تدخل الإمارات باليمن وليبيا .. سباق السيطرة على الموانئ وتجارة العبور
عمران نت/ 1 مايو 2018م
بقلم:جمعة القماطي
إن التدخل الإماراتي في عدة دول في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها اليمن وليبيا، له دوافع وأبعاد اقتصادية وجيواستراتيجية تتجاوز الصراع الظاهر مع تيار الإسلام السياسي، وحرص الإمارات على إفشال ثورات الربيع العربي حتى لا تتطور إلى مشاريع ديمقراطية حقيقية تنقل العدوى إلى داخل الإمارات والأنظمة السياسية المشابهة لها.
دولة الإمارات التي لا يتجاوز عدد شعبها المليون ونصف، ويتواجد فيها سبعة أضعاف ذلك العدد من الأجانب، أغلبهم من العمالة الآسيوية، ومع تضاؤل ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز، أصبحت تعتمد أساسا على نموذج اقتصادي مبني على الاستثمار في البنى التحتية، كالموانئ الضخمة والمطارات، وعلى تجارة العبور والسياحة والخدمات المالية والعقارات وغيرها، وأصبحت الإمارات، وخاصة دبي، مركزا لمكاتب آلاف الشركات العالمية لتسيير أعمالها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويعدّ ميناءا راشد وجبل علي، من أهم المشروعات الضخمة التي ترفد النموذج الاقتصادي الإماراتي، لما تجلبه هذه الموانئ من عشرات المليارات، كعوائد من عبور البضائع خلالها من وإلى أسواق مختلفة من العالم. وتخشى الإمارات من بروز مراكز تجارة عالمية جديدة وموانئ أخرى في المنطقة؛ تتمتع بمواقع جغرافية استراتيجية أفضل، تنافس وتهدد بسحب البساط من تحت النموذج الاقتصادي الإماراتي، ويأتي اليمن وليبيا على رأس هذه البدائل المنافسة بقوة.
تتبع دولة الإمارات استراتيجية السيطرة على أي ميناء يمكن أن يشكل منافسة حقيقية لموانئها في حركة الملاحة وتجارة العبور، وذلك من خلال الاستثمار فيه وإدارته من قبل شركة موانئ دبي العالمية، أو من خلال عرقلته وتحجيم دوره لكي لا يكون منافسا.
وأحد الأمثلة على ذلك، ما تقوم به الإمارات منذ فترة من حملة دولية لإجهاض وإفشال مشروع ميناء جوادر الباكستاني، الذي أعلن عن تطويره بشراكة مع الصين في عام 2013، وقد يشكل منافسة وخطرا تجاريا حقيقيا، ويسحب البساط من موانئ دبي خلال عشر سنوات.
ويتمتع ميناء جوادر الباكستاني بموقع استراتيجي هام، فهو يطل على بحر العرب جنوب غربي باكستان، بالقرب من مضيق هرمز، ويشكل جزءا من مشروع ضخم أعلنته الصين عام 2013، اسمه “حزام واحد وطريق واحد”، الذي يهدف إلى إيصال بضائعها مباشرة إلى مختلف أنحاء العالم في أقل وقت ممكن، حيث يعدّ ميناء جوادر أقرب ميناء لإقليم شينجيانج الصناعي الكبير في الصين، وعندما تعبر البضائع الصينية برا من شمال باكستان من خلال الطرق التي تَمَّ شقها حتى تصل إلى جوادر، فإنها تختصر المسافة من 12 ألف كيلومتر إلى ثلاثة آلاف كيلومتر فقط، ومن ميناء جوادر يتم نقل البضائع إلى دول الخليج والشرق الأوسط وأفريقيا.
ويعدّ أحد الدوافع الرئيسية لتدخل دولة الإمارات العسكري في اليمن كذلك، هو السيطرة على وإدارة عدد من الموانئ اليمنية التي تمثل أكبر وأهم الموانئ في القرن الإفريقي، ومنها موانئ عدن والحديدة والمخا والمكلا، ومن خلال السيطرة على الموانئ اليمنية يمكن لدولة الإمارات التحكم وتنظيم نطاق التجارة العالمية، من خلال مضيق باب المندب، وضمان عدم منافسة موانئها، ومن شأن هذه السيطرة على الموانئ اليمنية أن توفر للإمارات كذلك موقعا استراتيجيا هاما لتوسيع التجارة مع أفريقيا.
كما سعت دولة الإمارات إلى السيطرة الاقتصادية على ميناء جيبوتي وميناء ومطار عصب في إرتيريا، و ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال المنفصلة عن دولة الصومال، بينما تواجه الإمارات منافسة شديدة من تركيا على النفوذ الاقتصادي في دولة الصومال التي تملك أطول شاطئ على البحر الأحمر.
كما تمثل ليبيا أكبر مشروع منافس للإمارات على المدى المتوسط والبعيد، فليبيا تملك موقعا جغرافيا استراتيجيا على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وعلى مرمى حجر من أوروبا. وتتميز ليبيا بمناخ البحر المتوسط المعتدل في ذروة شهور الصيف، مقارنة بمناخ دول الخليج الحار جدا صيفا. وتملك ليبيا معالم سياحية كبيرة وغنية، منها ساحل بطول ألفي كم، ولم يتم استغلاله بعد، ومدن أثرية كاملة تعود إلى حضارات ألاف السنين عمقا في التاريخ، إلى جانب السياحة الصحراوية، كما تعدّ ليبيا باحتياطاتها الضخمة من النفط والغاز، من أغنى دول أفريقيا، وتملك كتلة حرجة من السكان تتجاوز السبعة ملايين، وعلى درجة عالية من التعليم والثقافة والقدرة على الانفتاح والتواصل والتجارة مع العالم.
وفي حالة استقرار ليبيا أمنيا وسياسيا فإنها ستكون بوابة أفريقيا المفضلة بامتياز، بحكم موقعها شمال القارة وعلاقاتها المتينة في العمق الأفريقي جنوب الصحراء، كما أن أفريقيا التي تجاوز عدد سكانها المليار والربع، ستكون أكبر سوق تجاري واعد تتنافس عليه القوى الاقتصادية الكبرى مثل، الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي وتركيا.
تمتلك ليبيا عدة موانئ على البحر المتوسط مثل، ميناء الخمس ومصراتة وبنغازي وطبرق، وهي مؤهلة إلى أن تتطور إلى موانئ تجارة عبور ضخمة، تنقل من خلالها البضائع العالمية جنوبا إلى أعماق أفريقيا، لتغطية كل الأسواق الأفريقية الواعدة، والذي يقدر الاتحاد الأفريقي حجمها التجاري وقدرتها الاستهلاكية بقرابة الأربعة تريليونات دولار في العام.
كما أن استقرار ليبيا الأمني والسياسي مع كل مميزاتها الجغرافية والمناخية والبشرية والسياحية، سيجعلها الوجهة المفضلة والمركز التجاري والمالي الجديد للاستثمار، والمقر الإقليمي لإدارة المشاريع وتجارة العبور في كل المنطقة، لا سيما وأن ليبيا المستقرة ستسعى إلى تطوير مصادر متعددة جديدة للدخل والاقتصاد الإنتاجي، منها تجارة العبور كبديل عن الاعتماد على النفط والغاز.
هذه الرؤية الاستراتيجية لليبيا والنموذج الاقتصادي الذي يطمح له الليبيون، هو ما تخشاه دولة الإمارات كمنافس قوي يسحب البساط من تحت موانئها ونموذجها الاقتصادي، ولذلك فهي تسعى إما إلى السيطرة السياسية على ليبيا، أو منعها من الاستقرار والنهوض، وذلك من خلال تغذية الصراع فيها. ولعله من الحكمة أّلّا تقوم دولة الإمارات بتحدي حتمية الجغرافيا والتاريخ، وتتخذ موقفا إيجابيا بالاستثمار في استقرار هذه الدول الشقيقة، كاليمن وليبيا، ونجاحها اقتصاديا، وليس السعي التآمري للسيطرة عليها أو منعها من النهوض.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي