“الناتو العربي” ذراع عسكري لإتمام مؤامرة صفقة القرن
عمران نت/ 19 / نوفمبر 2018م
أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قبل عدة أشهر عن موافقته على إتمام صفقته المشؤومة المسماة بـ”صفقة القرن”، وكخطوة أولى لإجراء هذه الصفقة، قام “ترامب” بنقل سفارة بلاده من مدينة “تل أبيب” إلى مدينة “القدس”، وبعد ذلك أعلن هذا الرئيس المتهوّر عن نيّة واشنطن بتشكيل تحالف عسكري مع ثماني دول عربية ووفقاً لعدد من التقارير التي تم تداولها مؤخراً، فمن المقرر أن تقوم الحكومة الأمريكية بالتواصل مع المسؤولين في كل من السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، وقطر، وعمان، ومصر، والأردن لإجراء المحادثات الضرورية في شهر يناير المقبل لتشكيل هذا التحالف العسكري وإطلاق ما يسمى بـ”الناتو العربي”.
بطبيعة الحال، إن ذريعة الأمريكيين لتشكيل مثل هذا التحالف، هي الحد من توسّع النفوذ والتدخل الإيراني في الدول العربية على حسب تعبيرهم، حيث يرى العديد من المسؤولين الأمريكيين بأن إيران استطاعت التوغل في لبنان من خلال “حزب الله”، وفي اليمن عن طريق جماعة “أنصار الله”، وفي فلسطين من خلال حركة “حماس”، وفي العراق وسوريا عن طريق قوات “الحشد الشعبي”، ولفت أولئك المسؤولون إلى أن هذا التدخل يشكّل تهديداً لباقي الدول العربية على حسب تعبيرهم!، ووفقاً لتلك المصادر الإخبارية، فقد تم عقد محادثات أولية لإطلاق هذا الناتو، حيث عُقدت قمة سرية قبل عدة أيام في العاصمة البحرينية “المنامة” للتشاور حول القضايا الأمنية، وحضر هذه الاجتماعات السرية ممثلون عن الكيان الصهيوني وممثلون عن بعض الدول العربية.
وبغض النظر عن بعض التكهنات حول أهداف تشكيل هذا الناتو العربي، والتي تشير إلى أن الهدف من تشكيله، سيصبّ في نهاية المطاف في مصلحة الاقتصاد الأمريكي الذي سيقوم ببيع الكثير من الأسلحة تحت ذريعة تقوية هذا التحالف، كما أن التكهنات تشير إلى أن واشنطن ستتمكن من الضغط على الدول الأوروبية من أجل تخصيص اثنين بالمئة من ناتجها القومي الإجمالي لدعم هذا التحالف، وستتمكن أمريكا في النهاية من فرض سيطرتها الكاملة على جميع الدول العربية.
لا شك في أن مثل هذا التحالف المسمى بالناتو العربي سيصبّ في مصلحة الاقتصاد الأمريكي، ولكن الهدف الأهم لتشكيل مثل هذا التحالف، بالنظر إلى فشل مشروع التخريب الأمريكي في سوريا وزيادة قوة محور المقاومة في المنطقة ووصول قواتها إلى حدود الجولان المحتل، يتمثل في الحفاظ على الكيان الصهيوني وحمايته على حساب الدول العربية التي ستقدّم الكثير من الأموال لتشكيل هذا الناتو ومن هذا المنطلق، يمكن القول هنا بأن الناتو العربي ما هو إلا ذراع عسكرية، الهدف منه إتمام مؤامرة “صفقة القرن” المشؤومة.
إن قبول المزاعم التي تقول بأن إيران تشكّل تهديداً للدول العربية أمر لا يُصدّق وذلك بسبب الحقائق الميدانية التي نراها كل يوم والتي أثبتت أن الكيان الصهيوني والحكومة الأمريكية لم ولن تنفع الدول العربية وإنما على العكس من ذلك أصبحا يشكلان تهديداً لتلك الدول العربية، لكن ما هي هذه الحقائق الميدانية؟ ورداً على هذا السؤال، على المرء أن يطرح سؤالاً آخر، إن أمريكا تزعم بأن إيران تقوم بالتدخل في شؤون العديد من الدول العربية، فمن هو المستفيد ومن هو المتضرر من هذا التدخل إذا فرضنا بأنه صحيح؟
إحدى الحقائق الميدانية، تتمثل في دعم إيران لـ”حزب الله” في لبنان، حيث كان جزء كبير من أراضي الجنوب في هذا البلد حتى عام 2000 تحت احتلال الكيان الصهيوني، وبفضل الدعم المعنوي الذي قدمته طهران لحركة المقاومة التابعة لحزب الله في عامي 2000 و2006، تمكّنت قوات هذه المقاومة من استرجاع الكثير من الأراضي اللبنانية التي كانت قابعة تحت سيطرة الكيان الصهيوني وتمكنت قوات تلك المقاومة اللبنانية من ضم تلك الأراضي إلى الأراضي العربية الأخرى، وأما المجال الثاني للحقائق الميدانية، فهو دعم إيران للشعب الفلسطيني الذي تبلور في دعم المقاومة والذي أسفر عن تحرير قطاع غزة الذي يعدّ جزءاً مهماً من الأراضي العربية وإرجاع الأمل في تحرير باقي الأراضي الفلسطينية الأخرى.
والحقيقة الميدانية الثالثة، تتمثل في دعم إيران للجمهورية العربية السورية ضد الخطط الصهيونية والأمريكية التي كانت تهدف إلى تفكيك هذا البلد، ولقد أدى هذا الدعم إلى القضاء على جماعة “داعش” الإرهابية وتحرير الكثير من الأراضي العربية التي كانت قابعة تحت سيطرة هذه الجماعة وغيرها من الجماعات الإرهابية واستطاع هذا الدعم الذي قدمته طهران أن يمنع انهيار سوريا، والحقيقة الميدانية الرابعة تتمثل في المشهد العراقي، الذي واجه الكثير من التهديدات الإرهابية ولاسيما من تنظيم داعش الإرهابي، حيث قامت بغداد بدعوة طهران لمساعدتها في محاربة تلك الجماعات الإرهابية، وبالفعل تم إنقاذ جميع الأراضي العراقية من السقوط في أيدي الجماعات الإرهابية.
إن الواقع يحكي بأن أمريكا والكيان الصهيوني لم يسعيا فقط إلى تقسيم الأراضي السورية والعراقية، وإنما أيضاً، سعيا إلى تقسيم السعودية إلى أربع دول مستقلة وهذا ما أكده التقرير الصادر عن صحيفة “يني شفق” التركية، ولو لم تقم إيران بهزيمة تلك الخطط في العراق وسوريا، لكان من المؤكد أن يتم في وقتنا الحالي تقسيم السعودية وإدخالها في مستنقع الصراعات الداخلية.
وأما ما يحدث في اليمن، هو أن السعودية والإمارات وقعتا في مستنقع هذا البلد الفقير، وهنا يمكن القول بأن التدخل العسكري لهذين البلدين في اليمن صمّمه وخطط له الكيان الصهيوني وأمريكا وبمشاهدة شعارات مقاتلي “أنصار الله” التي تدعو بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل، فإنه إذا تم تأسيس دولة ذات سيادة كاملة في اليمن، فإن هذا الكيان الصهيوني سيكون بلا شك أكثر عرضة للخطر، لأن مقاتلي “أنصار الله” أبدوا استعدادهم للدخول في حرب مع هذا الكيان الغاصب وتحرير القدس من بين أيديهم ولطالما كان موقف إيران، هو الدعوة للجلوس على طاولة المفاوضات وإجراء الحوار السياسي لتسوية الأزمة والصراع في اليمن.
وهنا، فإن السؤال الأهم، هل سوف تتحقق خطة إنشاء ناتو عربي؟ وردّاً على ذلك، فإنه بالنظر إلى طبيعة الدول العربية غير المتجانسة والصراعات التي تنتشر بداخلها، فإنه من المؤكد أن تفشل تلك الخطة بإنشاء ناتو عربي، ولكن من زاوية أخرى إذا تم تنفيذ مؤامرة “صفقة القرن”، فإنه من المحتمل أن يتم إنشاء ناتو عربي، ولكن هل سيتم تنفيذ مؤامرة “صفقة القرن” بشكل كلي؟.