ماكنة الإعلام السعودي .. دعوات مباشرة للتطبيع وطمس القضية الفلسطينية
عمران نت/ 18 مايو 2018م
قبل سبعين عاماً، منذ لحظة احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين، لعبت السلطات السعودية دوراً في الصمت المخزي اتجاه نصرة القضية الفلسطينية على الصعيدين الانساني والسياسي. لم تتجرأ الرياض يوماً أن تعلن دعمها للفلسطينيين وقضيتهم بوجه الاحتلال، كما لم تُظهر علاقاتها بشكل علني للكيان الغاصب، وأبقت على دورها وتواصلها تحت غطاء السرية والكتمان. وما بين نكبة العام 1948 ونكبة 2018م، انقلب المشهد رأساً على عقب، وأطلقت الرياض العنان لأبواقها الإعلامية لترسم نكبة جديدة بطعم “الخيانة” جهراً، وفتحت الباب على مصراعيه للإعلان عن الدعم المباشر لتل أبيب واغتصابها للأرض على حساب بوصلة الأمة العربية ومقدسات المسلمين في القدس المحتلة والأقصى الواقع تحت وطأة التهويد. محمد آل الشيخ، تركي الحمد، نموذجان من الكتّاب الذين كشفوا عن الوجه “التطبيعي” الذي تسعى إليه سلطات آل سعود، وشكلت كتاباتهما التي تزامنت مع نزيف الدم الفلسطيني وعلى أرواح أكثر من 61 شهيداً بينهم أطفال ونحو 3000 آلاف جريح، صفعة موجعة للقضية وجهراً بالخيانة للفلسطينيين ودعم العدو الصهيوني، في إعلان واضح وصريح عن المسار الذي تتبناه الرياض. يوم الثلاثاء 15 مايو 2018م، كان لمقالة محمد آل الشيخ، في صحيفة “الجزيرة”، وقع مؤلم وفاضح في آن لجهة نظرته التهميشية للقضية الفلسطينية والدعم المقدم لها وكيفية تعاطيه مع الاحتلال من زاوية دعم الكيان الصهيوني في مقابل أية جهة عربية أو إقليمية. الكاتب الذي يُوصف بأنه من “أشرس الداعين للتطبيع”، عنون مقاله بـ”نعم سأقف مع إسرائيل لو ضربت إيران”، قال فيها “إن بلاده ستقف إلى جانب إسرائيل في حال أقدمت الأخيرة على محاربة إيران”، وزعم أن “إيران تهدد الأمن القومي للسعودية وإسرائيل معاً”، وأضاف أن مَنْ يعارض هذا المبدأ هم “المهزومون”، وأطلق عليهم وصف “عرب الشمال”. آل الشيخ، عمل على تبرير سلوك التطبيع مع كيان الاحتلال بجعل إيران شماعة لتكون ما سماه “عدو وجودي”، على حدّ زعمه، واستفاض بالقول “إنه على عكس إسرائيل، التي أصبحت دولة عظمى وتمتلك أسلحة نووية ومتطوّرة”، وفق ادعاءاته في المقال، ووضع معياراً لقتسيم مَنْ سماهم “أعداء المملكة وحلفاءها، إذ وضع السعودية وإسرائيل في جهة، وكل مَنْ يقف ضد إسرائيل في جهة أخرى”. مواقف وأقوال آل الشيخ، لم تكن الأولى من نوعها، فقد اعتاد وهو أحد أبواق سلطات الرياض اللعب على فتيل التجييش الإعلامي لصالح رؤى وطموحات محمد بن سلمان، إذ سبق أن أثار باستحضاره إحدى “فتاوى” عبدالعزيز بن باز والتي تقول إنه “إذا رأت الدول المسلمة أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات التي يُجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك”، وأخذ المقولة ودوّن عبر حسابه بموقع “تويتر”، “أجاز الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله التطبيع مع (إسرائيل)، فلماذا لا نجرّب التطبيع؟”، على حدّ تعبيره.
وتوالت خطوات آل الشيخ التطبيعة، فغرّد في ديسمبر 2017، كاشفاً عن أن “مصالح السعودية لم تعد مع القضية الفلسطينية”، وفق تدوينته، التي استتبعها بأقل من شهر بتدوينة أخرى ، طالب فيها “الفلسطينيين بالرضا بالقليل خير من لا شيء، وألا يقدموا على تحدي (إسرائيل) التي يقف معها واشنطن والغرب، وأن الفلسطينيين ليس معهم إلا أصحاب الشعارات والخطباء الذين لن يقتلوا ذبابة”، على حد قوله.
وعلى المنوال عينه، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط”، في 15 مايو 2018، مقالاً للكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد، الذي ألمح إلى دور “عربي – إسرائيلي” مشترك. وتحت عنوان “صعود إسرائيل إقليمياً”، زعم الراشد أن هناك توسعا ودورا جديدا لكيان الاحتلال، مشيراً إلى أن “الدور الجديد الذي أوكلته الإدارة الأمريكية لإسرائيل، ملائم للأطراف العربية الأخرى وسيتوسع مستقبلاً”، وحمل الكاتب السعودي جملة من الإشادة بما سماه “بقوة إسرائيل العسكرية رغم أنها دولة صغيرة”، بحسب زعمه. وفي سرب انحدار بعض الإعلاميين والكتاب السعوديين ووصولهم لدرجة التصهين، أدان الإعلامي السعودي منصور الخميس، مسيرات العودة وتظاهرات الفلسطينيين فى ذكرى النكبة، ووصف المقاومة بأنها تتاجر بالدماء، ودوّن عبر “تويتر”، “اللهم حرّر القدس عاصمة فلسطين من الخونة والمجرمين في فلسطين ممن تاجروا بدينك ومقدساتك فسفكوا الدماء وشقوا الصف الفلسطيني حتى تحولت الجبهة الفلسطينية مشتتة ما بين حمساوي يتبع الاخوان وفتحاوي منكسر بسبب جرائم حماس بحق فلسطين وتعطيلها لكل مشاريع السلطة الشرعية”، وفق زعمه.
وسبق أن كتب الخميس في فبراير 2018، عن تأييده “الضربات الإسرائيلية ضد مواقع تابعة لحزب الله وإيران داخل سورية”، قائلاً: “لو كنت أملك معلومة واحدة تفيد الاسرائيليين في تحقيق نجاح ضرباتهم ضد إيران وحزب الله وبشار وتساهم في تدمير هذا الثلاثي المجرم لقدمتها للاسرائيليين وفوقها بوسة متحسبا في ذلك الأجر والثواب”، في دلالة واضحة على السير بركب الصهاينة على حساب الأمة جمعاء.
القرار الاستراتيجي “السعودي” للسير بركب التطبيع بشكل علني وتأليب الرأي العام لصالحه لم يكن وليد اللحظة، فقد شهدت الأعوام السابقة طفرة في الدعوات عبر الشبكة العنكبوتية والصحف ووسائل الإعلام المحلية وغيرها؛ فقد أعرب الكاتب ورئيس تحرير صحيفة “الرياض اليوم”، سامي العثمان عن تأييده الكامل للكيان الصهيوني في قصف البنى التحتية بسورية، مؤكداً أن تل أبيب بأنها هي الوحيدة القادرة على هزيمة إيران، على حد ادعائه.
بدروه، الكاتب حمزة السالم، دوّن في نوفمبر 2017، عبر حسابه على تويتر، عن توقعه بأن تصبح الأراضي المحتلة الوجهة الأولى لدى السياح السعوديين في حال أقيمت علاقة رسمية بين السلطات السعودية وتل أبيب.
أما الكاتب سعود الفوزان، فدوّن عبر “تويتر”، “لست محاميا عن اليهود، لكن أعطوني يهودي واحد قتل سعوديا وأعطيكم ألف سعودي قتل أبناء جلدته بالحزام الناسف”، بحسب التدوينة التي نُشرت في اكتوبر 2017 ولاقت ردود فعل غاضبة.
وبزعم ما سموه التعايش، برز في أكتوبر 2017، تصريح الكاتب أحمد العرفج، الذي اعتبر أن كيان الاحتلال “لم يعد كما السابق، ولا بد من الاعتراف بوجوده”، وذلك خلال استضافته في فضائية “روتانا”، وعند سؤال المذيع “هل أنت مع التطبيع؟”، قال العرفج، “في وقت من الأوقات أنا مع التطبيع، والآن قطع العلاقات مع (إسرائيل) غير مجد”، مضيفاً “مش شرط تحبني وأحبك، المهم التعايش”، وتمادى بالاجابة ليصل إلى الدعوة لترك القضية الفلسطينية إلى أهل فلسطين على حد قوله، وتابع القول إن مشكلة “السعودية”، الحالية هي مع إيران بالمقام الأول، ثم قطر، واليمن، وليست مع تل أبيب، بحسب تصريحه.
هذه نماذج من كتاب الرأي والصحفيون والاعلاميون الذين يمثلون مواقف النزام السعودي ويتحدثون بلستن السلطة ويلقون كل الدعم والتأييد دون أن يتعرض أحدهم للمسائلة!. اتخذوا من سياسة التطبيع قضية للعمل عليها والسعي إلى تطبيقها والسعي للزج بالقضية الفلسطينية خلف ذاكرة الزمن والسعوب بهدف تصفيتها، مستتبعين ومستكملين سياسة السلطة التي تمهّد منذ عقود للإعلان عن العلاقات مع الاحتلال الذي لم يعد احتلالا من وجهة نظر السلطات السعودية التي تمهّد لتطبيق صفقات التطبيع على حساب نزيف الدم الجاري في فلسطين المحتلة، ولا سيما ما شهدته غزة في جمعة العودة. ويذهب المراقبون إلى أن الاعلام السعودي وأبواقه المأجورة في البلاد وخارجها، يسهم بشكل أو بآخر بالترويج للتطبيع والعمل على محو تاريخ المقاومة لتحقيق مآرب الاحتلال الصهيوني وداعميه، خاصة في واشنطن. فيما ترفض الشعوب العربية والمسلمة الخطوات والسياسات السعودية التي تشكل تمهيداً لشق طريق التطبيع والتقليل من أهمية وماهية القضية الفلسطينية التي يعاني أهلها منذ 70 عاماً ولا يزالون، بل لعل يوم النكبة سجل نكبة جديدة في تاريخ الأمة ومسارها، حسب ما يعبر المراقبون.