يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ؟
عمران نت / 24 / 3 / 2019م
// من هدي القرآن الكريم //
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ {52} وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ {53} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {54} إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ {56} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} لاحظ يا أيها الذين آمنوا يا أيها الذين آمنوا {لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {57} وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ {58} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ{ (المائدة(51ـ59) صدق الله العظيم .
الآيات هذه من [سورة المائدة]، وسورة المائدة هي من أواخر سور القرآن نزولاً، وتتحدث في كثير من آياتها عن أهل الكتاب، تتحدث عن أهل الكتاب، تتحدث عن خطورتهم، تتحدث أيضاً عما يؤهل الناس لمواجهتهم. الآيات التي قرأناها خلال الأسبوع الماضي هي كانت من [سورة آل عمران]، وكل من تلك الآيات وكل من هذه الآيات في سورة المائدة، كل واحدة تحدثت عن بني إسرائيل، وتلك الآيات تحدثت عن بني إسرائيل، وعن هذه الأمة، وقدمت جانباً من الحل، وقدمت نسبة كبيرة من تأهيل الأمة للمواجهة.
تبدأ هذه الآيات الكريمة بنداء يتكرر كثيراً في القرآن الكريم يخاطب الناس الذين قد شهدوا على أنفسهم بأنهم مؤمنون باسم إيمانهم: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا{ كل من يرى أنه مؤمن، كل من ينـتسب إلى هذا الاسم العظيم اسم (الإيمان). }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا{ أنتم من تعدون أنفسكم مؤمنين انتبهوا، انتبهوا، قد تقعون في موالاة اليهود والنصارى من حيث تشعرون أو من حيث لا تشعرون، فيوجه النهي بصراحة: }لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ{.
تبدو الآية وكأنها غريبة كيف مؤمن يتولى يهودياً ونصرانياً!!، ما العقائد أصبحت متباينة؟ المؤمن المسلم غير اليهودي وغير النصراني؟ المسلم من أول أيام إسلامه هو من وُوجه من جانب اليهود بشراسة تجعله يحمل حقداً لليهود، ويحمل عداءً لليهود؟ هو من يرى أنه في مكان واليهود في مكان آخر، هو مفصول عنهم مباين لهم، ليس بينه وبينهم أي علاقة، فكيف يمكن أن يكون ممن يتخذهم أولياء؟
لاحظ كم هي العبارات متقاربة بين العبارات الأولى في قول الله سبحانه وتعالى: }إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً{ (آل عمران: من الآية100) وهنا: }تَتَّخِذُوا{ تبدو القضية وكأنه – على الرغم من أنكم مؤمنون – تكادوا أنتم الذين تتخذون، وأنتم الذين تبحثون عن كيف تطيعوا، يعني هناك جذب ما هو يحصل جذب؟ يبدو وكأنه يتحدث بأنه وكأننا نحن سنتخذ، ونحن سنطيع، فليست المسألة فقط هي أننا سنُخدع، بل يمكن أن تصل المسألة إلى أن نحن ننطلق نحن لنتخذهم أولياء، نحن ننطلق لنطيعهم، هذا شيء غريب. أليس غريباً؟
ألسنا نلعن اليهود؟ نلعن اليهود ونحن نلعن النصارى، ونحن نبغضهم ونعاديهم ونكرههم، ومتى ما غضب أحدنا على الآخر قال له: [يا يهودي، أنت نصراني أنت يهودي أنت كذا]، لكن على الرغم من هذا كله قد تصل المسألة إلى درجة أن يكونوا من هم يحملون اسم إيمان، ينتمون إلى هذا الاسم أن ينطلقوا هم ليتخذوهم أولياء، أن ينطلقوا هم ليطيعوهم فيردوهم بعد إيمانهم كافرين.
ما الذي سيدفع إلى هذا؟ هل أن اليهود والنصارى سيبدون أمامنا من أولياء الله فننطلق نحو توليهم أو طاعتهم. سيتغيرون؟ أو أن عداوتهم ستذوب من قلوبنا؟ أو يبدون لنا بشكل يشدنا إليهم؟ ما الذي يشدنا إليهم؟ ما الذي يمكن أن يشد الإنسان المؤمن إليهم فيكاد هو الذي يبحث عن كيف يتخذهم أولياء؟! ويكاد هو الذي ينطلق في طاعتهم ليطيعهم ليردوه بعد إيمانه كافراً؟ وهنا ليصبح مثلهم، ويصبح ظالماً كما هم ظالمون، ظالماً لنفسه وظالماً للبشرية.
إذاً فماذا؟ معنى هذا أنه سيحصل وأنت تحمل اسم الإيمان، واليهود على ما هم عليه لم يتغيروا بعد إلى درجة أعلى فتجعلك أنت تنجذب نحوهم لكونهم أصبحوا من أولياء الله، هم هم اليهود، الذين يبدون أمامك ملعونين، يبدون أمامك مبغوضين ومكروهين. هم من قد تنطلق – وأنت تحمل اسم الإيمان – لتتولاهم.
المسألة قد تكون على هذا النحو؛ لأن قضية التولي هي خطاب للمشاعر للقلب، أعمال تنطلق نحو القلب نحو النفس، وهذه هي منطقة خطيرة، منطقة القلب منطقة خطيرة، التولي هو من أعمال القلوب، العداء هو من أعمال القلوب، ميل إليهم يدفعك إلى أن تكون معهم.
نفس الشيء الذي يحصل من جانبنا بالنسبة للشيطان، ماذا يعمل الشيطان؟ وسوسة وساوس وحاجات كذا بسيطة لكن تتجه إلى القلب، فترانا نلعن الشيطان جميعاً، ألسنا نحن بنو آدم نلعن الشيطان جميعاً؟ ولكن نسبة ربما 95% يعبدونه، كيف حصل؟ عندما يقول الله للناس لبني آدم يوم القيامة: }أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ (يـس:60).
نحن نرى الشيطان عدواً، نلعن الشيطان، إذا أراد أحدنا أن يسب الآخر يقول له: [شيطان]. أصبح اسمه سُبّة عندنا، ولكن ننطلق في عبادته، ما العبادة طاعة وزيادة؟ كيف حصل؟ المسألة هي مسألة القلب، والقلب منطقة حساسة وخطيرة جداً، وهي التي بعد تحرك كل شيء، يحرك مواقفك، ويحرك لسانك، ويحرك وجهة نظرك، ويحرك مشاعرك، ويحرك حتى مالك، ويحرك سلاحك، القلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح الإنسان، وإذا فسدت فسد الإنسان.
واتجاه الفساد نحوها سهل إذا كان من جهة تعرف كيف تعمل، كيف تشتغل. الإفساد للقلوب سهل، إذا كانت قلوب فاضية، إذا كانت قلوب خالية، ليست مملوءة بما يحصنها من مثل هذه الخطورة.
القلوب لا تستشعر شيئاً، قد يكون هناك تصديقات لكنها ليست راسخة في القلب فهي لا تستطيع أن تحصن القلب من خطورة كهذه.
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} (يـس: من الآية60) عندما ينكشف للناس يوم القيامة للكثير من بني آدم أنهم كانوا يعبدون الشيطان، وهم كانوا في الدنيا يلعنونه، ما كانوا في الدنيا يلعنونه؟ {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} (يـس:60-62).
نفس العمل الذي يقوم به اليهود، لديهم خبرة شيطانية، لديهم خبث شيطاني، ومكر شيطاني رهيب، فهم يتجهون نحو الوسوسة ونحو القلوب، ونحو النفوس، بأي وسيلة من وسائل الإفساد {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية64) بأي وسيلة من وسائل الإفساد: بامرأة تبدوا مكشوفة في التلفزيون، على المسرح، أو راقصة في السينما، من خلال شاشة التلفزيون، من خلال قنوات عربية، من خلال قنوات أخرى فضائية، من مختلف البلدان عن طريق [الدّش] الذبذبات تأتي تدخل الذبذبات عندما ترى امرأة مكشوفة في التلفزيون فاعرف لا بد أن ينقص من زكاء نفسك شيء. {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} (النور: من الآية30) أطهر لنفوسهم.
ألم يعملوا على أن تتخلع النساء وتتبرج؟ لماذا؟ هم يعرفون أن تلك الصورة عندما تراها أنت توجد خللا في نفسك، ووسيلة مع وسيلة أخرى، وأسلوب بعد أسلوب، وطريقة بعد طريقة، ترى نفسك قابلة، وأنت لا زلت تحس في رأسك أن اسمك مؤمن، وأنك مؤمن واسمك مسلم، وتقول للآخر يا يهودي يا نصراني، وتنطلق تصلي وتصوم وتزكي وتحج، ومسلم مؤمن، ولكن واحدةً بعد واحدة، ضربة بعد ضربة مما يفسد بها زكاء النفس وطهر النفس. ثم تضليل ثقافي، يترافق أيضاً، تضليل ثقافي عن طريق الصحيفة، المجلة، التلفزيون، الإذاعة الكُتّاب، الصحفيين، مرشدين، أشياء كثيرة جداً تهاجم الإنسان من كل جهة.
وكلها تتجه إلى أين؟ تتجه إلى قلبه، إلى نفسه؛ ولأن قلب الإنسان يحتاج إلى أن يكون يحظى برعاية عالية من قبل الله سبحانه وتعالى، وأن يكون مملوءًا بهدي الله بهدى الله، مملوءًا بالولاء لله ولرسوله وللذين آمنوا، إذا لم يكن على هذا النحو فما أسهل أن يفسد، وما أسهل أن يتحول إلى يهودي، وإلى نصراني، إلى قلب يهودي وقلب نصراني، وهو من يرى أنه ما يزال مؤمناً.
القلب الفارغ من هدي الله ومما يرشد إليه الله سبحانه وتعالى هو من سيكون ضحية؛ ولهذا جاءت الآية بعد: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (المائدة: من الآية52).
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(سورة المائدة-الدرس الأول)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.