المهرة تقرع الأجراس: لا حدود للأطماع السعودية في اليمن !
عمران نت/ 25 سبتمبر 2018م
بقلم / عـبدالله عـلي صبري
تعود المهرة إلى واجهة الأحداث بعد استئناف الحراك الشعبي المناهض للتدخل السعودي في الشؤون الداخلية لبوابة اليمن الشرقية.
المهرة وهي المحافظة اليمنية الوحيدة التي تجاور سلطنة عمان وتشترك معها في شريط حدودي كبير، كانت بمعزل عن الأحداث الأخيرة التي عصفت بأمن واستقرار البلاد، وبرغم مساحتها الكبيرة كثاني أكبر محافظة يمنية بعد حضرموت، إلا أنها ظلت بمأمن من انتشار التنظيمات الإرهابية، ولهذا السبب فإن اللجان الشعبية التي تحركت لمحاربة الإرهاب بعد 21 سبتمبر 2014م، لم تقترب من المهرة، ولهذا السبب أيضاً لم يكن هناك من مبرر لقوى تحالف العدوان لدخولها كما فعلوا في عدن وحضرموت وبقية المحافظات الجنوبية، التي تخضع لاحتلال سعودي_إماراتي منذ نحو ثلاثة أعوام.
غير أن الأطماع الخفية السعودية والإماراتية وقد أميط عنها اللثام في ظل “عاصفة الحزم” ما كانت لتتوقف عند هذا الحد، خاصة أن ما يسمى بالشرعية كانت جاهزة على الدوام للقبول بكل الإملاءات والانتهاكات التي يمارسها تحالف العدوان ضاربا عرض الحائط بسيادة اليمن وكرامة أبنائه، الذين خرج منهم للأسف من يصفق للاحتلال ويغض الطرف عن جرائمه المتوالية بحق الأرض والعرض معاً.
فبعد أن تواجدت الإمارات عسكرياً على نحو محدود في المحافظة، تفاجأ المواطنون هناك باحتشاد عسكري سعودي بدأ منذ الربع الأخير للعام 2017م، ولم يتوقف حتى اللحظة، وإذ بدا الاحتلال العسكري السعودي لهذه المحافظة موجهاً ضد سلطنة عمان، التي تعد المهرة جزءا مهماً من أمنها القومي، فقد بات جليا أن للسعودية أهدافاً بعيدة المدى في المهرة على وجه الخصوص، وأنها تخطط لوضع يدها على المحافظة بغض النظر عن مآلات الحرب العدوانية التي يشنها التحالف السعودي الأمريكي، وأياً كانت نتائج التسوية السياسية والعلاقات اليمنية السعودية مستقبلا؟
فما الذي تريده السعودية من احتلالها للمهرة، وأي أفق ينتظر مطامع السعودية في شرق اليمن والمحافظات الجنوبية، وما سر الصمت المخزي لحكومة هادي- بن دغر، والأطراف والقوى السياسية التي تدور في فلك السعودية وحربها على البلاد؟
ليس جديدا القول أن طرف ما يسمى بالشرعية لم يعد يمتلك شيئاً من القرارات السيادية. والفضائح المخزية بهذا الخصوص تتوالى يوما بعد يوم وآخرها فضيحة طائرات الخطوط الجوية اليمنية التي لا تسمح لها قوات التحالف بالمبيت في مطار عدن الدولي!
هذه الرخاوة الشديدة لرئيس وحكومة يفترض أنها تمثل القيادة السياسية لليمن كما تزعم، يغري السعودية بالمضي قدما في تنفيذ مخططاتها، خاصة وأنها قد ظهرت في كثير من المحطات كسند لحكومة بن دغر في مواجهة النفوذ الإماراتي في جنوب البلاد، حيث تتصرف أبوظبي كسلطة احتلال، تأمر وتنهي في كل التفاصيل. وقد كان الفار هادي في غاية الانشراح حين زار محافظة المهرة الشهر الماضي، ووجد في استقباله السفير السعودي باليمن، ليدشنا معاً مرحلة مهمة من مخطط نفوذ المملكة بالمهرة، بعد احتواء التظاهرات الشعبية، والإيعاز لهادي بتغيير بعض القيادات المحلية التي ناهضت الوجود العسكري للسعودية ومرتزقتها، والإعلان عن بدء مرحلة إعادة الإعمار في محافظة لم تكن مسرحاً للحرب أصلاً!
اتخذت السعودية من دعوى محاربة عمليات تهريب السلاح بين اليمن وسلطنة عمان مدخلا للتواجد العسكري في المهرة، حيث حشدت مطلع العام 2018م، قوة كبيرة انتشرت على مداخل المحافظة وساحلها الكبير، ومنعت حركة الملاحة والصيد في ميناء نشطون، وسيطرت كذلك على مطار الغيظة الدولي وعطلت الرحلات التجارية منه وإليه، ما فأقم من الحصار الذي يفرضه تحالف العدوان على عموم اليمن.
غير أن محاربة التهريب أو الإرهاب ليست إلا شماعة لهذا التدخل الذي لا يقتصر أيضاً على محاصرة النفوذ العماني في المهرة، بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
فبعد أن تقاسمت النفوذ مع الإمارات تسعى السعودية إلى الاستئثار بثروة المهرة، واستثمار موقعها الاستراتيجي ضمن مشاريع المملكة التوسعية، وأبرزها الميناء النفطي الذي تزمع تنفيذه على سواحل المحافظة، وربطه بـ “قناة سلمان” المائية، التي تهدف السعودية من ورائها إلى تصدير نفط دول الخليج العربية، دون الحاجة إلى المرور عبر مضيق هرمز، الذي يقع تحت التهديد الإيراني. ورغم أن مشروع القناة قد يكون باهظ التكلفة، إلا أنه يتفق مع طموحات ولي العهد السعودي في تنفيذ مشاريع كبيرة ذات طبيعة دعائية تخدم رؤية 2030 الاقتصادية، التي تعترضها جملة من التحديات أبرزها الحرب في اليمن وتداعياتها على الاستقرار والاستثمار في المملكة. وقد أظهرت تسريبات إعلامية مراسلات بين شركة للأعمال البحرية والسفير السعودي باليمن، بشأن تنفيذ ميناء لتصدير النفط بالمهرة. وكشفت مجلة انتليجنس الاستخباراتية الفرنسية أن إنشاء ميناء في المهرة لصالح السعودية جاء بأوامر من ولي العهد السعودي، ويمثل فرصة لإعادة العلاقة بينه وبين مجموعة بن لادن التجارية، التي كان قد سجن أحد مسؤوليها مؤخرا.
وبعيداً عن تنفيذ هذا المشروع الطموح من عدمه، فإن الوجود السعودي بالمهرة يعني الحد من النفوذ العماني، ومن تدفق الصادرات العمانية إلى اليمن عبر منفذ شحن، ما يجعل اليمن بتعدادها السكاني الكبير مقارنة بجيرانها سوقاً صرفاً للبضائع السعودية. ثم أن المهرة واعدة بالنفط والغاز وبثروة معدنية يمكن استخراجها عبر شركات دولية لن يكون مسموحا لها بالعمل إلا بموافقة سعودية.
الثروة السمكية هي الأخرى محط الأطماع السعودية، وخاصة أن المهرة تنفرد بإنتاج وتصدير سمك “الشروخ الصخري” الذي يدر أموالاً كبيرة على الصيادين وشركات الاستثمار في هذا المجال. وقد اشتكى آلاف الصيادين في المهرة مؤخرا من مضايقة القوات السعودية لهم، وإن تمكن بعضهم من الاصطياد، فإنهم يعجزون عن بيعها وتصديرها للداخل أو للخارج. ولا يستبعد أن الشركات السعودية تقوم باصطياد وتصدير الأنواع النادرة من الأسماك عرض البحر، كما كان يفعل النافذون اليمنيون في السابق.
أضف إلى ذلك فإن موقع مدينة الغيضة يتوسط المسافة بين عاصمة المحافظة والعاصمة صنعاء، وعواصم الدول المجاورة لليمن في الجزيرة العربية أو القرن الأفريقي، ما يؤهلها لأن تصبح مركزاً تجارياً مهماً على مستوى المنطقة. ولأن أهدافها بعيدة المدى، فإن السعودية تردف وجودها العسكري في المهرة، باستخدام القوة الناعمة أيضاً، من خلال المشاريع الخدمية والاجتماعية وتقديم المساعدات والمعونات، وإقامة المراكز الدينية السلفية، والانفتاح على مشايخ القبائل، واستقطاب الشباب إلى معسكرات التدريب، وغيرها. وفي الأيام الأخيرة ( منتصف سبتمبر 2018م)، قام مدير البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في المهرة ، بزيارة للمحافظة التقى فيها المسؤولين المحليين، وناقش معهم المشاريع المزمع تنفيذها في مختلف المجالات. وتزامن ذلك مع إطلاق حملة أمنية تشرف عليها قوات سعودية ومحلية، الأمر الذي صعد من الاحتجاجات الشعبية مجدداً.
بيد أن انتفاضة أبناء المهرة لن تكون كافية لوحدها، فبالإضافة إلى تواطؤ ما يسمى بالشرعية مع المخططات السعودية، فإن الندرة السكانية لأبناء المهرة – يتراوح عددهم بين مائة ألف ومائة خمسين ألف نسمة- في محافظة مترامية الأطراف، يمنح الأجهزة الأمنية عامل تفوق من شأنه إخماد أي حركة احتجاجية مسلحة.
مستقبل المهرة على المحك، وأطماع السعودية في اليمن بلا حدود. وما لم يتدارك شرفاء اليمن الموقف، ويجتمعوا مجددا على كلمة سواء، فإن الرياض ستمضي في عربدتها إلى ما لا نهاية، ولن تفرق في سبيل تحقيق مصالحها بين عدو أو صديق!!