طبيعة الأزمة والاحتجاجات في السودان وتداعيات سيناريوهاتها المحتملة على اليمن
عمران نت/ 6 / يناير 2019م
أنس القاضي
يعودُ تأريخُ النظام الإخواني في السودان إلى انقلابِهِ على الديمقراطية الذي بدأ في 1983م بما عُرف بقوانين “الشريعة” والانقلاب على تكتل “الاتّحاد الاشتراكي” الذي كان الإخوان المسلمون أحدَ مكوناته. واستكمل الانقلاب نفاذَه في 1989م، من يومها أخذ النظامُ السوداني في تغليف ممارساته (النهب والفساد، والاستبداد والحرب) باسم الشريعة الإسْلَامية. وطوال هذه الفترة من حُكم الإخوان المسلمين في السودان فقدَ نظامُ البشير قدرتَه على تجديد ذاته بالأدوات والأساليب التي تمرس عليها. وهي الطبيعة الدموية، التي وصلت إلى الإبادة الجماعية والتمردات والحروب الأهلية، اللامبالاة الوطنية والأسلمة الإخوانية التي غذّت الحربَ مع المسيحيين وأدَّت إلى انفصال جنوب البلاد، واللصوصية المنظمة التي أدت إلى الإفقار والتدهور الاقتصادي الشامل، كما أن هذا النظامَ ظل يتقلبُ بين الولاءات بين الشرق والغرب، ومحور المقاومة ومحور “الاعتدال”، وبالتالي فقد القدرةَ على الثبات السياسيّ في المنطقة، وبات عاجزاً عن تجديد مشروعية بقائه المستقبلية عبر الاستناد إلى طرف إقليمي.
في نهايةِ العام الماضي، ومع ارتفاع سعر الخبر من جنيه إلى ثلاثة جنيهات وغيره من المواد الاستهلاكية الأساسية وضعف السيولة النقدية وارتفاع التضخم بنسبة 70 % وتضاعف سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني (من 6 – 54 جنيهاً)، وإحجام المصارف عن سحب المواطنين لأموالهم؛ بسببِ انعدام السيولة النقدية، خرج الطلاب في 19 ديسمبر 2018م، في مظاهرات عمت سائر البلاد. وتطورت من المطلب الاقتصادي، إلى المطلب السياسيّ المتمثل بتنحيه البشير وإسقاط نظامه.
طبيعة الأزمة
رفعُ أسعار الخُبز والسلع الغذائية هو المحفزُ للخروج الجماهيري، إلا أن طبيعةَ الأزمة هي أعمق من ذلك وهي الدافعُ الفعلي للاحتجاجات، وبالقصور الذاتي لا يستطيعُ نظامُ البشير تجاوُزَها دونَ تغيير البُنْيَة الحاكمة ذاتها التي تنتجُ الإفقارَ والظلم الاجتماعيين، حيث بات النظامُ جزءًا من المُشكلة ومُعيقاً للتغيير، ونظام البشير من حيث شكل هيمنته الاقتصادية الاجتماعية السياسيّة أقربُ إلى تحالف المؤتمر والإخوان في اليمن.
تقييمُ الخروج الجماهيري
منذُ العام 2011م هناك دعواتٌ للخروج ضد النظام أكثرُها من ناشطين في الخارج، وطلاب وشباب في الداخل، الذين كانوا يتعرضون للاعتقال والقمع بعد كُـلّ نشاط، إلا أن الخروجَ الجماهيريَّ الحالي يختلفُ عن سابقاته في أنه جاء عفوياً من الشباب والطلاب، ولم تدعمْه الأحزابُ في بداية الأمر لهروبها من تُهمة التحريض.
كما جاء الخروج الجماهيري من الولايات والأطراف الفقيرة، وليس من العاصمة، ودون توجيه وتنظيم سياسيّ مركزي. وقد تتفجّرُ الاحتجاجاتُ في مناطقَ كانت تُعد معاقلاً للحزب الحاكم، منها ولاية النيل التي تعتبر مدينتها “عطبره” مسقط رأس البشير، وتنحدر منها القيادات الحسّاسة في مناصب الدولة، وكذلك الولاية الشمالية التي ينحدرُ منها قادةُ الأجهزة العسكريّة والأمنية لنظام البشير.
وجديرٌ بالذكر أن “عضويةَ الحركة الإسْلَامية (الطلابية)” الذين كانوا يقفون أمامَ المتظاهرين في المراحل السابقة ويفوق تدخُلُّهم قوةَ أجهزة الأمن، لم يقفوا في وجههم هذه المرة. ولوحظ هناك تعاطُفٌ من القوات المسلحة مع المتظاهرين تجلى في حمايتهم في بعض مناطق البلاد.
المواقفُ السياسيّة للقوى المعارضة الداخلية
تتفق كافةُ القوى السياسيّة السودانية على أن الخروجَ من الأزمة، هو عبر تنحية البشير، وقيام مجلس تشريعي جديد، وحكومة انتقالية ذات كفاءة، تستمر أربع سنوات. وشدّدت الرؤية على ذهاب سلطة الحزب الواحد، بسط الحريات العامة واستعادة الديمقراطية واستقلال القضاء وسيادة القانون.
“تجمع المهنيين” (أكبر منظمة نقابية عمالية وظيفية في البلاد)، دعا إلى إسقاط النظام. من جهتها الجبهة الوطنية للتغيير المشكلة من 22 حزباً سياسيّاً، التي تمتلكُ في مجموعها أغلبيةً في البرلمان، حدّدت موقفَها مع تنحية البشير وتشكيل حكومة انتقالية. وجديرٌ بالذكر أن “الجبهة الوطنية للتغيير”، في البُعد الخارجي، تدعو إلى قيام نظام جديد ينفتح على العالم ويقيم علاقات خارجية متوازنة وفق المصالح المتبادلة. وفي هذا المطلب تلميحٌ إلى رفض دخول نظم البشير في العدوان على اليمن والتبعية لدول الخليج.
الحزبُ الشيوعي السوداني، في بيان رسمي أدان بشكل واضح دخولَ النظام السوداني في محاورَ عسكريّة معادية منها قوات الأفركوم (القوات الأمريكية الأفريقية) وتحويل السودان إلى دولة تابعة للإمبريالية، ومركزٍ للاستخبارات الأمريكية.
حزبا “الأمة” بزعامة نائب رئيس الوزراء السابق، وحزب “الإصلاح الآن” بزعامة المساعد السابق للبشير، انسحبا من حكومة البشير، ويتفقون مع مطالب المُعارضة. وحزب الأُمَّـة عاد زعيمُه الصادق المهدي، وهو متوافقٌ مع المعارضة في مسألة تشكيل حكومة وطنية انتقالية، ودعا جماهيرَه للمشاركة في المظاهرات، ولم يحدّدْ موفقَه من مسألة إسقاط النظام، إلا أنه لمّح إلى أن هذا النظام مصيرُه مصيرُ الأنظمة الدكتاتورية السابقة.
المواقفُ الدولية
قطر تتضامن مع نظام البشير، على لسان الأمير تميم. وكذلك البحرين تضامنت مع السودان على لسان وزير خارجيتها..، من جهتها دولة الكويت دعت رعاياها لمغادرة السودان، وعبّرت عن استعدادها لدعم السودان مالياً لتجاوز الأزمة. أما السعوديّة فقد دعت رعاياها لمغادرة السودان ونصحتهم بعدم السفر إلى السودان. كما أعربت سفارة بريطانيا في السودان عن: “قلق مجموعة الترويكا، بريطانيا والنرويج والولايات المتحدة، بالإضافة إلى كندا إزاء أعمال العنف التي حدثت، مع وجود تقارير موثقة تثبت استخدام حكومة السودان للذخيرة الحيّة وسقوط حالات قتلى عديدة”. أما الأمم المتحدة فقد دعت إلى تحقيق في سقوط القتلى.
وعلى مستوى جماعات الإخوان، نائبُ رئيس هادي علي محسن الأحمر، خلال لقائه سفير السودان لدى حكومة هادي العميلة، أشاد بالعلاقات اليمنية السودانية وتضحيات الجنود السودانيين (المرتزِقة) في اليمن، وابن الزنداني حذّر من “الفتنة” في السودان.
السيناريوهات وآثارُها على النزاع في اليمن
أولاً: سقوط النظام:
يُبنى هذا السيناريو على تعقد الأزمة، التي هي أزمةُ جود النظام الاستبدادي ذاته وممارساته (دكتاتورية، حروب، إفقار)، ووحدة قوى المعارضة جماهيرياً وفي أوساط مجلس النواب، وتعاطف الجيش الذي بدأ وكأنه يضع مسافة بينه وبين قائده الأعلى المشير عمر البشير الذي يهتف المتظاهرون بسقوطه، وكذلك عمق الأزمة الاقتصادية والفساد القائم في مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذي يجعل السلطة ومؤسساتها عاجزةً عن معاجلة الأزمة والاستفادة من المنح والمساعدات المالية.
وفي حالة سقوط النظام، فإن السُّلطة الجديدة وفق مواقفها المُعلَنة من السياسة الخارجية، سوف تعملُ على سحب القوات السودانية من اليمن، خَاصَّـة بأن كتلةً كبيرةً من قوى المعارضة حزب الأُمَّـة والشيوعي والتجمع المهني ترفض سياسة نظام البشير في الدخول بأحلاف عسكريّة عدوانية.
ثانياً: بقاء النظام
هذا السيناريو يقومُ على نجاح الفعل الخارجي الخليجي الأمريكي الداعم لبقاء البشير، مالياً في وقف تدهور العُملة، وسياسيّاً في الاعتراف بشرعيته وعدم التنازل عنها (لأن السودان مهمة لأمريكا وإسرائيل في ساحل البحر الأحمر)، وتظافر هذا العامل الخارجي مع مساندة الجيش للبشير، على اعتبار فهم تعاطف الجيش حالياً كخُطوة لتهدئة المواطنين الغاضبين، خصوصاً أنه لم يصدر من القيادات العسكريّة أيُّ بيان رسمي يفيدُ بأنها لم تعد ملتزمةً بقرارات البشير. وفي حالة نجاح هذا السيناريو، وبقاء الفوضى دون نجاح المعارضة في إسقاط النظام سلمياً، فإنَّ هذا الأمر لن يدفع البشير إلى سحب قواته من اليمن.
ثالثاً: اشتعال حرب أهلية
هذا السيناريو قائمٌ على أساس تعنُّت النظام، واستمرار الفوضى وتحوُّلها إلى صدام عسكريّ مع وقوع انشقاقات في الجيش وتدخل حركة تحرير السودان والقوات المتمردة في دارفور وغيرها، وفي حالة تطبق هذا السيناريو، فسياسيّاً لن يغير البشير من موقفه من العدوان على اليمن، إلا أنه من المرجح أن يسحبُ قواته من اليمن تحت إلحاح حاجته العسكريّة الداخلية في مواجهة المعارضة.
رابعاً: إقامة حكومة محاصصة بين النظام والمعارضة
تقوم هذه الفرضية على توصُّل النظام والمعارضة وسط أزمة الفوضى إلى توافقات لإقامة حكومة محاصصة، وبقاء الدعم السياسيّ الخليجي والأمريكي للبشير، وفي هذه الحالة فمسألة الانسحاب من اليمن سوف تحدّدُها مكانةُ المعارضة في المحاصصة فإذا ما كانت قويةً وتريدُ أن تغيّرَ من طبيعة سياسة النظام القديمة فسوف تضغطُ للانسحاب من اليمن، وفي حالة قبلت المعارضة بإصلاحات اقتصادية وتوسيع المشاركة ولم تتدخل في السياسة الخارجية فسوف تبقى القوات العسكريّة السودانية في العدوان على اليمن.
السيناريو الخامس
يقومُ هذا السيناريو على أساسِ انحياز البشير إلى محور تركيا قطر إيران روسيا، ودخول هذه الدول في التوسط بينه وبين قوى المعارضة من أجل عمل إصلاحات اقتصادية سياسيّة، وبالتالي سيكون هناك نوع من الضغوط عليه من أجل سحب قواته من اليمن، ولا توجد حتى الآن أية مؤشرات على هذا السيناريو عدا زيارة البشير الأخيرة لدمشق.
* مركز الدراسات السياسيّة والاستراتيجية اليمني