مسرح الحرب في 3 أعوام (تطور الأهداف والاستراتيجيات والتكتيكات3-3)
عمران نت/ 12 إبريل 2018م
علي نعمان المقطري / لا ميديا
طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، دخل تحالف العدوان مجموعة من التغيرات على المستوى
الاستراتيجــي العـــام وعلى المستوى التكتيكي العملياتــي، وذلك لأسباب عدة بين ذاتية وموضوعيــة،
نحاول هنا أن نقارب هذه المسارات التي شرعنا بها فـي الحلقتين السابقتين.
ما الذي حققوه خلال الأعوام الثلاثة؟
يعترف العدو الأمريكي عبر صحافته أن السعودية في حربها على اليمن لم تحقق أياً من أهدافها طوال الأعوام الثلاثة، بينما الجيش اليمني يحقق الكثير من التقدم رغم التباين في توازنات القوى.
على مستوى الجبهة الداخلية
الصورة الاستراتيجية على أرض المعركة:
الجوف، منذ عامين كان العدو قد حقق خرقاً في جبهة الجوف بشن هجوم كبير مفاجئ، وسيطر مرتزقته على المحافظة وعاصمتها (الحزم). وكانت أهداف العدو وراء السيطرة على الجوف أن يجعلها مركزاً قاعدياً أو مصباً لهذه العصابات، يكون منطلقاً نحو المناطق والأراضي المحيطة بالعاصمة انطلاقاً من حرف سفيان وبرط وأرحب وبني الحارث وهمدان، وبذلك يعتقد أنه يحقق عزلاً للجيش واللجان في صعدة وحجة عن العاصمة.
كان ذلك من جهة، ومن الجهة الأخرى، فالجوف محددة ضمن خارطة التشطير والانسلاخ وإن لم يكن الجغرافي حالياً، لكنه بالأساس الاجتماعي، أي التمزيق وتعزيز الهويات ما دون اليمنية، الأمر الذي يجعلها –وذلك يجري من فترات طويلة- خارطة حصار ضمن مشروع (التطويق عن بعد). وقد اعتمدوا في ذلك على عدد من المشائخ المستقطبين سعودياً من الموالين للإخوان أو عفاش، ساعة سلام كاذب إبان جنيف.
هذه الجبهة بكل ما تحوزه من أهمية، وبكل ما بها من إمكانيات عدوانية، ها هي تتساقط تتالياً، حيث شارفت قوات الجيش واللجان مؤخراً على مركزها (حزم الجوف).. والمعارك الجارية هناك بأشد حال، وما يتحقق من انكسار للعدو وقواته مؤشر قوي على مدى تقدم الجيش واللجان في الميدان.
وفي مأرب – صرواح – نهم
تتواصل في هذا المحور المعارك والهجمات اليمنية التي يشنها الجيش واللجان من العام الماضي، بعد أن تعرضت لأكبر الزحوفات العدوانية التي استهدفت التقدم نحو العاصمة من عدة اتجاهات، مترافقة مع المؤامرة الانقلابية العفاشية من الداخل التي خطط لها كي تسحب الطاقة القتالية الدفاعية لقوات الجيش واللجان إلى وسط العاصمة، بينما الهجوم الكبير البري والجوي (غارات وإبرار جوي) يتقدم من مدخل العاصمة الشرقي للانقضاض من الخلف.
كان رهان العدو هنا، هو التعويل على قوته الجوية العالية التقنية، معتقداً بتخلف الدفاعات الجوية اليمنية، وعجزها عن مواجهة مخططات الطيران المعادي، إلا أن اليمني فاجأ العدوان في مقتل حين بادرت أولى الدفاعات الصاروخية لإسقاط الطيران المعادي بشكل متتابع خلال الشهر السابق للمؤامرة، ومنها الطائرة (تايفون).
وترافق مع ذلك التهديد بإظهار صواريخ (المندب) الجديدة في المعركة البحرية، إضافة إلى إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى عواصم العدوان.
تطور الدفاع الهجومي اليمني الاستراتيجي
إن تطور القوى الجوية والدفاعية والصاروخية اليمنية، والنقلات التي تحققت في هذا المجال، قد قلبت التوازنات الاستراتيجية الميدانية والتكتيكية.
هذه النهضة النوعية والأسطورية القياسية لقوات الجيش واللجان، كان لها الأثر الشديد في استهلاك العدو لخططه الاستراتيجية ومسارح الحرب التي أعدها بشكل أسرع بكثير مما وضع عليه حساباته واحتياطاته، الأمر الذي جعله يدخل في حالة تخبط وعدم اتساق وتشتت وتفكك داخلي، وتراجع في مستويات طموحاته من أعلى السلم إلى أدناه.
وبالتأكيد فإن كل ذلك، كان له انعكاسه، وقد تترجم على مستوى ميدان المعركة بالخسائر الفادحة والفشل المتواصل، أيضاً انعكس سياسياً على مسار المفاوضات والمباحثات والمواقف الدولية والعلاقات الدبلوماسية المحكومة بمنطق القوة والغلبة وتقاطعات المصالح…
وجاءت هذه النهضة الصاروخية بعد سنوات من الحرمان والمعاناة والتدمير، والفارق هنا هو امتلاك سلاح لطالما افتقد في مثل هذه المحطات المفصلية من عمر الشعوب والأمم.
لقد واجه اليمني الحافي ذو السلاح الشخصي البسيط، العدو المدرع بأحدث الأسلحة الغربية والتكنولوجيا العملاقة، والفارق والمفصلي هو امتلاك أهم الأسلحة، وهي العقيدة والفكرة الوطنية التحررية الاستقلالية والانتماء الوطني والعروبي والإنساني الأصيل.
وعلى الرغم من كون المقاتل اليمني ظل مقيداً في مسيراته وهجماته ودفاعاته ضد العدو بحكم التفوق الجوي؛ فإن ذلك لم يمنعه وقيادته الثورية من إعادة بناء إدارة (التصنيع العسكري) الوطني، وكسر معادلة التفوق الجوي للعدو، وامتلاك شيء لطالما كان حلماً على المستوى القومي.
وبينما كانت النتائج تتنامى يوماً بعد آخر، وضع العدو تحت الرقابة الاستراتيجية العميقة لقوات الجيش واللجان، واختراق قياداته العملياتية المركزية والجبهية.. وبالمقابل استطاعت العقلية القيادية المحنكة والعبقرية طيلة الفترة الماضية الحفاظ على أسرار التصنيع العسكري الوطني وغيرها من القضايا المحورية طي الكتمان على الرغم من كثرة العمل الجاسوسي والاختراق العفاشي الداخلي… وذلك ضمن مجموعة أساليب تكتيكية تنظيمية فاقت المتوقع والمتصور، وأذهلت المراقبين من الأعداء والأصدقاء..
ولا شك أن من أبرز انتكاسات العدو تمثلت في انهيار مخططاته، التي كانت تقول إن حسم المعركة سيكون في غضون أسبوعين من بدئها في مارس 2015م.. ومن الجانب الآخر، إعلان العديد من شركات الأسلحة الأمريكية والأوروبية عزمها مقاضاة السعوديين على تدمير سمعة صناعاتها، لاسيما تلك الموسومة بـ(أيقونة الصناعات… وفخر الصناعات).
الردع اليمني الاستراتيجي الفتاك
إبداع التكتيكات الصاروخية الجديدة
لا بد من الإشارة أولاً، إلى أن القوة الصاروخية اليمنية، لا يمكن أن تحقق إنجازاتها دون النجاح المعلوماتي الهائل في الجانب الاستخباراتي، وأهمية اختيار التوقيت المناسب للضربات الصاروخية, وبالتأكيد فالجانبان كانا متلازمين يعملان بذات الفاعلية والإنتاج والتأثير والمواكبة.. ونتذكر كيف كانت الضربات الصاروخية تباغت العدو وتجمعاته الضخمة في فترة وجيزة من انطلاقه في زحوفات كبرى في أكثر من جبهة، وتدمير هذه الزحوفات في موقع احتشادها، مثل توشكا شعب الجن ومعسكر ماس بمأرب وفي نهم وفي قاعدة خميس مشيط ساعة تجمع قيادات عسكرية سعودية مع صهيونية، وغير هذه الكثير…
منذ ظهور القوى الصاروخية الجديدة خلال العقود الأخيرة في المنطقة، لم تستخدم الصواريخ العربية كسلاح ردع استراتيجي حاسم كما هي الآن لدينا كمخططات استراتيجية للدفاع والهجوم، كما لم تحقق النتائج بهذه الضخامة التي نحققها نحن الآن، وليس في ذلك مبالغة مطلقاً… وبالإمكان بسهولة القياس في ذلك من حيث زمن التصنيع ونوعيته وكثافته ودقته ونتائجه… وهذا الأمر بالتأكيد لم يكن محسوباً لدى العدو، وغير مستعد للتعامل معه.
وفعلياً، فما جرى هو اختراق للمعادلة الصاروخية الدفاعية والهجومية الأمريكية والغربية الأحدث في العالم. ومؤخراً تابعنا، كيف اتجهت الدول للحج نحو روسيا بحثاً عن قباب دفاعية عالمية، هي الأخرى لم تجدِ نفعاً كما حدث مع منظومة (بانتسير) الأحدث في العالم.
تأديب العدوان على تطاوله في حيس والخوخة
فالضربة الصاروخية الجوية المشتركة لقاعدة العدو في المخا المحتلة، لم تستهدف المنظومة وحسب، بل الإنزال البحري الذي كان معداً أن يجري حينها، وتجمع القوات العدوانية للتعزيز إلى الخوخة وحيس، والاحتشاد لهجوم أوسع رأسه اختراق حيس الذي حضَّر له عفاش من فترة مبكرة، ويقوده الآن الطفل المدلل الحديث لتحالف العدوان، وهو طارق.
ولن ينسى العدو هذه الضربات الأليمة القاصمة لهم بمعنى الكلمة. لقد أربكتهم هذه الضربات بشكل هستيري، وحشرتهم في دوامة غير قادرين على إيقافها.
بالمقابل من كل ذلك، فنحن الذين توقع العالم أن يرانا منكسرين بغضون فترة وجيزة، لاسيما في ظل وضعنا حينها، والتكالب الضخم علينا والحصار من كل اتجاه، والقصف الكثيف…
كان تكتيكنا الوطني قائماً، في البداية، على امتصاص ضربات وهجمات العدو، وإيهامه بتحقيق الإنجازات. وبعد شهرين، كان العدو قد أعلن نجاح بنك أهدافه، إلا أن ذلك تبخر مع دخول منظومة صاروخية يمنية الصنع والتطوير إلى مسرح الحرب، وذلك عنى ولا يزال، أن بنك أهداف العدو انتهى وتبخر، وبالمقابل لا يزال بنك أهداف قوات الجيش واللجان في بدايته، وكيف أن ذلك أحدث نكسة معنوية لدى الخصم مقابل زخات معنوية عالية لأبطالنا. وكان الانتصار الحقيقي هو في الجانب المعنوي، أو لنقل إن المعركة حُسمت استراتيجياً لصالح اليمن، حيث دمرت معنوية القتال والاستمرار لدى العدو، وصار شعوره عميقاً باللاجدوى من المعركة، وإيقانه بهزيمته وهلاكه.
