دور التضليل الإعلامي في الحرب الناعمة تاريخه وقواعده
عمران نت/ 2 مايو 2018م
أ. حسن الزين
احدى أهم أسلحة الحرب الناعمة التضليل الاعلامي، وهو ما تقوم به الأجهزة الإعلامية على اختلاف أشكالها وأنواعها بصورة منظمة وممولة وموجهة لتضليل النخبة والرأي العام في ساحتنا.
ولهذا، يؤكد سماحة السيد القائد الخامنئي دائماً على مبدأ هو بمثابة شعار وخط وأصل ثابت رسمه الإمام الخميني يقول “أن غاية النضوج الفكري والسياسي يقوم على مخالفة أخبار وتحليلات وسائل الإعلام الأجنبية المعادية والعمل بعكس الاتجاه الذي تقوله “.
يعتمد التضليل الإعلامي كما يقول الباحث فرانسوا جيريه على ( مشروع منظّم ومخطط، ويهدف إلى تشويش الأذهان والتأثير على العقل كما على العواطف والمخيلة، وبذر الشك والفتن وخلق الاضطراب وهدم المعنويات، وهو يعمل على جميع المستويات من أصحاب القرار وحتى المواطنين العاديين. كما يجعل من وسائل الإعلام هدفاً له بحيث تقوم بنشر وتعميم الرسالة التضليلية باتجاه الرأي العام ).
ومن خلال استقصاء عدد من التعريفات يمكن وضع مفهوم جامع للتضليل الإعلامي وفق التصور الآتي : ( التضليل الإعلامي عملية خداع متعمدة من جانب مصادر معلن عنها، أو جهات وأجهزة لديها قنوات سرية، هدفها خداع الطرف المتلقي للأخبار والمعلومات والتلاعب بالرأي العام، أو تضليل جهات محددة أو شخصيات وقيادات سياسية وعسكرية بعينها عن طريق خلق واقع مزيف ومغلوط، بما يؤدي الى حصول الإقناع بما فيه الكفاية، وذلك بالاستفادة من وسائل الإعلام والإتصال الجماهيري وأحدث فنون التسويق الدعائي والسياسي وتقنيات التعامل والتأثير النفسي، عن طريق استعمال معلومات كاذبة، أو مفبركة، أو ممسرحة، أو إخفاء معلومات حقيقية وأساسية، بغية تحقيق أهداف سياسية أو لإيقاع الخصم في الخطأ بالحسابات دفعه لسلوك ما يريده الطرف المضلل ) .
ـ تاريخ التضليل :
التضليل قديم قدم الإنسان والجماعات والدول، ويروى في مجال التضليل الميداني والعسكري والحربي اسطوورة حصان طروادة، وهي جزء من أساطير حرب طروادة، إلا أنها لا تظهر في الجزء الذي يرويه هوميروس في الإلياذة عن الحرب، حصان طروادة أكبر الأحصنة الخشبية في التاريخ ويبلغ من الطول 108 متر ومن الوزن 3 أطنان، ليكون أمتن حصان خشبي في العالم، بعد حصان طروادة هناك حصان زقاونة لدى شعب الرومان والجرمان.
وتروي الأسطورة أن حصار الإغريق لطروادة دام عشر سنوات، فابتدع الإغريق حيلة جديدة، حصاناً خشبياً ضخماً أجوفا بناه إبيوس وملئ بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس، أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبئ وراء تيندوس، وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام . وقام جاسوس إغريقي، اسمه سينون، بإقناع الطرواديين بأن الحصان هدية، بالرغم من تحذيرات لاكون وكاساندرا، حتى أن هيلين وديفوبوس فحصا وكشفا على الحصان فأمر الملك بإدخاله إلى المدينة في احتفال كبير. واحتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا، وعندما خرج الإغريق من الحصان داخل المدينة في الليل، كان السكان في حالة سكر وغياب عن الوعي، ففتح المحاربون الإغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، وقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد.
وفي مجال التضليل الإعلامي يشير د. ذياب الطائي إلى أنّ أقدم عملية من عمليات التضليل الإعلامي استطاع تحديدها بعد الدراسة والبحث هي قيام كهنة معبد الشمس في جنوب العراق بكتابة تاريخ إنشاء المعبد على أنّه في عهد الملك الأكدي ” مانيشا توشو” والذي كان قد توفي حتى قبل البدء بالبناء، وذلك لتبرير النفقات الباهظة التي تم صرفها وإقناع الناس بذلك “.
ـ قواعد وشروط التضليل :
1ـ ان تكون عملية التضليل بغير علم الطرف المُضلل: ولكي يؤدي التضليل دوره بفعالية أكبر لا بد من اخفاء كل شواهد وملامح وجود التضليل، اي أن التضليل يكون ناجحاً عندما يشعر المضللون بالأشياء والمعطيات هي على ما هي عليه من الوجهة الطبيعية .
2ـ ان يكون هناك موثوقية أو مقبولية للجهة القائمة بعملية التضليل سواء كانت شخص موثوق بالظاهر أو أداة تضليل اعلامية أو خطوة ميدانية روتينية غير مثيرة للشبهة. وهذا الشرط ضروري لتلقف الطعم التضليلي دون الشعور به. ويشبه هذا الأمر قيام الصياد بوضع قطعة خبز أو عجينة وغرس الصنارة داخلها واخفاء حبل وخيط الصيد بلون المياه ورميها في قاع البحر لأجل اقناع السمكة بانها ستحصل على الطعام، في حين أن عملية الخداع غرضها الإمساك بالسمكة.
3ـ قابلية النفس والجماعة عامة والطرف المضلل خاصة للوقوع بالتضليل:
وتفصيل هذا الشرط على النحو الآتي :
أ ـ النفس الإنسانية بالأصل سلبية لا تقاوم ما يغزوها من المنافذ الخارجية، خاصة إذا كان الغزو بوسائل ناعمة ومخادعة وماكرة واقناعية خبيثة وبأساليب غير عدائية. ويعبر الشهيد محمد باقر الصدر (رض) عن هذا الأمر بالقول أن ” الإنسان بطبيعته كيان حسي مادي أكثر منه كيان عقلي أو روحي، يعيش مع حواسه المرتبطة بجسده، ولا يعيش الإنسان حالات الإرتفاع والترقي العقلي والروحي إلا في سويعات وأوقات محدودة ” .
ب ـ طبيعة الجهاز الإدراكي والنفسي والعصبي للانسان طبيعة مفتوحة على العالم الخارجي وهي تلقينية ومتلقية، ويعتمد الجهاز الإدراكي للإنسان في تكوين الآراء واصدار الأحكام على الموضوعات على المصادر والمعلومات الخارجية البصرية والسمعية والخبرية.
ت ـ قابلية الجهات والمنظمات والأحزاب للتضليل لأنها مقسمة بطبيعتها الى هياكل ووحدات وشخصيات وتراتبية تنظيمية، وهي غير منسجمة وغير منسقة بالأصل، والقائمين عليها ليسوا على عقل واحد ولا على قلب رجل واحد، وهو ما يوضح ويفسر الصراعات التنظيمية التي تنشب بين الأجنحة والشخصيات، وهذا ما يترك فجوات كبيرة بين فروعها وأذرعها وأشخاصها، تتيح للمترصد التغلغل وممارسة التضليل والنفوذ.
ح ـ لا تتوفر الجهات والمنظمات غالباً على نظام فعال لتبادل المعلومات بصورة انسيابية، ولا يوجد فيما بينها آليات للتنسيق الفوري واليومي والتفصيلي، بسبب الحذر الدائم الذي أشرنا اليه بدافع اختلاف المصالح والحسابات، وهو ما ينعكس ضعفاً في المنظومة المعلوماتية للمنظمة .
خ ـ قابلية النخبة القيادية للتضليل رغم امتلاكها إشراف عام وشبكة مصادر معلوماتية ومستشارين، بسبب صراعات الأجنحة ومراكز النفوذ المفضي الى صم الآذان وعمى البصيرة، حصل ذلك في عشرات الحالات في العالم أبرز مصداق هو تضليل النخبة القيادية للإتحاد السوفياتي، ومحاولة تضليل النخبة القيادية الإيرانية.
ج ـ قابلية الرأي العام بما هو جنوح للأكثرية في مجتمع محدد نحو رأي ما، وحتى لو توفر ذوي بصيرة أو رأي لعدد قليل آخر، فإن التأثير ينعدم أمام موجة الأكثرية الساحقة .
ـ دوافع وأهداف التضليل :
1ـ الهيمنة والسيطرة والتحكم الكامل بعقل وإرادة ووعي الطرف المستهدف بالتضليل وتوجيهه لتحقيق الأهداف المرسومة طواعية وبدون علمه وشعوره، أي أن ينوب بالوكالة عن القائم بالتضليل في تنفيذ ما يريد، وقال عرف جوزيف ناي منظر مقولة القوة الناعمة الأميركية بأن ” صناعة تصورات الآخر المستهدف كي يصبح مريداً لما نريد بالإقتناع والرغبة والإستمالة بدون ظهور حركة أيدينا أو بصماتنا، وأن ينفذ أهدافنا طواعية دون ضغط ولا إكراه ولا دفع رشوة مالية”.
2ـ تشويش عقل ووعي الطرف المستهدف بالتضليل، وشل تفكيره الصحيح، وتسميم معطياته الموثوقة، وتجريده من القدرة على الحركة والقيام بالسلوك غير المرغوب من القائم بالتضليل. وبحسب عبارة السيد القائد الخامنئي ( إيجاد الخلل في نظام الحسابات ) .
3ـ إثارة المشاكل والمخاوف والفتن والفروقات وضخ الأزمات وتضخيمها لصرفه وإشغاله عن تحقيق أهدافه أو لدفعه الى تصرف يورطه في خلاف مصالحه وقد يجره الى عدم الثقة بالمنظومة التي كان يتحرك من خلالها سابقاً.
4ـ خلق واقع جديد لا علاقة له بالواقع المتحقق فعلاً، وذلك بهدف خدمة مصالح وأغراض خاصة .
5ـ احداث التأثير بطريقة قصدية ومبرمجة في وعي وادراك الطرف الآخر