شيعة القطيف والأحساء.. البحث عن المستقبل على صهوة العرائض!
عمران نت // تقارير – تحليلات//
وسرعان ما طوّر النظام السعودي عبر السنوات اجراءات خطرة استهدفت تدمير وإفقار مناطق الشيعة ومحاصرة وجودهم جغرافياً وعمرانياً واقتصادياً وحتى بيئياً، في سياسة استئصالية تم تنفيذها ببطء في فترات متقادمة وما لبثت أن برزت بشكل متسارع في مراحل زمنية متأخرة،،،
حسن الطاهر
في 28 صفر 1424هـ الموافق 30 أبريل 2003 استقبل الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز “وكان حينها لا يزال ولياً للعهد” 18 من شخصيات ووجهاء الشيعة في القطيف والأحساء, حيث سلموا له عريضة “شركاء في الوطن” التي وقع عليها 50 عالم دين و42 أكاديمياً و31 كاتباً وصحافياً وشاعراً و151 رجل أعمال و24 سيدة. وخلاصة ما طالب به موقعوا العريضة: إنهاء سياسة التمييز الطائفي، إلغاء التهميش السياسي للشيعة في أجهزة إدارة الدولة بما يشمل القطاعات العسكرية والأمنية والدبلوماسية، وضع حدٍ لسياسة الحرمان الاقتصادي والتنموي للمدن والحواضر الشيعية وأخيراً إلغاء السياسات الطائفية وتجريم التمييز المذهبي والممارسات التكفيرية سواء في الإعلام أو التعليم أو الحياة اليومية وضمان حماية الحريات الدينية. ورغم وعود الكلام المعسول الذي سمعه حاملي العريضة إلى قصر الرياض، فقد عادوا خائبين منكسرين, فوعود عبدالله بن عبدالعزيز لم تختلف في نبرتها ودلالاتها عن مئات الوعود التي سمعها وجهاء الشيعة طوال قرن من الزمان، وإن كانت مطالب من سبقهم متواضعة ومحصورة في جانبي الخدمات العامة والحريات الدينية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الشهيد الفقيه الشيخ نمر النمر رضوان الله عليه ورغم قناعته بعدم إصغاء النظام السعودي لصوت العقل وعدم وعيه لخطاب الحق وعدم قابلية بنية النظام وكيانه للإصلاح, إلا أنه وضمن سعيه لإلقاء الحجة وإسماع سلطة الطغيان صوت الناس ومطالبهم سلّم برفقة جمع من الشيعة في العام 2007 “عريضة العزة والكرامة” إلى جلوي بن عبدالعزيز آل سعود نائب الحاكم الإداري في المنطقة، وامتازت تلك العريضة غير المسبوقة بصراحتها وشموليتها، ومطالبها الجذرية، وتسميتها للأشياء بأسمائها الواقعية دون مواربة أو تملّق أو خوف من بطش الحاكم.. فباتت نموذجاً شجاعاً ومتقدماً في مواجهة الطغيان السعودي بالحجة ومن عُقر داره. غير أن عريضة “شركاء في الوطن” التي التزمت الحذر في مفرداتها وألفاظها، وتوسلّت بلغة الاستعطاف والاستجداء، وقَدمت إلى عبدالله بن عبدالعزيز وأمراء آل سعود نعوت الولاء والإخلاص، في حين أنها مثلت الحدّ الأدنى من المطالب المستحقة لأهالي القطيف والأحساء وهم السكان الأصلاء منذ آلاف السنوات، ورغم ذلك كلّه أصرّ آل سعود على تجاهلها وعدم تلبية أي جزء منها, حتى تلك المطالب الجزئية والصغرى المتعلقة بالخدمات العمرانية والتعليمية غير المرتبطة بالشأن السياسي أو الأمني والعسكري. سياسة الاحتلال السعودي في تجاهل مطالب الشيعة يدفعنا للعودة بالذاكرة إلى لحظة غزو عبدالعزيز آل سعود منطقتي القطيف والأحساء واحتلالهما العام 1913 فمنذ ذلك الحين عاش شيعة المنطقة معاناة مستمرة على كافة مناحي الحياة اليومية في جوانبها المعيشية والاقتصادية والثقافية والدينية، وقد لجأ وجهاء وشيوخ الشيعة في القطيف والأحساء منذ عشرينيات القرن الماضي إلى تدبيج ورفع العرائض للملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك السعوديين من بعده, وكانت تلك العرائض تتمحور ابتداء حول كفّ يد الوهابيين الذين أرسلهم عبدالعزيز مبشرين ومنذرين!! عن التدخل في الشأن الديني للشيعة, ولاحقاً صارت إلى المطالبة بتخفيف الضرائب وتأمين الخدمات والاحتياجات والاهتمام التنموي بالمنطقة. وتصاعدت حدة سياسة التهميش والإقصاء التي فرضها عبدالعزيز مبكراً وباتت استراتيجية راسخة توارثها أبناؤه الملوك من بعده.. فواجه الشيعة التهميش والإقصاء السياسي الذي ترجمه النظام السعودي عبر استبعاد الشيعة من التوظيف في أجهزة الجيش والأمن والاستخبارات والسلك الدبلوماسي بل حتى الإدارات العامة كما في حقول التعليم والبلديات وغيرها. وسرعان ما طوّر النظام السعودي عبر السنوات اجراءات خطرة استهدفت تدمير وإفقار مناطق الشيعة ومحاصرة وجودهم جغرافياً وعمرانياً واقتصادياً وحتى بيئياً، في سياسة استئصالية تم تنفيذها ببطء في فترات متقادمة وما لبثت أن برزت بشكل متسارع في مراحل زمنية متأخرة. قبل اكتشاف النفط أدرك السعوديون كغزاة ومحتلون بأن الأحساء والقطيف تشكلان سلّة غذاء ومصدر اقتصادي للثروة وهكذا فرضوا على الأهالي الضرائب الباهضة التي أسهمت في هجرة كثير منهم إلى البحرين والبصرة والنجف وكربلاء، فيما خسر كثيرون تجارتهم ورؤس أموالهم عبر تلك الضرائب المضاعفة سنة بعد أخرى, عدا عن المصادرات والسرقات التي نفذها موظفوا عبدالعزيز مطلع عهد الاحتلال السعودي للمنطقة. لاحقاً وبعد اكتشاف النفط طوّر آل سعود أساليب استنزاف ثروات المنطقة، ولعل أهم ما يجب أن نشير له هنا أولاًعوائد البترول المباشرة والتي بلغ اجمالي عائداتها خلال 7 سنوات من عام 2008 إلى عام 2014 إلى 7 تريليونات ريال، وثانياً هو مشروع الخزن الاستراتيجي الذي بدأ العمل به على مراحل ابتداء من العام 1988 وشمل مواقع الخزن في الرياض وجدة وأبها والمدينة المنورة والقصيم, وعدا عن موقع الخزن في المدينة المنورة الذي يتم تغذيته من مصفاة ينبع فإن بقية المواقع يتم تغذيتها من مصافي المناطق الشيعية على امتداد الساحل الشرقي. وقد تشكلت خلال العقد الأخير عدة لجان وهيئات أهلية بهدف دق ناقوس الخطر ضد سياسات النظام اتجاه المناطق الشيعية أبرزها مجموعة “قطيف الغد” و”صمود من أجل الحدود” وذلك لكشف مخططات واجراءات السلطة في تدمير البيئة الزراعية والبحرية في المنطقة، وفرض الحصار العمراني، وكذلك التلاعب بالحدود الإدارية والسياسية لمدن الشيعة ومناطقهم. الواقع الشيعي اليوم هو أصدق أنباء ودليلاً على النتائج التي حصدها وجهاء الشيعة عبر عرائض التسول والتوسل عند أقدام الأمراء والملوك السعوديين، فالنظام استمرّ في تنفيذ سياسات الإقصاء والتهميش وحرمان مناطق الأحساء والقطيف من التنمية الحقيقية في البنية التحتية والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والسياحة، وواصل سياسات التمييز الطائفي البشعة ضد كل أوجه ومظاهر التشيع، إلى جانب الاستهانة بحياة المواطن الشيعي ودماء الشيعة وحرماتهم، والتي توجها بإعدام عالم الدين الشيخ نمر النمر مطلع يناير 2016, فضلاً عن عشرات الشهداء الذين تساقطوا في ميادين المطالبة بالحريات والعدالة والكرامة, ومثلهم أولئك الذين قضوا تحت سياط التعذيب في سجون مملكة القمع منذ الأيام الأولى لاحتلال المنطقة حين تمت تصفية الوجيه عبدالحسين بن جمعة وتغييب جثمانه حتى اللحظة, ومن بعده توالت سلسلة الشهداء في السجون على مدار العقود والسنوات وليس آخرهم الشهيد نايف أحمد العمران الذي قضى نحبه في سجون المباحث بتاريخ 18 يناير 2019 دون أن تكشف السلطات عن الأسباب والجناة. وإذا كان عبدالعزيز وأبنائه لم يصغوا ولم يلبوا مطالب الشيعة على مدار العقود الماضية من عمر الاحتلال للمناطق الشيعية, فإن المراهنة على صبية بن سعود الحاليين وفي مقدمهم الموتور الأحمق محمد بن سلمان يعدّ ضرباً من الجنون السياسي. تفرض التطورات المتسارعة في أوساط قصور الرياض وتصاعد حدة الصراعات بين أمراء آل سعود من جهة, وحدة البطش والقمع الذي بدأ يوسع مروحته ليطال علناً حلفاء النظام قبل معارضيه أن يبادر الشيعة عاجلاً إلى تدارك ما فات ويتدارسوا الخيارات المتاحة أمامهم لاستعادة مناطقهم المحتلة وبناء الأطر السياسية التي تكفل لهم تأمين وصون حقوقهم وثرواتهم, وتؤمن لهم حياة عزيزة حرة كريمة.