إنها صنعاء!
عمران نت / 8 يونيو 2018م
بقلم /مصباح الهمداني
تحدث الجريمة في صنعاء، ولا تمر عليها سوى سويعات؛ إلا والجاني في قبضة رجال الأمن الأبطال، وتتكرر الجرائم في عدن وتعز ومأرب بشكل شبه يومي، ولا تسمع إلا أنين الضحايا وبكاء المكلومين!
بالأمس كانت الجريمة التي هزت ضمير صنعاء، والتي قام فيها صاحب دراجة بسلب امرأة بريئة حقيبتها من على كتفها في شارع الجزائر، مما تتسبب في سقوطها على الأرض بقوة، ودخولها المستشفى.
حدثتْ الجريمة البشعة، والتقطت الكاميرات المثبتة صورة الجاني، وتحرك رجال الأمن العظماء، ولم تمر ست ساعات إلا والجاني في قبضة العدالة.
رقم قياسي، في نهار رمضان، لم نكن نحلم به، ولا يمكن تخيله في أرقى الدول العظمى.. وبالتأكيد أننا جميعا نتذكر أيام الفلتان، والتي كنا فيها نمسك بالسارق ونقوده بأيدينا وأرجلنا إلى القسم، ونفاجأ به اليوم الثاني يُهدد ويتوعد من أمسكوا به..
أيام الفلتان كانت السيارة تسرق من صنعاء ويتلقى صاحبها اتصال اليوم الثاني؛ بأنها في مكان آمن وعليه دفع نصف قيمتها نقدًا، ويأتي لاستلامها-وهذا حدث بالنص لوالد صديقي-..أيام الفلتان كان المرور من بعض المحافظات مغامرة جنونية..
صنعاء اليوم ليست صنعاء الأمس..
صنعاء اليوم تغتسل من كل أدران الماضي، جميعنا يتذكر كيف كان يمر الشيخ بموكبه، فيصدم هذا، ويقتل ذاك، ثم يحتمي بكبير الفاسدين، ولا يجد المظلوم إلا كفكفة الدموع، لقد شهدت بنفسي حوادث منها (لطم ضباط المرور في الجولات)(صفع ضباط المطار)(قتل مواطن اصطدم بسيارة شيخ)(حماية عصابات التقطع في ذمار والجوف وعمران)..
كل هذا انتهى، وليس هذا ما انتهى فحسب.. بل إن المسيرة القرآنية أخرجت لنا أجمل وأروع ما في اليمنيين من إيمان وحكمة…
تخيلوا الناس بلا رواتب، ومع ذلك يقدمون الملايين دعمًا للجبهات، ومحافظة ذمار لوحدها في يوم واحد قدمت ثلاثين مليون ريال..تأملوا كيف يستقبلون الشهيد بالترحيب، ثم يعاهدون الله والقائد والشهيد ببذل المزيد.. فكروا قليلاً كيف ارتفع معدل التراحُم والتآخي والتكاتُف في المحافظات الحُرة.
ولهذا قامت الحرب؛ ولأسباب كثيرة لا نستطيع لها حصرًا؛ اجتمعت على اليمن دول العالم الشيطانية، لأنهم لا يريدون بلدًا متكاتفًا، متلاحمًا، مؤمنًا، آمنًا..
يريدوننا مثل عدن وتعز؛ القتلُ فيها يوميًا للخطباء والدكاترة والمواطنين، وحوادث يشيب لها الولدان للأطفال والنساء، وسجون لا تعرف الشمس لمن ارتضوا أن يكونوا يومًا ما عبيدًا للغزاة، ومجاري طافحة في كل مكان..
ولن تجد قافلة واحدة تتحرك للجبهات، ولن تجد حتى تشييع للقتلى بشكلٍ لائق..
قامت الحرب؛ لأنهم لا يريدون أن يكون بيننا رجلٌ حر مثل الشهيد الصماد، ولا رجلٌ شجاع مثل الرئيس المشاط، ولا رجلُ قيادي محنك مثل أبا أحمد، ولا قائد عسكري فذ مثل أبو علي، ولا إعلامي سياسي مخلص مثل حسين العزي، ولا مفاوضٌ شريف محنك مثل محمد عبد السلام..
يريدون منا أن نغرق في الفوضى، أن يكون رئيسنا ملطمة ولا يتجرأ أن يشتكي، أن يكون بيننا قائد عسكري يلبس الشرشف ويخرج سفير المملكة يقول عنه (أخرجته وقلت عنه زوجة السفير) ولا يجرؤ حتى أن يُصدر بيان استنكار لكشف ما ستر الله..
يريدون وزير إعلام يتغزل في مشية محمد سلمان..
يريدون مشائخ تخلع جنابيها ولباسها الوطني الأصيل في حضرة ضابط أو شيخ سعودي أو إماراتي..
يريدون منا أن لا نزرع ولا نستخرج النفط ولا نصنع بل نظل أعمارنا وأعمار أحفادنا إما
(عُمال في بلادهم أو شحاتين على أبوابهم)وتم إضافة صنفٌ ثالث وهو (أو مرتزقة بالأجر اليومي لحماية مملكة الأسرة النجسة)..
المسيرة القرآنية قلبت الطاولة وأخرجت لنا مشائخ القبائل في أروع صورة، وأرقى موقف، وأكمل مبدأ..
أخرجت لنا شعبًا أبيًا حُرًا شامخًا برغم ظروف الحرب وقلة ذات اليد والحصار المطبق..
أخرجت لنا أمة تفخرُ بالكرامة والشموخ..
أخرجت لنا أبطال لم يحلم التاريخ بطوله وعرضه بمثلهم..
أخرجتْ عظماء من كل المحافظات؛ ما كنا سنعرفهم لولا الشدائد والتربية القرآنية..
صنعاء كنموذج واضح لمعاني الكرامة والعزة والإباء، كصورة ناصعة لتاريخ اليمن الأصيل الضارب في جذور التاريخ منذ سبعة آلاف سنة والنابتة جذوره من مدرسة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم منذ قال:الإيمان يمان والحكمة يمانية..
ومنذ جاء الإمام علي عليه السلام ليملأ قلوب وأفئدة أبناء اليمن بمعاني الرسالة السامية، ثم يعود ليقول:ولوكنت بوابًا على باب جنة..لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلام..
صنعاء اليوم برجالها الأمنيين المخلصين، بقادتها العظماء الشرفاء، بأبنائها الكرماء؛
تستقبل المبعوث الدولي فيما يرفض النزول إلى عدن أو تعز أو مأرب..
وصنعاء تحتضن نصف أبناء تعز وحتى عائلات قادة (المقاولة)..
وصنعاء تحملُ بكبرياء وسعة صدر عائلات وتجارة ومحلات وبيوت وعقارات؛
علي محسن والآنسي واليدومي والمخلافي والقباطي والأحمر والبخيتي والثمن والزنداني…الخ..
صنعاء تعرفُ كل شيء، وتعرفُ من يسكنها، ومن يأتيها زائرًا ظاهرًا أو متخفيًا، لكنها بيد الرجال المؤمنين، ولا يخرجُ سيفها من غمده إلا حينَ يعبثُ العابثون بأمنها أو سكينة القاطنين فيها..
تم القبض على الجاني وليد سلامة، ونطالب الأجهزة الأمنية والقضائية؛ بسرعة اتخاذ الإجراءات الصارمة، وجعل وليد ومن تربى تربية وليد عبرة لمن لا يعتبر، وخاصة ووليد ليس فقير، والدراجة جديدة في (قراطيسها)…
تحية بحجم الأرض والسماء، بحجم السهول والجبال، بحجم الماء والهواء؛ لقائد الثورة ولرئيس الجمهورية ولرجال الأمن البواسل، ولأبطال الجيش واللجان، ولهذا الشعب الكريم المعطاء.