المعركة اليمنية تنتقل إلى الكونجرس الأمريكي
إن الفشلَ العسكريّ المتوالي والمتكرر أمام الحديدة والهزائم المدوية وخلال الفترة من 2 نوفمبر إلى الآن قد وضع الإدَارَة الأمريكية التي تقودُ العدوانَ على اليمن مباشرةً في الحديدة والساحل الغربي في أجواء هزيمة مدوية لأَكْبَــر قوة عسكريّة في العالم أمام حقيقة وضعها الاستراتيجي وميزان قواها الحقيقية على الأرض مما يظهرها عارية مكشوفة أمام القوى المنافسة في المنطقة والعالم ويذهب بهيبتها ويدحر وجودها الاستراتيجي القديم الذي كان قائماً على توازنات كانت للولايات المتحدة وحلفائها تلك القدرة من السطوة والبطش والتحدي التي لهم في القرن الماضي، مما يعني أن تغيرات على موازين القوة طرأت لم تكن موجودة في السابق، مما يجعل القوة الأمريكي تمر بمرحل من الضعف والانحلال جراء تراكم الهزائم العسكرِية والسياسيّة أمام محاور المقاومة والممانعة في الشرق الأوسط والمنطقة.
وهناك مجموعة من الشواهد تبرز في المنطقة وَتدلل أَكْثَــر على الحقيقَة السابقة وتؤكّــدها وأهمها هي:
1 – إعلان أمريكا سحب قواتها من سوريا قبل أيّام وترك المنطقة لوكلاء محليين يقومون نيابة عنها بالدور المطلوب؛ نتيجة عجزها المدوي أمام محور المقاومة وحلفائه لما حقّقه من انتصارات على أدوات أمريكا وحلفائها من السعوديّة الإمارات وقطر والقاعدة وداعش وبقية الأدوات.
2 – انفضاح قضية اغتيال خاشقجي من قبل زعيم العدوان السعوديّ على اليمن بن سلمان في السفارة السعوديّة في اسطنبول، وما أحاط بالجريمة من ممارسات بشعة أرعبت الرأي العام الأمريكي الغربي والعالمي عموماً.
3 – فضح دور ترامب الرئيس لأمريكي وصهره في التعصب لابن سلمان وملاحقتهم للصفقات التجارية الشخصية على حساب أمن أمريكا والغرب وحجب المعلومات المخابراتية الحقيقية عن إدانة بن سلمان في جريمة القتل البشع.
4 – انعقاد مجلس الشيوخ الأمريكي وتشريع مشروع قانون يدين فيه بن سلمان بالأمر بارتكاب الجريمة وفقاً للتقرير المخابراتي المعروض على المجلس.
5 – تشريع قانون ملزِم لترامب بوقف الحرب في اليمَن وسحب كُلّ القوات الموجودة والخبرات وأشكال الدعم في الحرب على اليمن بقيادة السعوديّة والإمارات ووقف صفقات السلاح إليهما، وهو ما يعني أن المظلة السياسيّة الاستراتيجية الدولية للعدوان السعوديّ الإماراتي على اليمن أضحى بغير وجود.
6 – رفع الغطاء الاستراتيجي عن العدوان وانكشافه أمام القوة الوطنية المدافعة وعجز ترامب عن المضي قدماً في الدعم والتوجيه والقيادة للعدوان من خلف قرارات الكونجرس الذي يشكل مركز الدولة الرئيسي حسب النظام الأمريكي الراسخ.
7 – اقتناع الرأي الغالب في الكونجرس والشارع الأمريكيين بان انتكاسات أمريكا المتوالية في المنطقة سببُها ترامب وبن سلمان وبن زايد والسياسات المتطرفة التي تتبعها الإدَارَة بتحريض اليمين الصهيوني السعوديّ المتطرف وسخاء رشاويها لأسرة ترامب، مما يفرض على السعوديّة وحلفائها أن تظهر ضعيفة على حقيقتها في الميدان والسياْسة، وأن هزائمها في الميادين أضحت نهائيةً غير قابلة للتعديل والتعويض كما كاْنت خلال الأربعة الأعوام السابقة وغير قابلة للإخفاء خلف دعوات مختلفة أضحت مفضوحة.
تفكك وتناهش الأسرة السعوديّة الحاكمة فيما بينها
كل متابع للأخبار المنشورة يلاحظُ مدى الأزمة والاشتباك بين أطراف الأزمة الداخلية السعوديّة ومدى الارتباك والقلق المتبادل.. تغييرات في المناصب الوزارية طالت عدداً من الوزراء كانت تلك حصيلة الأمس القريب وتضاف إلى سلسلة التغييرات السابقة التي بدأت بعزل عدد الأُمَرَاء ثم اعتقال أعدادٍ أخرى من الماليين الكبار والعلماء وكبار الأُمَرَاء ومصادرته أموالهم، وكانت المناطق الشرقية البلاد قد شهدت انتفاضاتٍ شعبية واسعة شملت مدناً عديدة أهمها القصيم.
قبل الحديدة وبعد الحديدة
قضية خاشقجي مسألة فرعية عن العدوان على اليمن وتباين المواقف حولها داخل البيت العدواني حول إدارَته والأساليب المتبعة لا ضد أو مع وليست منفصلة عنه.
ويحاول الإعلام المضاد تصويرَها كقضية منفصلة لها علاقة بمعارضة الضحية لبن سلمان حول السياسات المنتهجة، وأية سياسات أَكْثَــر خطورة من العدوان على اليمن ونتائجه.
فالصراع في الشام والعراق ولبنان قد حُسم هناك وتم الإقرار والتسليم بالنتيجة، فلم يعد هناك خلاف رئيسي كبير حول السياسات داخل البيت الحاكم، بل حول الغنيمة، فقد انتقل مركز ثقل الصراع الرئيسي الآن في المنطقة إلى اليمن داخل الأسر الحاكمة أو داخل المُؤسّسات الأمريكية الغربية، وقد خلق الفشل والإخفاق العسكريّان استقطابات حادة في كُلّ الأطر وخاصة المراكز الأمريكية السعوديّة متحولاً إلى انقسامات حادة.
وقد اغتيل خاشقجي على خلفية دوره في الصراع، فقد كان ضمن جناح في المخابرات في الأمريكية يناهض بن سلمان وترامب معاً حول أمريكا ومشاكلها الداخلية والخارجية وحول أسلوب ترامب في إدارته، ومنها حرب اليمن على خلفية فشل الإدَارَة الأمريكية الجديد في إدَارَة معارك أمريكا وأهدافها الاستراتيجية ومطامعها، أي على انعكاس هزائم العدوان الأمريكي السعوديّة على القوى الوطنية اليمنية وعجزها عن التصدي للقوى الوطنية، عن تراجع ترامب في الشام والعراق ولبنان وتركيا وروسيا وإيران وافغانستان والباكستان وماليزيا وفنزويلا وأوكرانيا وكوريا والصين وقطر وعُمان والأردن واليمن، وحول الانتخاباتِ الأمريكية والتدخل الروسي فيها وحول تلقي الرشاوى والشك في ولائه لأمريكا بل لأمواله ومصالحه الخاصة المشبوهة الأساس وفي المعركة الحامية بين الطرفين المتصارعين المتنافسين عشية الانتخابات الأمريكية تصبح الملفات الساخنة هي الذخيرة التي يمكن توجيهُها إلى الخصم؛ بهدفِ التشهير بسياساته وإدارته.
وقد أراد طرفٌ في المُؤسّسات الأمنية والتشريعية الأمريكية أن يجند خاشقجي في الصراع الجاري فكلّفه بإعداد ملف حول مخالفات سلمان في الممارسات الحربية ضد اليمنيين والسكان المدنيين واستخدام أسلحة محرمة أمريكية تم بيعها للسعوديّة والإمارات في مخالفة للقانون الأمريكي وللكونجرس الأمريكي، وقد نشرت صحيفة الاندبندنت البريطانية توضيحاً حول ذَلك كشفت فيه كيف أن الضحية قد استدرج إلى القنصلية السعوديّة في اسطنبول، في سياق استدراج شاْركت فيه السفارة السعوديّة في واشنطن وقيادتها، والإدارة الأمريكية أَيْضاً ربما كانت على علم بما يجري نتيجة للتنسيق الوثيق بينها وبن سلمان، وما أقلق المُؤسّسات الأمريكية العامة هو أن افتضاح بن سلمان ودوره البشع في الجريمة قد كسر الصمتَ القديم حول الجرائم ضد الإنسانية في اليمن ودور أمريكا في العدوان وقيادته وتخطيطه وتوجيهه.
انتخاب سلطة تشريعية جديدة في أمريكا أغلبها معادية لترامب وسياساته ومنها رفضها الدور الأمريكي في العدوان ورفضها سياسة التوتر مع إيران حول الملف النووي وحول صفقة القرن وحصار قطر والعلاقات الدولية المتوترة مع العديد من الدول.. كلها مواقف مبنية على حسابات المصالح الاستراتيجية العليا لأمريكا كأمة ودولة وقيم معينة تمنحُها شرعية الوجود.
خسارة ترامب التأييد داخل مجلس النواب والشيوخ
الخسائر المتوالية لترامب تعني أن الجمهوريين أغلبيتهم قد نفضت يديها من ترامب وإمكانية استبعاد إعادة ترشيحه للانتخابات القادمة في المنافسة مع الديمقراطيين الصاعدين الآن بقوة، ويحظون على الأغلبية محترمة في الكونجرس؛ لأَنَّ ترامب قد تورط في الكثير من المصائب وأضحى حصاناً أعرجَ لا يقوى على المنافسة في أي سباق قادم بعد عامين بعد ثلويت سمعته وتنتظره الكثير من الفضائح التي ما زالت ملفاتها مطوية لدى عدد من المحقّقين وهي ضمن خطط حرب سياسيّة تجري وتفتح حسب التقدم نحو المعارك الكبيرة في المجال السياسيّ الداخلي ولن يمكون أمامه سوى الترشح مستقبلاً، كما فعل المرة السابقة ولكن حظه ميئوس منه الآن بعد كُلّ هذ التطور المليء بالعار والشنار فلم يَصل رئيس قبيحٌ ووقح وقميء السلوك والسياسات مثلُه إلى البيت الأبيض من قبلُ.
إن الحرب على اليمن قد تضمن الكثير من الحيل والتجاوزات للقانون الأمريكي وتحديات المشرعين والكونجرس والسلطة التّشريعية الأمريكية التي هي أقوى المُؤسّسات في النظام الأمريكي، وقد انحسرت سلطة الحرب في أيديها بعد أن انتزعتها من الرئيس نيكسون إبان حرب فيتنام وأجبرته على الاستقالة في النهاية بعد أن يتجه نحو التفاوض مع الفيتناميين ومغادرة البلاد المحتلة وتحمل الأكلاف الضرورية والاعتراف بسيادة واستقلال فيتنام.
وقُيّدت سلطاتُ الحرب بقانون يعطي الكونجرس حَـقّ إعلانها ومراقبتها فقط، فلا يستطيع الرئيس أن يبادر إلى حرب أو التدخل من خلف الكونجرس، وهذا ما يحدث الآن في اليمن والشرق الأوسط وغيرها.
انعكاس هذا الواقع على العدوان وعلى الحرب الرئيسية في الحديدة والساحل الغربي:
1 – أن العدوان وقيادته الأمريكية السابقة في ظل الإدانة في الكونجرس والصحافة والرأي العام سيكونون في وضع صعب جداً لا يستطيعون ممارسة اللعبة السابقة بأمان ولا يستطيعون الحصول على المزيد من الدعم الأمريكي للعدوان وقيادته ولا لمزيد من الصفقات الضخمة للأسلحة الأمريكية المتطورة والدقيقة وإن فعلوا يقعون تحت الرقابة والمحاكمة البرلمانية؛ لأَنَّ المخابرات الأمريكية والدولة العميقة تريد فضح ترامب وإضعافه بعد جرائمه الأخيرة وتسهيل التخلص منه، وهو نفس الدور الذي فعلته مع نيكسون قبل إسقاطه وطرده من البيت الأبيض قبل نهاية مدته القانونية.
2 – تحريم وتجريم العلاقات مع بن سلمان..
إن تجريم بن سلمان والعلاقات التحالفية معه ومع السعوديّة ما دامت تحت قيادته تعني أن ترامب وَبن سلمان لا يستطيعان القيامَ بأي تعاون مشترك بينهما والتراجع سريعاً عن جميع الخطوات التي تمت خارج القانون الأمريكي وهي كثيرة بما فيها قرار الحرب ومبرّراتها والأسلحة المحرمة دولياً التي تم منحُها للسعوديّين وتم استخدامها في العدوان على المدنيين في اليمن وبأوامر من ابن سلمان وأبيه مباشرة، وهي موثقة لدى المُؤسّسات الدولية وتضع أمريكا أمام المساءلة والمحاسبة والمسؤولية القانونية ولو بعد حين.
علماً أن جريمة خاشقجي الأساسية استدعت أيضاً جمعَ مواد موثقة حول استخدام السعوديّة أسلحة محرمة في اليمن وتسجيلات لتعليمات بن سلمان التي توجه استخدامها ضد المدنيين لنمزي من الرهاب والترويع للمدنيين اليمنيين لإخضاعهم للعدوان السعوديّ وَهذا ما كشفته قبل أسابيع صحيفة غربية وهناك الكثير في الملفات.
3 – أن كُلّ خطوة جديدة لتأييد بن سلمان من ترامب بعد القرارات البرلمانية الأخيرة تعني خطوةً أَكْبَــر نحو سقوطه المدوي، وهناك ملفات قابلة للفتح لاحقاً تشير إلى رشاوى تسلمها ترامب من بن سلمان له ولأسرته ولأعضاء من أصدقائه في الكونجرس مقابل مساعدته في الحصول على تأييد الإدَارَة الأمريكية للسعوديّة في مواصلة حملتها المتوحشة على اليمن والوصول إلى الملك.
4 – لعنة الدم..
وهي لعنة تشبهُ لعنة فيتنام عل أمريكا ورئيسها آنذاك نيكسون في العقد الأخير من الحرب، وهذه يمكن تسميتها لعنة بن سلمان والمنشار.
مناشير تقْطع البيادق
وتذكّرنا باضطرار الرئيس الأمريكي الأخير إلى التخلي عن تأييده للجنرال الفيتنامي العميل في جنوب فيتنام وللحكومة العميلة التي ظل الأمريكيون عشر سنواْت يدّعون شرعيتها وأنها تمثل الشعبَ في الجنوب وأن الشمال شيوعيّ مع السوفييت معادٍ لأمريكا وامبرياليتها وأطماعها وَأنها خطرٌ على الأمن القومي الأمريكي وعلى القيم الأمريكية.. كُلّ هذا تبخر في ساعات بعد كشفت الصحافة واقعة تجسسه على مقرات الأحزاب المعارضة في أمريكا نفسها، مدللةً بذَلك على مخاطر الفساد الرئاسي على أمريكا نفسها ومن داخلها.. ظهور التقرير العدلي الذي أعده القاضي مولر المحقّق العام في القضايا الموجهة كتهم محتملة ضد ترَامب والتي بدأت بإقالة وسجن المحامي الخاص بترامب والحكم عليه بعدة سنوات سجن وهي تُهَمٌ متهمٌ ترامب نفسُه بها، وهو ما يضيفُ إلى النار المشتعلة المزيدَ من الهشيم المستعر.