“عودة مُجاهد”
عمران نت/ 25 مايو 2018م
بقلم / سكينه المناري
لقد مضى عليه أياما طويله منذ ذهابه إلى الجبهه ؛ لم يعُد للمزواره وأهلهُ ينتظرون رجُوعه ؛ يُبدو أن شيئاً قد أنساه هذه الدنيا بكلها وقد اشتد تعلّقه باللّه وبالجِهاد في سَبيله ..
بين رائحة البارود وذرات الغبار المتناثر أحس ب الطمأنينه والرضا والسكينه ؛وبين حِلْكة المتارس وصفرة الرمال كانت عيني ترى لونا يزهو في السماء ؛ كانت بنا لهفه إذ نخوض المواقع لنصرة دين الله ؛ وكان الحنين يُعاودني بين الفينةِ والأخرى للحاق بأولئك الذين ينعمون بدار الخلد والنعيم ؛ كان الحنين يخبوا بين جوانحي برهه ثم يتأجج ويشعله دوي المدافع وزئير المعركه ؛ فإذا ما هدأ الدوي وخفْ الزئير استيقظ الشوق للشهاده ..
_سمحت ظروف الحرب بإجازه قصيره أتيت إليكم ؛ كانت المرة الأولى التي أعود فيها وكانت العوده إلى البيت كأنّها غربه ؛ مضى يوم ثم يومان وأنا أحس نفسي غريباً بينكم ثم يتبدّل الحال فإذا بي قد أصبحت وأنا غريباً بينكم؛
لقد بدأ العدو يزحف وبدأ هجومه الغادر يتسلل إلى خطوطنا وحاولو قطع المدد واستعرت نيران المعركة ؛ كيف يغمضْ لي جفن أو يهدأ لي بال وأنا بعيداً عن المجاهدين وهم يقاتلون في الميدان ..لم أنساكم لكن المجاهد في سبيل الله يجب عليه أن ينسى زينة هذه الدنيا ولهوها !! لقد نسيت أضواءكم وضجيجكم ونسيت شوقي إليكم يا أهلي وحنيني بكم وإن كان قولي يألمكم ؛ لأن حب الله أنساني كل شي ؛ وبتُ أتوق إلى القتالِ في سبيل الله ؛ بي رغبةً جارفه في أن أُشَارك رفاقي إستبسالهم وتنكيلهم في الهجوم وصلابتهم في الدفاع ؛ فأهلي هناك في حومة الوغى مزمجرين كالأسود أو ثابتين كالفهود
أيَا رِفَقاي الَأعِزاء..إني قادم إليكم !!
وهكذا مرةً أُخرى عاد بي طقم المجاهدين وبي أشد عزيمةٍ وإراده ؛ كنت أريد أن أستبق الزمن كنت أريد أن أصل إليهم واتخذ مكاني بينهم مدافعاً مقاتلاً وسار الطقم يحملنا وانا أستحث السائق لكي نصل في أقصر وقت ؛ وأسرع السائق جهده ولكن مع ذلك لم نصل
لقد أبى علينا إلا أن نقف في منتصف الطريق بعد أن علِمنا أنّ الطريق إلى الموقع قد قطع _ كانت الروح المعنويه للمجاهدين هُناك في الذروه حتى لقد أحسست بالدمعْ يترقرق في عيني تأثراً بعزمهم الإيماني وثقتِهم باللّه والإحتفاظ بمواقعهم سليمه رغم توالي الهجمات عليهم ؛ وكرهت نفسي أن أبقى بعيداً عنهم وأن تحرمني الظروف من مشاركة جنود الله في خوض غمار معاركهم .. وفي كل يوم يقوي العزم ويشتد الإيمان أنتظر العوده إلى مركز الأبطال ومأوى الصناديد ؛ كنت كالضآل المنفي عن محرابه المقدس محراب الجهاد ولم يكن هناك من وسيله للعوده ؛؛ حتى دعت الحاجه ذات يوم اتصالنا مباشرة واستقر رأي القياده على أن يقوم بهذه المهمه مجاهدان يخترقان نطاق الحصار ويصلان إلى المجاهدين؛ ولم تكن بالمهمه السهله بل خطيره ؛ وسئل مشرف الأفراد من بتطوع للقيام بها ؟
فتطوعو جميعا ، ورأى القائد ذلك العزم في أفراده وذلك الإقدام والشجاعه فقرر أن يقوم بالمهمه من هو الأقدر والمستعد أن يبذل روحه ولم يكمل حديثه ، فوقفت وأشرت ، أنا سأذهب لا أطيق أن أحرم من الذهاب ؛ لقد كان يجب أن أكونِ معهم لولا تلك الإجازه المنحوسه التي أبعدتني عنهم ؛ فذهابي إليهم لن يكون سوى عودة غريب إلى ذويه ؛وحقق لي ما أريد
_سكونٌ سائِد وصمتٌ عميق وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ؛ وسماء ترتجف فيها النجوم وصحراء امتدت فيها الربى وبدا كل ما فيها قفراً في قفر لا تسمع فيها لا غيه ؛ ولايسري فيها من علامات الحياه أشباح تطوى گانها الذئاب
_كنت ورفيقي قد تسللنا المعسكر تحت ستر الظلام مطرقين تتبعنا دابّتان تحملان المدد والمؤن وتطرقان الحصى بجوارها _ كنت فرحاً بالعوده ولكنها فرحه كبتها الخطر المجهول الذي يكمن وراء كل ربوه ؛؛ طال بنا السير وبدأ الصقيع ينفذ إلى عظامنا كان في كل عشب كمين فما إن نجتاز هذا العشب انفجر الكمين كانت عناية الله ترعانا …
وكنا نسمع في الافق المظلم صوتاً ً لم نفهمه فجأه مزّق الظلام رصاصه أزّت وأعقبتها صيحه أتت متسائله من قمه على بعد …
ثم أعقبها وابل رصاص تناثر من حولنا .. أخذنا نزحف حتى وصلنا إلى تبّه قريبه أخفينا الدابتين وراءها وأخذنا نطلق النيران من وراء حافتيها واستمرينا في الدفاع ثم سمعنا صرخه صوت حملتها الريح إلينا خافته وسكت أحد المدافع التي كانت تصلينا بنيرانها . ولم تمض فتره قصيره حتى سقطت قذيفه على مقربه منّا أصابت رفيقي شظيه غاصت في فخذه.. طرحت بندقيتي واتجهت اليه ،ً أخذت الشال الذي على رأسه وقمت برط على الجرج لكي يتوقف نزيف الجرح
لا بد أن اصل بالمدد والمؤن إلى المجاهدين فلا سبيل الا أن أسحب
جسد رفيقي فوضعته على ظهر إحدى الدواب وبدأت السير في حذر حتى ابتعدت عن المنطقه الذي حدث فيها القتال ؛ وهكذا عاودت السير ورفيقي ملقى على ظهر الدآبه فاقداً الوعي حتى وصلت أخيراً إلى موقعنا ، وصلت وحدي فلم يبقى من رفيقي الا جسداً وقد فارقت روحه الحياه؛ نزلت بين المجاهدين أوسّد جسد شهيدي الثرى ورأيت وجهه يشع نوراً وضياء ..لقد أستشهد
هنيئاً لك يارفيقي أعدك أني سآخذ بثأرك وأسال الله أن يلحقني بك
لم أكد أروي لهم قصة إستشهاد رفيقي حتى سمعنا دوياً شديداً وانهال على موقعنا سيل من قذائف الهاون ؛؛ إن العدو لا شك قد نوى الهجوم وهو يمهّد له بقذائف
وكان أول ما صدر الأمر من مشرف الرتل أن أعطانا الأوامر لا يطلق أحدنا طلقة واحده مهما اقترب العدو حتى يأمرنا بذلك ؛ ثم بدأنا نرقب وننتظر ، أخذ العدو يقترب وجنوده يتسللون ، وجنود الله في مواقعهم لا تبدو عنهم أقل حركه وعم الهدؤ كأنها خاويه على عروشها حتى خيل لي أني أكاد أسمع صوت أنفاسهم ، وظهرت دبابات العدو تتبعها موجات من المشاه وأخذوا في الإقتراب ونحن ثابتون نردد التسابيح ونتلي آيات الذكر في صمت
وأخيراً أضحت المسافه بيننا وقد تعرض لنا العدو وهو يحاول الإلتفاف حولنا ؛؛وهنا أُصدر الأمر ،.بالهجوم و انطلقت النيران منهاله كالغيث يحصد العدو حصداً ولم يكن جنود الله بحاجه إلى تصويب فقد كانت أجساد العدو أمامهم لا يمكن أن تخطئها الطلقات وتساقطت الجثث مكدسه بعضها فوق بعض ، وكانت كل طلقه تلقف مرتزق، وتتراجع الدبابات تنكسر على مواقعنا كما تنكسر موجات البحر على الشاطئ ، ورتدوا على أعقابهم مهزومين بعد أن فرشو الأرض بجثثهم ،،
في الجهه الاخرى كان أبو محمد قد جُرح صديقه الذي بجانبه فحمله على ظهره يبعده عن مكان الخطر ورفيقه الآخر يرمي بدفعه من الرصاص يغطي عنه ، ثم عاد أبو محمد إلى مكانه واخذ يصوب ويحصد المنافقين فمالبث غير دقائق وأتت قذيفه جعلت رأسه يتهاوى ومزقت جسد الآخر
بعد أن فر الأعداء وانتهت المعركه
تعالت أصوات المجاهدين تتعالى بالبراءه وصرخة الحق لكن تلك الاصوات بدت وكأنها ناقصه من أحدهم ،، نظر المشرف إلى المجاهدين ونظر بعضهم بعضا من منهم غاب عنهم ، فوجدو رفيق الشهيد” أبو محمد” غير موجود واثنين ءاخرين ، هرعو للبحث عنهم ، فوجد أبو محمد ومن كانو بجانبه قد طارت أرواحهم إلى خالقها ،،،
،،وأخذ المجاهد “أبو محمد” وسام الشهاده التي عاد إلى محرابه من أجلها
وأحس المجاهدين وهم يواري مثوا الأبطال في مقرهم أنهم لا يدفنو في الارض بل يوضعو في هام السحاب .