كيف تصنع أميركا إرهاب العنصرية البيضاء الجديدة لمصلحة “إسرائيل”؟
إرهاب التفوق العنصري الأبيض معروف منذ انحدار الشرق وصعود الدول الغربية في العبودية والاستعمار للسيطرة على مقدرات الشعوب الملوّنة. لكن الإرهاب العنصري الأبيض الجديد يستفيق على وقع انحدار الدول الغربية، فتحاول أميركا تأجيج فاشيته الدينية لمصلحة “إسرائيل”.
ما كان يخبو في عمق المجتمع الأميركي وبعض الدول الغربية، تفضحه مذبحة المسجدين في نيوزيلاندا التي كشفت اقتباس السفاح برينتون تارانت أسلوب “داعش” في تصوير القتل لحث الجماعات الإرهابية على عبور آخر عقبة بين الفطرة الإنسانية والغريزة الحيوانية الوحشية.
جرائم العنصرية البيضاء تحدث كل يوم في أميركا وأستراليا وفي العديد من الدول الغربية العريقة بالتسمية الديمقراطية مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا. وبين هذه الجرائم مجازر وقعت في كندا على يد السفاح العنصري ألكسندر بيسونيت مثيل سفاح نيوزيلاندا.
وفي النروج في العام 2011 في جزيرة “أوت أويه” راح ضحيتها عشرات من الشباب المؤيدين للحق الفلسطيني. والجرائم المماثلة لا تقتصر على تنفيذ القتل والذبح، إنما تتجاوز ذلك إلى تحريض الاعلام والحكومات والسياسيين في سوق الترويج ما دعا صحيفة “نيويورك تايمز” إلى تأنيب الضمير والشعور بأن أيديهم ملطخة بالدماء.
بحسب منظمة “ساذرن لوسنتر” المتخصصة بمتابعة جماعات الكراهية في أميركا، تنمو جماعات عنصرية التفوّق الأبيض كالفطر في أميركا فبلغت منذ وصول دونالد ترامب إلى الحكم نحو 100 تنظيم من القوميين البيض و99 ذراعاً من للنازيين الجدد ونحو 130 فرع لجماعة “كوكلوكس كلان” التي تأسست عام 1866 أثناء الحرب بين الشمال الأميركي وجنوبه.
ترامب الذي ينفي تكاثر جماعات الإرهاب العنصري في أميركا، في تعليقه على مجزرة نيوزيلاندا، ربما يراه أقل مما يطمح إليه لتحقيق مآربه السياسية. فموقع “فوكس” الأميركي يلحظ ارتفاع جرائم الإرهاب الداخلي الأميركي بمعدّل 182% في العام 2018 أوقعت خمسين جريمة عنصرية في أميركا. فمنذ وصوله إلى الرئاسة أيّد في عام 2017 مظاهرة الفاشية البيضاء التي أحيت ذكرى الجنرال “ربورت إي لي” المعروف بأنه أحد أشد الرموز العنصرية المدافع عن العبودية وتفوّق العرق الأبيض.
سفاح نيوزيلاندا يتباهى بترامب وجماعاته من دعاة التفوّق العرقي الأبيض، ولا سيما المدعوة “كانديس أويز” التي تنافح عن مجموعة “بليكسيت” (السود إلى خارج أميركا، فضلاً عن محاباة النازية والعداء للمسلمين. وقد استلهم منها السفاح دعوتها “للانتقال إلى الفعل”، بحسب قوله.
في خضم هذا المزيج من “تسونامي” العنصرية البيضاء التي تجتاح أميركا والدول الغربية، تسعى حكومات الدول الغربية والاتحاد الأوروبي إلى التورية لعدم وضع أصبعها على الجرح الملتهب. فهي ترى اليمين الفاشي والعنصري هو معادٍ للسامية، وتعمل جاهدة منذ بضع سنوات لسن قوانين واتخاذ إجراءات لتجريم معاداة السامية ضد أي نقد للصهيونية وحتى لسياسة “إسرائيل” والاستيطان. وبضغط من “إسرائيل” والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، يجري تجريم حركة المقاطعة بذريعة محاربة اليمين المتطرف والعنف والكراهية. وحين تضطر هذه الحكومات تضيف جملة “وكل أشكال العنصرية” لذر الرماد في العيون من دون اتخاذ إجراءات فعالة رادعة.
في السياق ينكبّ الكثير من المعلّقين على مجزرة نيوزيلاندا باستحضار التاريخ القديم والحديث للعنصرية البيضاء في أميركا وأوروبا التي كانت في مرحلة غابرة ضد أفريقيا السمراء، وفي مرحلة النازية ضد العرق السامي (اليهودي بحسب النازية) دفاعاً عن العرق الآري الألماني. ولا ريب أن رائحة هذه المرحلة تفوح هنا وهناك في الغرب بأشكال متفاوتة، لكن العنصرية البيضاء الجديدة كما تعبّر في الأحداث والوقائع تستهدف الحرب ضد المسلمين. وعلى خلاف مرحلة معاداة اليهود والسامية أثناء النازية، تدافع النازية الجديدة عن إسرائيل ضد الفلسطينيين على وجه خاص.
التيار الأوسع من العنصرية البيضاء الجديدة هو تيار ديني فاشي تمثّله في أميركا جماعات ترامب من التيارات المسيحية الصهيونية. فترامب وبولتون وبومبيو هم رأس اليمين العنصري الأبيض بنسخته الجديدة، وعلى جريرته يستقي العنصرية الفاشية أمثال حكام البرازيل وكولومبيا ووزير الداخلية البريطاني وأمثال كانديس أويز الكثيرين. وكل هذا المحضر يجتمع على الدفاع عن “إسرائيل”.
في الدول الغربية تيارات إنسانية ضد كل أشكال العنصرية القديمة والحديثة، وفيها قوى ديمقراطية حقيقية تعبّر عن نفسها كما فعلت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أردين. وفي بعض البلدان العربية والإسلامية كثير من مريدي ومحبذي العنصرية البيضاء خلف ترامب و”إسرائيل”.