رسالتان في إطار الارتقاء بالوعي
سأكتفي هذا الأسبوع برسالتين مهمة في إطار الارتقاء بوعينا داخل الحركات والتيارات الإسْـلَامية -إنْ صح التعبير- وإلا فكُلُّ الشعب مسلم وصاحب هُويَّة أصيلة وعريقة:
الرسالة الأولى:
وإن كان لا يوجدُ عندنا في اليمن شيءٌ اسمُه سُنِّي ولا شيعي، فهناك مذاهبُ فقهيةٌ متعايشة منذ مئات السنين، إلا أنه من الجائز القول أن مصلحة أهل السُّنة اليومَ في اليمن بمختلف تياراتهم (إخوان وسلفيين بكل فصائلهم) تكمُنُ في تقاربهم مع جماعة أنصار الله، فهناك اليومَ قائدٌ يمني حر وحكيم وهناك منهجٌ يسيرُ عليه الناسُ في طريق الإصلَاح والنهوض، وذلك بالعودة إلى القُــرْآن الكريم، وبشكلٍ أخصَّ فهناك مشروعٌ جامعٌ لبناء الدولة يخرُجُ للنور منبثقٌ من رؤية واعية راعت كُـــلَّ الاعتبارات بما فيها التنوُّع الثقافي والفكري الموجود.
واستمرارُ تشبث هذه التيارات بنظام آل سعود أَو غيره ليس سوى هرولة وراء المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، وهذا يمثلُ لهم إحراجاً كَبيراً أمام شعوبهم وَأَيـْـضاً تحولهم إلى ضحية كما يحصل اليوم في أكثر من بلد عربي؛ لأَنَّهم ببساطة بلا مشروع، وتبريرهم لذلك بمواجهة إيران وَ… إلخ، بات من الأمور المكشوفة وغير المقبولة في واقع الشعوب التي تدرك أن خطرَها هو في المشروع الصهيو أمريكي ومن يدور في فلكه ولا سواه، ومن المعلوم أن أيَّةَ تحولات إيجابية في هذا السياق ستكونُ حصيلةَ جهود مبذولة من مختلف الأطراف، ويكون المضي خطوةً خطوةً، المهم أن يفهمَ الجميعُ ويستوعبَ هذه الحقيقةَ أولاً، فإذا حصل الاقتناع جاءَت الرغبةُ في تحويلها إلى واقع.
الرسالة الثانية:
كما أن الفكرَ الوهابيَّ استهدف المجتمعَ اليمني طيلة عقود ماضية بطرقٍ ووسائلَ متعددةٍ، وهو في نظر العُقَلاء المدركين من كُـــلّ التيارات الفكرية دخيلٌ على الفكر الإسْـلَامي النقي والأصيل، نأملُ -ونحن نشُقُّ طريقَنا للتخلص من الوصاية السعوديّة- أنْ لا يُستهدَفَ أحدٌ بمبرر محاربة الفكر الوهابي أَو إطلاق الكلام على عواهنه عند التشخيص، من أجل إيجاد الحلولِ وتحقّقِ جدوائيتها واقعياً، فالبناءُ التوعوي لا بد أن يكونَ من منطلق وعي رشيد والتعامل مع الناس بحكمة والتدرج على ضوء معرفة التراكمات، وَأَيـْـضاً إحياء ثقافة الحوار نظريةً وسلوكاً، وهذا سيكون باعثاً على التقارب، ودافعاً للكثير نحو أهميّة التصحيح، وَالدولة إذا حرصت على أن تكونَ مظلةً للجميع وتحقّق العدل ستزول الكثيرُ من التخوفات وسيحصلُ التعايشُ ولكُلٍّ حريتُه، وحال وُجد الخطأ والجُرم داخل المجتمع من أي مواطن أَو مجموعة، فالدولةُ هي المعنيةُ بالردع، من منطلق مسؤوليتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وحقها في السيادة وعدم تدخل أية قوىً خارجيةٍ في صناعة قرارها.
المأزومون فكريًّا دائماً ما يكونون هم المشكلةَ، حتى داخل التيارات الإصلَاحية سيظل هناك مأزومون، وأملُنا هو أن هناك قيادةً تدركُ أهميّةَ الارتقاء بمستوى وعي المجتمع وتدرك معه كيف يكونُ هذا التغييرُ وعلى أي أَسَاس، كما أن الدولة أمامها تجاربُ سابقة، تجاربُ في إطار الشعب والتحالفات التي كانت تقامُ بين الأحزاب على أَسَاس طائفي أَو حزبي مقيت وفشلت، وَأَيـْـضاً في إطار الأنظمة السابقة وتعاملها مع مكونات الشعب فسياسة “فرّق تسُدْ”، وسياسة التفريخ للمكونات لأهداف سياسيّة، كُـــلُّ هذا مما فشل أَيـْـضاً؛ لذا لا داعيَ لتكرار المكرَّر الخطأ وبخَـاصَّـة وهناك توجّهٌ لبناء دولة.
لقد استبشرنا كغيرنا من أبناء اليمن بوجودِ مشروعٍ ووجود قيادة فذة عظيمة تمثلُ مرجعاً لكل اليمنيين بكل توجّهاتهم؛ ولهذا فتعامُلُ الدولة مع كُـــلّ المكونات على أنها جزءٌ من الشعب وأن على عاتقها دوراً ولا بد أن تكونَ شريكةً في صناعة النجاح، هذا التعاملُ هو الذي سيجعل المنطلقين يبذلون ويجتهدون أكثرَ، فهؤلاء يمتلكون شيئاً يقولونه ويفعلونه من مواقعهم، ومن خلال الخطاب الذي يرونه مناسباً، ما داموا مستوعبين للمحدّدات والمرتكزات العامة التي قام على أَسَاسها المشروعُ الإصلَاحي ويراد بناء الدولة على ضوئها، وهذا التعامل الحسَنُ الذي نطمح له هو أَيـْـضاً بمثابة رسائلِ طمأنةٍ للقاعدين وباعثٌ على ارتقاء البعض وخروجِهم من الدوائر المغلقة.
نعم: فعندَ التشخيص ووضع المعالجات، لا مانعَ من النظرة المسبقة وأن هناك مشكلةً آتيةً من هذا التيار، أَو أن هذا التيارَ كان بيئةً خصبةً لبعض الأفكار والمشاريع الدخيلة خلال المرحلة الماضية، لكن في المقابل لا بد من التفكير في كيفيةِ إيجاد الحلول، وهذه الحلولُ لا يمكنُ أن تكونَ إلا بشراكة وتفاعُلِ العقلاء من داخل هذه التيارات ليحصلَ التأثيرُ الإيجابي داخلها وُصُولاً إلى التفعيل ما أمكن، وهذه هي القناعةُ التي نلمسُها في خطابِ قائد الثورة السيد عبدِالملك بدر الدين الحوثي وتوصياته، ولها انعكاساتُها العمليةُ على أرض الواقع، فقط نأملُ أن تتعدّى هذه النظرة الثاقبة للأمور لمن أنيط بهم المسؤولية من أعلى الهرم حتى أدناه، لماذا؟!؛ لأَنَّ هذا البلد لن يكونَ إلا بنا جَميعاً ولن يكون ذلك إلا بتجاوزنا لمختلف التحديات، ومن أهمها تجاوُزُ الهُــوَّة التي ابتلينا بها خلال سنوات طويلة والعمل على ردمها بكل الطرق والوسائل الممكنة، ومن ثَم البدء بالتواصي بالحق والتعاون في إحقاقه، والخير والإسهام في فعله والحثِّ عليه.