قضية خاشقجي: لماذا إسرائيل قلقة فعلاً ؟
إلى جانب ذلك، فإن تل أبيب تعي أن تراجع المكانة الإقليمية للنظام السعودي سيقلّص من قدرتها على مواجهة تحديات استراتيجية خطيرة، مثل الوجود الإيراني في سورية ومعضلة “حزب الله” وتحدي المقاومة الفلسطينية. فقد استفادت إسرائيل سياسياً من موقف الرياض الرافض للوجود الإيراني في سورية، وعدائها الصريح لـ”حزب الله”، وتماهي الموقف السعودي والإسرائيلي من حركة “حماس”، ولم يتردد بن سلمان في وصف الحركة بأنها “تمثّل تهديداً للأمن القومي السعودي”.
كذلك، فإن أوساط اليمين الحاكم في تل أبيب أبدت ارتياحاً عميقاً في أعقاب تسريبات حول ضغوط مارسها بن سلمان على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليقبل بخطة التسوية التي أعدتها إدارة ترامب للقضية الفلسطينية، والتي أُطلق عليها “صفقة القرن”، وتضمّنت، من بين أمور أخرى، تنازل الفلسطينيين عن القدس كعاصمة لدولتهم العتيدة والاستعاضة عنها بإحدى البلدات في محيط المدينة. ورأت هذه الأوساط في هذا التطور دليلاً على أنه بالإمكان الاستعانة بالأطراف العربية الإقليمية في فرض تسوية للصراع تضمن مصالح إسرائيل، كما يراها اليمين في تل أبيب.
كما أن إسرائيل ترى في سياسات السعودية الإقليمية إسهاماً غير مباشر في دعم أمنها القومي، لا سيما الدعم غير المحدود الذي تقدّمه الرياض لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي ترى تل أبيب أن ضمان استقراره يُعدّ أهم ركائز البيئة الإقليمية التي تضمن مصالحها الاستراتيجية. في الوقت ذاته، فقد توسع نتنياهو في توظيف تطور الشراكات السرية بين إسرائيل ونظام الحكم السعودي في مواجهة حركة المقاطعة الدولية “BDS”، إذ حرص على التذكير خلال مشاركاته في لقاءات دولية بالتطور الكبير وغير المسبوق على طابع العلاقة بين تل أبيب وعدد من الدول العربية، وكان من الواضح أنه يشير بشكل خاص إلى السعودية. وحاول نتنياهو إيصال رسالة إلى القائمين على “BDS” بأنه “ليس بوسعكم أن تكونوا أكثر حرصاً على الفلسطينيين من الدول العربية، التي تواصل تطوير علاقاتها مع إسرائيل على الرغم من تواصل الاحتلال والاستيطان والتهويد”. من جهة أخرى، فإن صغر عمر بن سلمان مثّل عاملاً آخر أغرى الإسرائيليين بالرهان عليه، على اعتبار أن هذه “الميزة” تحديداً تعني أن وصوله للحكم سيمثّل عامل استقرار، لأنه سيمضي وقتاً طويلاً في الحكم.
وفي الوقت الذي تخشى فيه إسرائيل خسارة هذه المكاسب، فقد لمّحت دوائر مقربة من صنع القرار في تل أبيب، إلى إمكانية الاستنفار لمحاولة مساعدة بن سلمان للخروج من ورطته، عبر توظيف اللوبيات اليهودية العاملة في واشنطن في الضغط على أعضاء الكونغرس للتراجع عن تهديداتهم بالتصعيد ضد الرياض في أعقاب قضية خاشقجي. وبدا عيران ليرمان، الذي عمل نائباً لمستشار الأمن القومي في ديوان نتنياهو، متأكداً من أن اللوبيات اليهودية ستتدخل لصالح بن سلمان، على اعتبار أن ذلك يخدم المصالح الإسرائيلية.
لكن نتائج هذا الاستنفار غير مضمونة، لأن قضية خاشقجي باتت قضية رأي عام رئيسية في الولايات المتحدة، مما يفاقم من صعوبة المهمة التي تنتظر إسرائيل واللوبيات اليهودية المعنية بمساعدة بن سلمان. من هنا، فمن غير المستبعد أن تجد إسرائيل نفسها مطالبة بإعادة النظر في رهاناتها على بن سلمان والتحوط لمواجهة تداعيات قضية خاشقجي السلبية على مصالحها.