التحوّل من “داعش” إلى “الجهاديين”
عمران نت / 9 / 3 / 2019م
// مقالات // حسين سرمك حسن
يقول برناردشو: (إن تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة بالذات، ودون إي مكان آخر في العالم؛ لأن الناس عادة لا يقيمون التماثيل إلا للموتى) ..
ويمكن اعتبار ما يقوله الأستاذ “حمدي سفيق” في مقالته “التاريخ الأسود للاستعباد في الولايات المتحدة” تعليقا على مقولة برناردشو حيث يقول :
(من أكثر المناظر اثارة للسخرية أن زائر الولايات المتحدة الأمريكية بحراً- عندما تقترب به السفينة من ميناء “نيويورك” – يرى تمثال “الحرية” الشهير خارج جزيرة مانهاتن !!! ويعتبر الأمريكيون البيض تمثال ” الحرية ” هذا رمزاً لبلادهم !! ويود كاتب هذه السطور أن يسأل هؤلاء : هل أُقيم هذا التمثال رمزاً للحرية التى أسبغت على 122 مليون هندى أحمر ؟! أم أنه رمز لحرية عشرات الملايين من الأفارقة المساكين الذين جرى خطفهم وجلبهم بالقوة إلى “الجنَّة الأمريكية” للعمل الشاق حتى الموت من أجل تحقيق “الحلم الأمريكى” ؟!! إنها لمهزلة كبرى أن يُقام تمثال “الحرية” على جثث وجماجم عشرات الملايين من البشر تمت إبادتهم جماعياً بشكل لم يحدث مثله لحيوانات الغابات .. بل لو حدث معشار هذه الإبادة أو 1% منها فقط ضد الحيوانات ، لأقامت جمعيات الرفق بالحيوان فى الغرب الدنيا ولم تقعدها !! أما إبادة مائة مليون هندى أحمر فهو أمر “يؤسف له” – على حد زعمهم- ولكنه كان “ضروريًا” لأمن البلاد !!! بل كان أبو “الحرية” الأمريكية المزعومة- جورج واشنطن- نفسه يملك ثلاثمائة عبد وجارية فى مزرعته الخاصة ، ولم يحرر منهم واحداً قط !!) .
ومن عادتي – أولاً – أن أتحدّث عن الظواهر السياسية في أغلب الأحوال بقدر من الرؤية التي يفرضها تخصصي بالطب النفسي واطلاعي الذي اعتبره واسعا على تفصيلات علم النفس عموما وعلم النفس السياسي والدعاية خصوصا .
وعليه أقول لا تثقوا بالغرب ولا بالولايات المتحدة لأن كل التاريخ النفسي للغرب وخصوصا الولايات المتحدة يشير إلى “بنية” راسخة لم تتوفر إلى الآن عوامل زحزحتها ولا تشذيبها .. نعم “بنية” عدوانية تجاه الآخر ، تحتقره وتستخف به وتستغله حد مصّ دمّه ، ولسنا معنيين هنا بالمظاهر الفردية بل بالظواهر الجماعية .
ويمكننا ذكر حقيقتين :
الأولى أنه ، وبخلاف الواقع – وكما يقول المفكر الراحل د. عبد الوهاب المسيري – فقد تمّت تسمية الحربين “العالميتين” بهذه التسمية الخاطئة ، وهما فعلياً حربان “غربيتان” ، كأسباب ودوافع وقوى عدوانية مدمرة سحق الغرب فيها الشعوب الفقيرة وجعلها وقودا ، وحين يتصارع فيلان في الغابة لا يتأذى سوى العشب كما تقول الحكمة القديمة .
والثانية هي أن أمريكا منذ نشأتها إلى يومنا هذا قتلت في حروب إبادة جماعية ما لا يقل عن 40 مليون إنسان لأجل مصالحها فقط، وبالتأكيد أن هذا الرقم قليل مع الجرائم الكثيرة والسرّية التي اقترفتها أمريكا، فضلا عن الحروب التي خاضتها بالوكالة، مما قد يجعل عدد ضحايا الأمريكان ربما يقارب 100 مليون إنسان على وجه الأرض. كما يقول الأستاذ أنور مالك في مقالته “مسخرة الحرب على الإرهاب” .
وعليه – ثانيا – فلدي المبررات الكافية التي تجعلني أؤمن بنظرية المؤامرة بقوة ، وأحاول البحث عن “المستفيد” الغربي ، وليس فقط “المسبّب” ، للكوارث التي تمحق شعوب العالم الثالث ، وحتى شعوب أوروبا الشرقية وروسيا واليابان والصين وغيرها .
المهم ..
مؤخرا ، بدأت القنوات الغربية – الناطقة باللغة الإنكليزية – باستعمال مصطلح جديد لوصف حركة داعش الإرهابية التوراتية ، وهو مصطلح “الجهاديون – jihadists” – راجع قناة france 24 مثلاً – . ومن المهم التأكيد على أن الإعلام الغربي لا يقوم بـ “الإعلام” عن الحقائق مثلما يروّج البعض ، بل بـ “التجهيل” كما أشار أحد الكتّاب بحق . ومن قواعد عمل الدعاية والحرب النفسية الغربية هي أن تبديل المصطلحات يأتي دائما مقدمة لتبديل في الحركة المدمّرة على أرض الواقع .. ما هي أهداف هذا التحوّل الخطير؟
هل هو التمهيد لجعل وجود داعش في المدن العراقية – نينوى وصلاح الدين والأنبار العزيزة – وجوداّ “جهادياً” يمكن التفاوض معه ويحقق الإقليم السنّي المُخطط له منذ عقود ؟! وخصوصا أن “جو بايدن” نائب الرئيس الأمريكي منذ عام 2009 ، وصاحب مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات ، هو الذي كان يبارك الوضع الأمني والنجاحات الأمنية في العراق كل أسبوع حتى ليلة سقوط نينوى الحبيبة !!
دائماً يتمدّد العربي ويتابع المتغيرات التي تتعلق بمصيره – ومنها هذا التغيّر في الخطاب – على شاشة التلفزيون كأي مواطن من الواق واق .. يتشارك في ذلك المواطنون البسطاء والرؤساء والملوك العرب على حد سواء . فلنترك لهم هذا المتغير الخطير يتسلّون به قبيل القيلولة بعد الغداء ..