من شريط الذكرى
عمران نت/ 24 / يناير 2019م
بقلم / سكينة المناري
بأي لغات الأرض أكتبكم! أنتم الخارجون من وطن لفظته المجرة عن مداره في لحظة إرتباك كوني وحين أرادو إعادته وجدوا المدار مغلقاً والوطن متشمعا باللون الأحمر مكتوب على بابه (اليمن مقبرة الغزاة).
ثمة أبواب نأتيها كل نوبة حنين طامحين أن نطرقها بأنامل الفقد وحين نجدها مؤصدة نكبر على عتباتها دفعة واحدة ..وحدها الذكريات هي التي تواسينا بالفقد ..
بينما وقع نظري على صورتك النوارنية مر بي شريط الذكرى فعادت بي إلى ما قبل رحيلك. إسترسلتها وعشتها بكل تفاصيلها…
مازلت أتذكر ضحكاتك العالية حين تحكي لنا مواقف ظريفة وأنت تقلد العم “يحي” بحركاته المضحكة ومواقفة الفكاهية ،إبتسامتك التي تضيء البيت .
أتذكر ذلك اليوم (يوم الجمعة) كانت تفوح منك رائحة الشهادة وليس رائحة العطر الذي رششته على ثوبك الأبيض وقد تجهزت لخطبة الجمعة .
.
رأيتك والورقة بيدك ضحكت ساخرة: أنت من ستخطب بالناس اليوم!!
_قمة الضحك. مثلك جدير به أن يذهب ليلعب مع أولاد الحارة(كرة) مازلت صغير هناك أكبر من هو منك لن تستطيع
وماذا إن رفضوا يستمعوا لخطبتك أيها الفقيه المرشد؟!
_قلت لي: بوقار وهدوء وكأنك شخص في الأربعين لا في ال19 من عمره علينا أن نبلغ هدى الله وهذه مسؤولية عليا وعليك وعلينا جميعاً وإن لم يسمعوا الناس هذه حجة يجب أن نبلغها لا نجلس بدون أن نعمل شيء ونتعذر أن الناس لن يسمعونا.
تبلدت حينها ولملمت كلماتي بصمت فعلاً أنا الصغيرة بعقلي ووعيي وليس أنت.
ذهبتَ والإبتسامة تكسو وجهك ونشوة الفرحة تعلوك كم كنت سعيداً ذلك اليوم !
لقد سعدنا من سعادتك
سمعناك من مكبر الصوت وأنت تخطب لا تخطأ موضعاً وكلماتك تصل أسماعنا بوضوح . إنشرحت أفئدتنا وأرواحنا ، ليس التصنع من جعلك بذاك التأثير على الكل بل هو الحق الذي صدحت به كأسد لا يرهبهه شيئاً . أيقنت حينها أن مقياس العمر ليس مقياس الوعي والفكر..
أيضاً يا محمد أتذكرك وأنت في المجلس وأنت تقرأ علينا ملزمة (لا إله إلا الله) بصوت متفاعل وتشرح لنا بعض النقاط ونحن نستمع إليك بشغف وانسجام ولكأني أراك الآن تلك اللحظة .
مقولتك الشهيرة عندما نسألك لماذا تجهد نفسك كل هذا الجهد؟
لماذا تتعب نفسك كل هذا العناء ؟
فتقول مقولتك في كل حال ومقال(المؤمنون عمليون لايهدأ لهم بال) مازالت ترن في أذني وكأنك قلتها قبل لحظات.
صوتك وحنجرتك التي كانت تعزف الزوامل وأعذب الألحان والتواشيح ، لحنك وأنت تنشد بنبرة شجن أنشودة (ياشهيد الإباء)؛ هنا دع دمعتي تسيل وتنسكب لم أكن أعلم ماذا تقصد!
ها أنا ذا عرفت مقصدك وأكتبك شهيداً بعد أن كنت تنشد عن نفسك لحن الشهادة التي ننشدها..
أستمر في استرسال ذكرياتك فأتذكر أيام جراحك والقصف العنيف حين كنت تخرج لتنام في حوش البيت ،ظننا أنك تخاف ،سألناك
لماذا تفعل هكذا وتنام في الحوش وأنت جريح ورجلك مكسورة
؟
فأجبتنا بذهول
لا أريد أن أموت داخل البيت كالنساء أريد أن أستشهد في الجبهة (ما قد قدمت في سبيل الله ولا شي) رغم أنك جُرحت وأنت مرابط على الثغور شعورك شعور المؤمن دائما يشعر بالتقصير .
إحسانك مع زملائك وأساتذتك ، حرصك على الإنفاق ، والصناديق التي جهزتها للإنفاق ووزعتها على الأسرة وأصحاب الدكاكين .
إيثارك مع المجاهدين فحين عدت للمزاورة أخذت أجمل ملابسك لتأخذها لهم..
مواقفك وبطولاتك في الجبهات من جبهة صرواح إلى تخوم نجران إلى نهم كثيرة جداً. التنكيل بالعدو وطواف المعكسرات ، وقنص الجماجم، وإقامة الدورات الثقافية. لقاؤك مع والدك والأستاذ خالد المداني في جبهة صرواح مواقف عظيمة
لايكفي الوقت لسردها هذه اللحظة ولكن
ستبقى الذكرى محفورة في القلب والعقل لا يمكن أن تنسى .
شمعة كنت تحترق حتى تضيء للآخرين. قلبك لايهدأ وأنت ترى الناس في ضلال ؛وكأنك عالِم أخذ مسؤولية هؤلاء الناس على عاتقه. كنت ذاك الشاب المخلص المؤمن من بين الآخرين ؛ ولذلك لم تكن هذه الدنيا الفانية تليق بمؤمن ملائكي مثلك أن يبقى في الأرض وهي مدنسة بظلم الفجار واستعباد الطواغيت فأخذك إلى ملكوته إل جوار الأنبياء والقديسين فأصبحت شهيداً يا أخي. إمتلأ شريط الذكرى ولم تنتهِ ذكرياتك وكيف ستنتهي وأنت عطاءٌ من عطاء السماء .