السعودية .. بين الابتزاز الأمريكي وبعبع الشيوعية والشيعية باليمن
عمران نت/ 11 / ديسمبر 2018م
بقلم / صلاح السقلدي
التصريحاتُ الإعلاميةُ الابتزازيةُ التي تواجهُها المملكةُ العربية السعودية هذه الأيام مِــنْ قِبَلِ بعض المسئولين الأمريكيين وبالذات من أعضاء بمجلسَي الشيوخ والنواب -وأكثرهم من الحزب الجمهوري- المقرّب تاريخياً من دوائر الحكم السعودية، وهو بالمناسبة حزب الرئيس ترامب الذي هو الآخر تربطُه بالأسرة الحاكمة بالرياض علاقاتٍ سياسية ومالية وتجارية مميزة سواء بصفته رئيساً للدولة أو كرجل مال وأعمال ومالك لإمبراطورية الواسعة:” مجموعة ترامب” هي تصريحات تحمل ذات الأسلوب وذات المغزى والدلالة التي كنا نسمعها- وما زلنا- من السعودية تجاه اليمن شمالاً وجنوباَ منذ عقود من الزمن وحتى اليوم.. فعلى سبيل المثال قال قبل يومين السيناتور الأمريكي جراهام بلغة متعجرفة تحملُ كُلّ معاني الابتزاز والتبجح الزائف: ((لولا واشنطن لكانت السعودية اليوم تتحدث اللغة الفارسية)).
هذا المنطقُ الأمريكي يتحدَّثُ به السعوديون باليمن دوماً، وَبشكل أكثرَ تكثيفاً منذ بداية هذه الحرب” التي اندلعت باسم عاصفة الحزم السعودية مطلع 2015م، بشكل واضح: (لولا عاصفة الحزم لكانت اليمن سقطت بيد الفرس والروافض).
فالأمريكيون وهم يتحدثون عن البُعبُع الإيراني وعن حمايتهم للسعودية وللخليج كله يدركون أنهم يكذبون، ويدركون أن الخليجيين يعلمون جيداً أن الأمريكان يبالغون بالخطر الإيراني ويستثمرونه ماليا وسياسيا بشكل جشع ويرغمون الخزائن الخليجية على شراء السلاح الأمريكي كلما دعت الحاجة الأمريكية لذلك.. فلو لم يكن النظام الإيراني موجوداً لخلقت واشنطن بعبعا آخر يمكِنها عبره أن تبث الرعب بقلوب الخليجيين ليسهل لها بالتالي امتصاص ثرواتهم وإبقائهم بحاجة للوجود الأمريكي سواء على شكل قواعد عسكرية أو على شكل سوق مزدهر للسلاح الأمريكي لرفد الخزانة الأمريكية بمليارات الدولارات ولحماية أمن دولة إسرائيل التي لولا الأمير محمد بن سلمان على رأس السلطة السعودية لكان وضع إسرائيل بموقف محرج –بحسب ترامب -.. فبعد أن أفِلَ البعبع الشيوعي مطلع تسعينيات القرن الماضي كان أمام أمريكا مهمة البحث عن البديل ليقوم بذات المهمة، ووجدت ضالتها بالخطر الإيراني “المفترض”. وإلّا لماذا لم نرَ أو نسمع عن خطر إيراني على الخليج إبّان حكم الشاة لموالي لواشنطن، والذي كان أكثرَ تطرفاً لقوميته الفارسية من غيره؟؟ ولِمَ لمْ نسمع عن هكذا خطر حين كانت القوات المسلحة الإيراني متوزعة على بعض دول الخليج كسلطنة عمان مثلاً وعلى علاقة حميمة بإسرائيل، وقبل هذا لماذا يكون الخطر الإيراني يتهدّد السعودية والإمارات من اليمن وهما -أي السعودية والإمارات- لا يبعدان عن الأراضي الإيرانية سوى بضعة كيلومترات، بل إن القوات الإيرانية على مرمى حجر في جزر طنب الكبر والصغرى وأبو موسى وهي الجزر التي تقول أبو ظبي أنها ترزح تحت الاحتلال الإيراني، ومع ذلك أتت القوات الإماراتية لتحرير مدينة الحُديدة اليمنية من اليمنيين؟!!. ثم لماذا لم نسمع خطراً إيرانياً على السعودية قادماً من العراق، وهو البلد الذي يتواجد فيه فعلاً الحرس الثوري الإيراني وكل أشكال الوجود الإيراني هناك؟؟. عجبي..!
تماماً كما كانت السعودية تثير الهلع لدى النظام الحاكم في صنعاء حتى عام الوحدة 1990م، من وهم الخطر الشيوعي القادم من الجنوب، وتفعل صنعاء الشيء ذاته تجاه الرياض، -استغفال واستغفال مضاد- وهو الوهم الذي سوّقته السعودية برغبة أمريكية في سياق صراع قطبي العالم حينها:” أمريكا والاتّحاد السوفييتي” ورغبة موازية للمؤسسة الدينية الحاكمة في الرياض ”الفكر الوهابي“، ضد الحكم اليساري بعدن، تماماً كما تفعل اليوم المملكة وهي تنفذ أغراضها التوسعية باليمن شمالاً وجنوباً تحت اسم محاربة الخطر الشيعي الشمالي على الجنوب.. فبالأمس كان الخطر الشيوعي الجنوبي يحدق بالشمال، وحشدت له كُلّ طاقات الشمال، واليوم الخطر الشيعي الشمالي يحدق بالجنوب وتحشد له كُلّ طاقات الجنوب المادية والبشرية بقضه وقضيضه، يساعدها في ذلك حالة الشرود والتوهان وضحالة العقل السياسي الجنوبي، وتهالك النخب الجنوبية على موائد الخليج العامرة.. عجبي!.
كما أن أنظمة الحكم بصنعاء التي أتت بعد الاطاحة بالنظام الجمهورية الحقيقي وبالرئيس عبدالله السلال مطلع تشرين ثاني 1967م، وبالذات حُكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان أكثر دهاء ومكراً من السعودية حين فطن لمحاولة الاستغفال التي ظلت الرياض تمارسها على اليمن الشمالي، حيث استغل صالح هذا الاعتقاد السعودي أو بالأصح هذه الفوبيا السعودية المصطنعة تجاه الشيوعية الجنوبية، لحلب البقرة السعودية وامتصاص برتقالتها- تماماً كما يفعل اليوم ترامب -.
يتذكر كاتب هذه السطور مقابلة تلفزيونية لصالح أجراها معه المذيع العربي المعروف” سامي حدّاد” نهاية التسعينيات -بإحدى الفضائيات- قال فيها صالح من جملة ما قاله إن الرياض أغاثته أثناء حرب الشمال والجنوب عام 79م بــ350 مليون دولار، حين أقنعها -بحسب كلام صالح- أن سقوط صنعاء بيد الشيوعيين سيعني بالضرورة سقوط الرياض تلقائياً بأيديهم.