بريطانيا و حلمها

عمران نت/ 23 / يناير 2019م

أشواق مهدي دومان

بريطانيا عبر تاريخها الأسود تحمل فكرا استعماريا بامتياز و لعلها أعظم امبراطوريّة استعماريّة فلها تعود أمريكا الشّمالية التي ماهي إلّا مستعمرة بريطانيّة استطاعت أن ترحِّل و تهجِّر و تقتل و تتخلص من الأفارقة ( الهنود الحمر ) و تستقوي عليهم و تحتلّ وطنهم لتسمّيه بالولايات المتحدة الأمريكية و لهذا فلا فرق في قراراتها و قرارات أمريكا التي تعدّ ابنتها البكر و أمّا ابنتها الأخرى فهي المدلّلة ( إسرائيل ) التي تعملان كلتاهما لراحتها و تمدّدها جغرافيّا و سياسيّا وعقائديّا ، و لهذا نرى تبادل الأدوار فيما بين أمريكا و بريطانيا فحين تنزاح أمريكا عن المشهد قليلا ؛ لتلتقط أنفاسها أو تعيد شحن بطاريتها تتصدّر الكلام بريطانيا التي باسم الاتفاقيّات تقرّر و تمنح و توزّع صكوكها لأحبائها ، فقد منحت إسرائيل فلسطين قبل مائة عام و باسم اتفاقيّة سايكس بيكو، و تحقّق ذلك قبل عام حين صمتت و جاء دور أمريكا ليعلن ترامب القدس عاصمة إسرائيل بتواطئ وعمالة الحكّام العرب الذين سمّنتهم الامبراطوريّتان لهذه المرحلة ، نعم : لازالت بريطانيا تحنّ لليمن رغبة منها في احتلاله و تبنّي مشروع شرق أوسطي جديد معدّل حيث وقد خسرت الّلعبة في سوريا و لبنان و العراق و اليوم تحاول أن تلعب بالنّار في اليمن من جديد علما بأنّ بريطانيا هي أمريكا هي إسرائيل هي الأمم المتحدة هي مجلس الأمن و الأغرب و الأصحّ هي جامعة الدول العربية و هي الأزهر ، وهي هيئة علماء مسلمي الوهابيّة التكفيريّة ، فليس من المستغرب استيلاد قرارا من مجلس الأمن لنشر خمسة وسبعين مراقبا أمميّا في الحديدة ( اليمن ) التي كانت عصيّة في عهد الإمام يحيى و ابنه أحمد حين حاولت بريطانيا احتلال الحديدة بأيديها و خدمها بني سعود، فكانت قبضة آل حميد الدّين من حديد وقد حالوا دون تحقيق حلمها ، و لكن لازال لعابها يسيل على البحر الأحمر كمنفذ تجاري ملاحي متحكّم في كل الخطوط الملاحيّة في العالم ، فهي تخبط خبط عشواء بأذرعها ومستعمراتها في الخليج العربي عبر السّعودية التي أسّستها في نفس العام الذي أسّست فيه الكيان الصّهيوني العنصري ، بينما تقاسمت المهمة مع ابنتها البكر أمريكا و تنازلت بريطانيا بل أوكلت المهمة لبكريتها أمريكا للحكم في الحجاز باسم مملكة بني سعود و وافقت أن تأخذ مستعمرة الإمارات المزعوم أنّ حكامها بنو زايد، و كلتا المستعمرتين : السعودية و الإمارات تنضحان بالنّفط و تلقمان بريطانيا و بناتها و مع هذا لم تشبع بريطانيا و بناتها ؛ فنهمها وفكرها الاستعماري و حلمها القديم يراودها لاحتلال اليمن التي هي جارة السّعوديّة التي يخبر فيها( ترامب ) صراحة أنّها ( أي : السّعوديّة ) لابدّ أن تدفع فلولاهم ما كانت سعوديّة ، كما ألغى (ترامب ) سابقا وجود العراق مؤكّدا ضرورة أخذه لنفط العراق و عبر الأمم المتحدة و قوات اليونيفل و كلّ مسمياته لم يكبت مشاعره تجاه الكويت التي صرّح أيضا أنّها لا تستحق النّفط ؛ فكلّ حكّام الخليج عالة عليهم ولابدّ من دفعهم فواتير الإقامة في هذه المستعمرات ، و لا بأس من ضمّ بقيّة عيون النّفط في المنطقة إليهم ، و لهذا امتدت اليد السّعو إماراتيّة القذرة لجنوب اليمن و مأرب و كلّ اليمن لخنق اليمن على كلّ المستويات و من كلّ الاتجاهات لتعلن اليمن استسلامها و تسليمها لهم فيحصلون على بقية آبار النّفط عبر تحالف أكثر من عشرين دولة عدوانيّة ، في حين بقيت اليمن هي العصيّة عليهم بسبب رفض الخضوع للمحتلّين من قبل ومن بعد فقبلا رفض الإمام يحيى وابنه أحمد تسليم الحديدة ( قلب اليمن النّابض ) لبريطانيا ؛ و لهذا تم اغتياله ثم كان إبراهيم الحمدي رئيسا لليمن و هو الذي يحمل أيضا فكرا حرّا استقلاليّا ولم تسطع تلك الامبراطوريات من ليّ ذراعه و كسر جناحه لتسليم وطنه فتمّ اغتياله عبر عملائها الذين كانوا موعودين بالحكم لو تخلصوا منه و من يشبهه حرية ؛ فكان عفّاش و شركاه من بني الأحمر بفكرهم الوهابي السعودي التكفيري يحاول إركاع اليمن و تسليم الحديدة ، و لكنّهم وجدوا ردعا و قبضة من حديد تمثّلت في رجال القبائل و الجيش و الّلجان الشّعبيّة بقيادة السّيّد القائد / عبدالملك بدر الدّين الحوثي ، و إلى هنا فقد أخطأت بريطانيا و تحالف العدوان تكتيكاتها حيث لم يكن في الحسبان أنّ يصمد الأحرار في اليمن بصدارة حركة أنصار اللّه و قائدها الهمام الذي أحال أحلام المستعمرين كابوسا فيهم ؛ فقد صمد و رجاله بالجيش و اللجان الشّعبيّة و القبائل على مدار الأربعة أعوام رغم شراسة و ضراوة و ظلاميّة العدوان فقد عضّ رجال اللّه على ما تحت قيادتهم بالنّواجذ ، و انتصروا عسكريّا ميدانيّا و سياسيّا على تحالف ظالم لا مبرّر له سوى احتلال اليمن ، و رغم الهزيمة النّكراء الذي تلّقاها العدوان إلّا أنّه ورأسه بريطانيا و ابنتها الكبرى يريد أن تستمرّ حكاية تغرق اليمنييّن في بحر دمائهم الزّكيّة عقابا و انتقاما من صمودهم ،حيث و هي لم تخسر من رجالها إلّا ما تضطرّ إليه بينما تقدّم مرتزقتها من يمنييّن و جنجويد و تكفيرييّن و مصرييّن و سعودييّن و إماراتييّن دروعا بشريّة في معركة محسوم أمرها و لكن أنّى لأحمق أن يفهم؟!
و هي الآن تحاول أن تلعب لعبة أمميّة جديدة لاحتلال اليمن عبر ساحل الحديدة الذهبي فتستصدر قرارا أمميا يوافق عليه خراف مجلس الأمن لنشر خمسة وسبعين مراقبا منهم باسم الضبط و التّحري و الإشراف و غيرها من مسمّياتهم التي باتت مكشوفة .
نعم : بريطانيا عجزت عن دخول اليمن من بوابة الشّمال عبر السّاحل الذهبي الغربي حين وجدت حصنا من الرّجال الذين يقاتلون عن عقيدة و أرض و عرض ، و قد أعدّوا ما استطاعوا من قوّة و طوّروها و ساعدهم الظّرف الاضطراري فعادوا وما صنعوه رقما صعبا يصعب تجاوزهم ميدانيا لتلجأ بريطانيا لرومانسيتها و عزف الموسيقى الهادئة قرارات أمميّة لتتراقص ثعابينها الجدد حين فشلت ثعابينها القديمة من مرتزقة و عملاء أن يحققوا لها حلم العمر ، و قد موّلت و ابنتها الكبرى ( أمريكا ) و علّمت و أرضعت فكرها لهم دون جدوى فما عاد من بدّ من إدخال قوات مباشرة منهم لساحة المعركة و هو الرّهان الأخير الذي بعده إيذانا بحرب قد تكون هي الأشرس من نوعها، و هي بكلّ تحرّكاتها المكشوفة تظنّ أن الرّجال سيصغون لمعزوفتها القذرة و يسلّمون لها و ينشرون مراقبيها أو بالأصح محتلّيها و جنودها لحماية الحاخام ( باتريك كاميرت )الذي كان سيُغتال من مجهولين فأدركه الحظّ ، و نجا من رصاصات العبثيين، و من شدّة هلعه كان استصدار قرارا من مجلس الأمن بريطانيّا يؤكّد ضلوعها في كلّ تدمير لليمن التي يراد لها أن تكون بوسنة و هرسك القرن الواحد و العشرين فقبل عقود من الزمن كان ( باتريك) هو من أشرف و راقب قتل رجال البوسنة والهرسك و اغتصاب نسائهم عيانا بيانا جهارا نهارا ، و كما كانت تلك مهمته آنذاك فمهمته كذلك اليوم و هي : أن ينام ثمّ يصحو ليضرب بعصاه و يهشّ بها على غنمه .