السعودية دولة مارقة تفترس الأبرياء وتحيا على دمائهم
عمران نت / 26 / 4/ 2019م
زينب فرحات
في كلّ جريمة نكراء ترتكبها السعودية بحق مواطنين أبرياء، يترسّخ في الأذهان أنها دولة مارقة لا حدود لطغيانها، دولة همجيّة رسمت حدود جغرافيتها بدماء أهالي الجزيرة العربية لتقيم نظاماً دموياً على جثثهم المكوّمة فوق بعضها البعض، فقضية التوحّش السعودي ليست مستجدّة بل إنها تضرب عمقاً في الزمن، لترافق الدولة الحالية بمراحلها الثلاثة.. واليوم كما الماضي، انتهاكات صارخة للقوانين الإلهية والوضعية تبدأ من لحظة مطاردة المُدان مروراً بالمحاكمات الصورية إلى أن يلقى حتفه إما تحت التعذيب أو عند تنفيذ حكم الإعدام، والنتيجة ككل مرّة الكثير من الإدانات والمزيد من القمع!
من الهزل السياسي أن تتبجّح دولة كالسعودية بالحديث عن الحرية، لا بل أن تتيح حزمةً من مستلزمات الحريات المُعلّبة للجمهور على شاكلة إقامة الحفلات الغنائية والموسيقية المختلطة، وسجونها تعجُّ بالعلماء والأدباء والمفكّرين والنشطاء وذوي الرأي.. أن تعيش آمناً في السعودية يعني أن تضع إدراكك جانباً وتمضي، يعني أن تقتل كل فكرة ثورية بداخلك قبل أن تخرج للعلن بتغريدة أو مقال أو تصريح أو… فتطالك إذ ذاك مخالب النظام، يعني أن تكون سطحياً أن لا تتعمّق بالتفكير في أرضك المسلوبة ورزقك المهدور وحقوقك المدنية والسياسية المسحوقة تحت أقدام عائلة اغتصبت حكم البلاد خاصّة وإن كنت من المنطقة الشرقية التي لم يبقِ منها النظام لا حجراً ولا شجراً ولا نفطاً ولا بحراً إلا وخرّبه ونهبه. العقلية الإرهابية إن قضيّة الشهداء الـ37 الذين أقدمت السعودية على إعدامهم هي أوضح صورة لتجليّات الفكر الإرهابي الداعشي المتجذّر في النظام السعودي الذي لا يمكن أن يحاول فهم أي مستوى من الإختلاف الفكري أو العقائدي. أما الأمر المفجع هو أن يُقتل النشطاء الـ37 بتهمة الإرهاب نفسه الذي ينتهجه النظام السعودي ويدّعي محاربته في الوقت عينه، ــ انفصام أيديولوجي ربما ــ ذلك أنه لا مفهوم لأنشطة حرية الرأي والتعبير في السعودية إذ تصنّف جميعها في بوتقة الأعمال العدائيّة الموجهة ضد النظام! ولو من غير أدنى دليل يثبت تكهّنات القضاء وبغياب الحد الأدنى للمحاكمات العادلة التي مفترض أن يخضع لها المعتقلين هذا إذا تمّت المحاكمة، والمفارقة هي أن الإرهابيين الحقيقيين الذين ارتكبوا جرائم فاحة في العالم العربي، تتعامل معهم السلطات السعودي بطريقتين إما أن تبرّئهم وتطلق سراحهم مباشرةً أو تُخضعهم لبرامج تأهيل لإعادة دمجهم في المجتمع. أغلبية المعدومين الـ37 كانت من أبناء الطائفة الشيعية، حيث بلغ عدد الشهداء الشيعة 32 شاباً من القطيف والأحساء والعوامية، وهو ما فسّره كثيرون على أنه إجراء طائفي يستهدف الأقليات الشيعية في البلاد، لكن على الأرجح أن الإعدام لم يكن من منطلق طائفي فالنظام السعودي يحتضن المواطن الشيعي الموالي له والمحب لحلفائه الدمويين، إنما مشكلته تكمن مع المعارض لسياسات أميركا و”اسرائيل” في المنطقة أولاً والمعارض لسياسات النظام السعودي ثانياً، هذا التعارض هو الذي يطلق العنان للتوحّش السعودي، ومن هنا يولد رهاب “التجسس لصالح إيران” أو “التعامل مع دولة معادية” وهو ما تلصقه السعودية بالكثير من المعتقلين دون أدنى دليل يذكر. إنتهاكات المعتقلين لم تحترم السعودية في إعدامها للنشطاء خصوصية بعض الحالات، إذ هناك 6 أشخاص على الأقل كانوا قاصرين عند صدور الإتهامات بحقهم أمثال عبدالله سلمان آل سريح وعبد الكريم محمد الحواج الذين تعود تهمهم إلى عمر الـ16، إلى جانب سعيد محمد السكافي وسلمان أمين آل قريش ومجتبى نادر السويكت وعبد العزيز حسن آل سهوي الذين تعود تهمهم أيضاً لعمر الـ17، بالإضافة إلى إعدام شاب من ذوي الحاجات الخاصة يدعى منير عبدالله آل آدم. إن غالبية الإتهامات التي وجّهتها السلطات للمعتقلين لا تصنف كجرائم خطيرة أو إرهابية بل تنضوي في الممارسات المشروعة لحرية التعبير كالمشاركة في التظاهرات السلمية والتوقيع على بيانات سياسية وتخزين مستندات سياسية وممارسة نشاطات دينية وما سوى ذلك، هذا وقد جرى انتزاع الكثير من الإعترافات بالقوة من المعتقلين وتحت التعذيب الشديد والتهديد بالتعرّض لذويهم ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق المعتقلين. المحاكمات الشكليّة أما عن المحاكمات التي خضع لها الضحايا فكانت بمعظمها تفتقر لشروط المحاكمة العادلة حيث أقيمت بسرية تامة بمعزل عن ذوي الضحايا أو بصورة شبه سرية أي بحضور قلة قليلة من ذوي الضحية، ومن دون أن يتمكن المعتقل من الإستعانة بمحام وإذا تمكن فإن صلاحيات الأخير بكلتا الحالتين محدودة جداً والكلمة الحسم للقاضي تحت تهديد إعادة المعتقل للتحقيق وابتداء مأساة التعذيب من جديد. هذا وقد اقتصرت غالبية المحاكمات على جهات إعلامية وحقوقية تابعة للنظام السعودي وأفراد من الجهات الحكومية والتنفيذية كالمباحث، إلى جانب جهات دبلوماسية من الإتحاد الأوروبي والدول الغربية أمثال كندا وأميركا شاركت في بعض المحاكمات دون أن يصدر عنهم سوى تعليقات جانبية ومختصرة، وقد قامت السعودية بتوظيف مشاركتهم في شرعنة المحاكمات غير الشرعية. لم ينتهِ الغيظ السعودي هنا، إنما تبعه خطوات أخرى لا تقل مأساةً عن إجراء الإعدام، فقد عمدت السلطات السعودية إلى احتجاز جثامين الضحايا المعدومين، ومنعت القوات الأمنية ذوي الضحايا من إقامة العزاء عليهم، وطاردت التجمعات الشعبية التي التفت على ذوي الضحايا وحطّمت أمكنة العزاء. التعويل على الموقف الأميركي أو الغربي بصورة عامة في هذا الصدد يضاهي بحد ذاته المجزرة المأساوية، فمن يعتقد أن الغرب سيتبنى قضاياه أكثر منه هو غارق في الأوهام، والواقع أن الغرب بعقليته البراغماتية يتحرّك باتجاه مصالحه الخاصة لا بما يقتضيه الموقف الأخلاقي أو الإنساني، ولو أحدثت بعض الدول الغربية أمثال أميركا وألمانيا وكندا فرقعات إعلامية هنا وهناك لإدانة جرائم ومجازر السعودية سواء في الداخل أو في اليمن، فإنهم في الحقيقة حلفائها حتى آخر قطرة نفط، حينها يمكن أن نبدأ بمشاهدة تحرّكات جدية ضد السعودية على المستوى السياسي والحقوقي، بحال بقي النظام قائماً لذلك الوقت.
مرآة الجزيرة