“كشف مستقبل الحرب الطويلة – الدوافع والتوقعات وآثارها على  الجيش الأمريكي”

عمران نت/ 06 مايو 2018م
ملخّص دراسة :
اعداد: مركز الحرب الناعمة للدراسات
الجزء الاول
صدر عن مركز راند للدراسات تقرير من مائتي وست صفحات يحمل عنوان:” كشف مستقبل الحرب الطويلة – الدوافع والتوقعات وآثارها على  الجيش الأمريكي” ، يكشف التقرير كيف يمكن ان تتطور الحرب الطويلة خلال السنوات القادمة وهو استشراف لآفاق الحرب حتى العام 2020. ويبين الاتجاهات والمتغيرات والطرق التي يمكن ان تتطور من خلالها الحرب الطويلة وذلك عن طريق استخدام ثمانية مسارات محددة.[ صدر التقرير باللغة العربية عام 2016].
تشارك الولايات المتحدة فى الوقت الراهن فيما تم وصفه بأنه (حرب طويلة ) والتى فسرها البعض على أنها نضال ملحمّي ضد الخصوم العازمين على تكوين عالم إسلامى موحّد يحلّ محل الهيمنة الغربية، فيما وصفها آخرون  -أو بشكل أضيق-  بأنها امتداد للحرب على الإرهاب.  وعلى الرغم من أن صانعي السياسة والقادة العسكريين والعلماء قدموا تعريفات عديدة للحرب الطويلة إلا أنه لم يتم التوصل لإجماع حول هذا المصطلح وآثاره على الولايات المتحدة.
ولكي تفهم الآثار التى سوف تحدثها الحرب الطويلة على جيش الولايات المتحدة وقواتها بشكل عام، فمن الضروري أن تفهم أكثر وعلى وجه التحديد ماهية هذه الحرب وكيف يمكن أن تتطور.
ولتلبية هذه الحاجة، فإن هذه الدراسة تستكشف مفهوم الحرب الطويلة وتحدد الطرق المحتملة التى قد تتطور إليها، وكذلك الآثار المترتبة على الجيش والقوة العسكرية الأمريكية بشكل عام.
إطار لفهم الحرب الطويلة
من الواضح أنّ إحدى الوسائل التي تستخدم للتفكير بشأن التهديدات المحتملة التي قد تواجهها الولايات المتحدة فى حربها الطويلة هى أن نأخذ فى الاعتبار اجتماع ثلاث مشاكل أثارتها الحرب:
المشاكل المتعلقة بالأيديولوجيات التي يتبناها خصوم أمريكا الرئيسيون فى هذا الصراع، وتلك المتعلقة باستخدام الإرهاب، وأخيرا المشاكل المتعلقة بالحكم (أي غيابه أو وجوده ونوعيته وميول الجهات الحاكمة للولايات المتحدة ومصالحها).
ليس الهدف من هذه الدراسة أن يتم تحديد أي من هذه المجالات هو المشكلة الرئيسية بل الهدف هو فهم الوضع الذى تحتاجه الولايات المتحدة كي تضمن أن هذه الحرب الطويلة سوف تسلك مسارا مؤاتيا،وعليه فإن الولايات المتحدة سيتعين عليها بذل جهود متضافرة في هذه الميادين الثلاثة.
ومن المهم أيضا لفهم الحرب الطويلة أن نقوم بتعريف الخصم، لأن العديد من الخصوم الذين هاجموا الولايات المتحدة يتبنون أيديولوجية مرتبطة بالأفكار الإسلامية والمبررات الشرعية.
وقد بحثت هذه الدراسة جماعات تعمل داخل دول ذات غالبية مسلمة وقامت بتقسيمهم إلى فئات بناء على فهم الأفكار المحفزة و الأهداف :
•الجهاديون العقائديون سواء ذوو التوجه العالمى أو ذوو التركيز المحلي، الذين ينتمون إلى مذهب الإسلام المعروف باسم السلفية الجهادية، هذا التفسير للإسلام يرفض الحداثة ويشدد على مفهومي الجهاد (الكفاح المقدس) والتكفير (وصف مسلم آخر بأنه كافر).
•المنظمات الدينية القومية مثل حزب الله وحماس والتى تشارك فى العملية السياسية لكنها أيضا على استعداد لاستخدام العنف أحيانا ضد شعبهم، للسيطرة على نطاق معين أو مقاطعة أو دولة.
•جماعات أخرى دافعها الأساسى علماني مثل: الشيوعيين والقوميين العرب والبعثيين.
بالإضافة إلى هذه الجماعات فإن هناك منظمات أخرى غير عنيفة تعمل داخل البلدان ذات الغالبية المسلمة تكون أحيانا بوابة للدخول فى منظمات أكثر تطرفا.
مخطط التصنيف هذا يساعد على توضيح تنوع الفئات المشاركة فى الحرب الطويلة ضد الولايات المتحدة ويشير إلى مجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمظالم التى يمكن أن تحفز الخصوم.
بعض الجماعات فى هذا المخطط تشكّل  تهديدا أكبر أو أقل، مقارنة بما تقوم به الجماعات الأخرى، مثال:
(الجهاديون العقائديون الذين يركزون على الخارج يشكلون التهديد الأكبر).وبالتالي فإن هذا يتطلب من الولايات المتحدة أن تمتلك مجموعة من الأساليب المتاحة للتعامل معهم.
المسارات البديلة
لقد حددت هذه الدراسة ثمانية مسارات بديلة قد تسلكها الحرب الطويلة. هذه المسارات لا تؤكد كيف
سيبدو المستقبل لكنها تحدد الطرق التى قد يتطور إليها.هذه المسارات الثمانية تم مناقشتها وإدراجها والتعريف بها باختصار فى هذا التقرير .
استراتيجيات للتعامل مع هذه المسارات
للتعامل مع مستقبل الحرب الطويلة فإننا حددنا عدداً من الاتجاهات والمتغيرات المرتبطة بمستقبل البيئة القتالية.
ويوفر هذا التحليل  -جنبا إلى جنب مع فهمنا لمكونات الحرب الطويلة-  الأسس لمجموعة من سبعة اختيارات استراتيجية للولايات المتحدة فى الحرب الطويلة.نوضّح بداية ً هذه الاستراتيجيات السبعة ثم ننتقل لنوضّح المسارات البديلة الثمانية.
• الاستراتيجيات
1. فرّق تسُد:
تركز سياسية (فرق تسد) على استغلال التصدّعات بين مختلف الجماعات السلفية الجهادية لتحويلهم ضد
بعضهم البعض وتبديد طاقتهم على الصراعات الداخلية. هذه الاستراتيجية تعتمد بشكل كبير على العمل
السّري، والعمليات المعلوماتية، والحرب غير التقليدية، ودعم قوات الأمن المحلية.
ويمكن أن تكون سياسة (فرق تسد) هي الخيار الاستراتيجى الجليّ بالنسبة لمسار “تضييق التهديد” حيث يمكن للولايات المتحدة وحلفائها المحليين أن يستخدموا الجهاديين القوميين ليشنوا حملات معلوماتية لتشويه سمعة المجاهدين العابرين للحدود ( العالميين ) فى عيون السكان المحليين. أما بخصوص مسار “تعليق العمليات”  فستكون سياسة  “فرق تسد”  طريقة غير مكلفة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها لكسب الوقت حتى تستطيع أمريكا أن تستعيد كامل اهتمامها بالحرب الطويلة، كما أن قادة الولايات المتحدة بإمكانهم اختيار الاستفادة من مسار”صراع سني – شيعي مستمر” بالوقوف بجانب الأنظمة الُسنّية المحافظة ضد الحركات التي تعزز الشيعة فى العالم الإسلامي.
2. تجفيف المستنقع:
تحاول هذه الاستراتيجية أن تقلل المساحة التى يمكن أن تعمل فيها الجماعات السلفية الجهادية داخل outside-in العالم الإسلامي. إنه منهج “من الخارج إلى الداخل ” الذي يسعى لتحقيق الاستقرار في الأطراف الجغرافية الخارجية للعالم الإسلامي بحيث تصل إلى المرحلة التى تصبح عندها البلدان محصنة ضد
الأيديولوجية السلفية الجهادية. هذه الاستراتيجية مرتبطة جدا بمسار “تضييق التهديد”.
وبعد عزل الجهاديين العابرين للحدود (العالميين) عن باقي الحركة الجهادية فإن الولايات المتحدة تستطيع أن تعمل على استئصالهم من الدوائر الجغرافية الخارجية للعالم الإسلامي أي: إندونيسيا وماليزيا والمغرب وذلك من خلال العمل المكثف مع قوات الأمن المحلية للقضاء على طرق التمويل والتعليم والتجنيد التى تدعم تنظيم القاعدة وفروعها فى تلك البلدان. هذه الاستراتيجية يمكنها أن تطبّق أيضا على مسارّي “الحالة المستقرة”  و  “صراع سني- شيعى مستمر”.
3. Inside Out ”  من الداخل للخارج “:
تقضي هذه الاستراتيجية بأن الولايات المتحدة ينبغي عليها أن تستخدم القوة العسكرية التقليدية الحاسمة لتغيير النظام في بعض الدول الإسلامية المهمة وفرض الديمقراطية مكانها.
النظرية هنا هي أن الزلزال الجيوسياسي الذي سينتج عن تغيير النظام سيؤدي إلى دعم القوى الديمقراطية في جميع أنحاء العالم الإسلامي ويجبر مجتمع المحاربين السلفيين الجهاديين على الخروج في العلن لمحاربة القوات الأمريكية التقليدية، وهذا سيعطي الولايات المتحدة فرصة أفضل لسحقهم بشكل حاسم. هذه الاستراتيجية هي جزء من مسار “الحالة المستقرة” وذلك بسبب التركيز المتواصل على بناء الديمقراطية بنسبة ما في أفغانستان والعراق.
4. مركزية الدولة:
تهدف استراتيجية مركزية الدولة إلى نشر الحكم الرشيد في جميع أنحاء العالم الإسلامي من خلال تقوية الأنظمة القائمة ومنحهم الموارد وجعلهم أقل هشاشة، النظرية هنا هي أن الدافعالرئيس وراء زيادة السلفية الجهادية هو وجود مساحات شاسعة غير خاضعة للسلطة (مثل المناطق القبلية في باكستان) والإدارات العامة التى لا تستطيع توفير الخدمات الأساسية للناس العاديين. تنطبق استراتيجية مركزية الدولة على كل المسارات الثمانية، على سبيل المثال فى مسار “الحالة المستقرة ” فإن الولايات المتحدة ستواصل دعم الأنظمة القائمة ضد حركات التمرد والإرهاب وعدم الاستقرار الاجتماعي بينما تدفعهم نحو إدخال تحسينات في الخدمات الأساسية للسكان.
وفى مسار “صراع سني-  شيعي مستمر” فإن الولايات المتحدة ستعمل على بناء القدرات المؤسسية فى الدول الإسلامية المعرضة للخطر حتى تستطيع قواتها الأمنية احتواء العنف الطائفي بشكل فعال.
وفى مسار ” حركات تمرد متكررة / عدم الاستقرار” فإن استراتيجية مركزية الدولة ستكون مفيدة للدول التي استقرت فى وضعها الأمني الداخلي ووصلت للنقطة التى عندها لا يكتسب المتمردون أرضا أو نفوذا.
5. احتوِ وتفاعل:
هى استراتيجية دفاعية بالأساس تسعى لفرض محيط (طوق) في العالم الإسلامى وتتصرف بقوة فقط إذا تم اختراق هذا المحيط (أى إذا كان هناك حليف أمريكي مهدد بالانهيار أو الإطاحة به). ولكونها استراتيجية دفاعية في الغالب فإن الحد الأدنى لتدخل الولايات المتحدة سيكون مرتفعا ومتوقفا على علاقتها الجيدة مع حليفتها في المنطقة.
عند نقطة التدخل فإن الولايات المتحدة ستتفاعل مع قوات الأغراض العامة من موقع في المحيط (الطوق)الجغرافي. وهذا يتناقض مع استراتيجيات أخرى مثل ( من الداخل للخارج ) حيث سيتبع العمليات
الاستباقية الأمريكية أعمال أكثر عدوانية عبر مجموعة واسعة من الدول فى المنطقة.
هذه الاستراتيجية يمكن تطبيقها في العديد من المسارات، فعلى سبيل المثال فى مسار “دولة إسلامية كبرى تنهار ” فإن سياسة  “احتوِ وتفاعل”  ستسعى لوضع القوات العسكرية الأميركية في الدول المجاورة لردع الدولة الراديكالية الجديدة من تهديد جيرانها.
وفى مسار “توسيع النطاق”  فإن هذه الاستراتيجية يمكن استخدامها فى محاولة لعزل جماعات مثل حزب الله فى مساحات محدودة من الأراضى مع زيادة تقوية الحدود بجانب ضربات وغارات دورية.
بالإضافة إلى أن استراتيجية ( احتوِ وتفاعل ) ستكون الاختيار الأفضل لمسار “حرب الأفكار” حيث أن الحملة الفكرية ستكون مثالية ومنخفضة التكلفة وأداة غير مرئية لاحتواء القاعدة ومنظري السلفية الجهادية.
6. بقعة الحبر ( استحوذ، طهّر، إحمِ):
إنها استراتيجية مكافحة التمرد العالمي التى تهدف إلى الاستيلاء على وتطهير وحماية المناطق المهمة استراتيجيا فى جميع أنحاء العالم الإسلامي من خلال العمل بنشاط مع قوات الأمن المحلية. فى إطار هذه الاستراتيجية فإن الولايات المتحدة ستعمل مع حلفاء رئيسيين مثل الجزائر ومصر واليمن لتمحو كل العناصر السلفية الجهادية من مناطق معينة من خلال نهج مكافحة الإرهاب الكلاسيكي يعقبه ترميم البنية التحتية وتشكيل ميليشيات محلية للدفاع عن النفس. الأمل هنا أنه مع مرور الوقت سيتم نفي الجماعات السلفية الجهادية إلى الأطراف الجغرافية للعالم الإسلامى وعزلهم عن بعضهم البعض.
7. الأسباب الأساسية:
تقتضي استراتيجية الأسباب الأساسية أن الولايات المتحدة في حاجة إلى مهاجمة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في العالم الإسلامي على أساس إقليمي بدلا من أن تكون على أساس قطري.حيث ستعمل الولايات المتحدة بشكل مطرد على حل المشكلات الديمغرافية ومشكلات ندرة الموارد وسوق العمل ومشاكل الصحة العامة التي تخلق سوء الأحوال المعيشية والإحباط المجتمعي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا.
و بمرور الوقت فإن النظرية تقضي أن تحسُّن الظروف الاجتماعية والاقتصادية الأساسية سيقلل من جاذبية
الأفكار السلفية الجهادية الراديكالية ويخلق دعما لانفتاح السوق الحرة.
تتطلب هذه الاستراتيجية دورا صغيرا للقوات العسكرية الأمريكية. ففي ظل مسار “تعليق العمليات” فإن
الولايات المتحدة قد تتبنى موقفا طويل المدى وأقل عدوانية في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة