الخصوم أعلى أهمية في كثير من الأحيان من لقاء الحلفاء .
وللإنصاف، لمسنا – في زيارتنا الأخيرة لجمهورية ايران الإسلامية – لدى القيادة السياسية تفهماً لأهمية الحوار مع السعودية باعتباره الحل الأسلم لأزمات المنطقة، كما صرح وزير الخارجية الإيراني ظريف عدة تصريحات ،معربا عن استعداده للذهاب إلى الرياض إذا كانت مستعدة لذلك .
وباعتقادي أن على السعودية التخلي عن نظرتها للأمن الإقليمي وأمن الخليج باعتباره تعاونا على مواجهة إيران بدرجة أساسية بدلاً من أن يقوم على التعاون الأمني بين الدول المطلة على الخليج ,بدلاً من الاعتماد على الوجود القوي والمؤثر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة أو استقدام المزيد من القوات الأجنبية وتدويل أمن الخليج والمنطقة عموماً.