سنتحتفل بالجرح 26 آذار
عمران نت 12 مارس 2018م
بقلم / عفاف محمد
سنرجع وإياكم بذاكرتنا الى ليلة من ليالي آذار ونستعيد بداية لظلم وجور استبد بنا وتفاجئنا حينها ممن صدر ؟!
من جارة عهدناها دولة إسلامية عظيمة تقدس شرائع الدين وتعمل بها وتعتبر منبت الإسلام ومن خلال المشهد تتضح كثير من الرؤى …
في ليل بهيم ملتبس بالظلام ونحن سابحين في لذيذ الهجوع تحت اسقف المنازل يباغتنا دوي مرعب لم نعهد له مثيل يجتاح ويكتسح الأجواء فزعنا ..
افزعتنا الطائرة ..بتنا في حيرة ما هذا ؟!لما هذا ؟!
لم نفهم شيء !! قيل تحالف وبني سعود وعدة دول، ومجوس وشرعية ! مصطلحات عديدة لم نستوعبها كسبب مقنع لذاك القصف الذي خلف مشاهد مروعة طبعت في ذاكرتنا لحد اللحظة في بني حوات …
وانبلج الصبح وصنعاء كئيبة واهلها في ذهول وخيم صمت مفجع وحيرة قاتلة تتسائل وماذا بعد ؟!ولماذا كل هذا ؟!
تكرر المشهد مرة واخرى وثالثة ومرت السنة الاولى والثانية والثالثة وسندخل اعتاب الرابعة …..!
والمشاهد تتكرر بل وبشاعة اقوى لم يلتفت احد لتلك المأساة التي تهدم اللذات تحصد البشر وتهدم الحجر وتقطع الطرقات وتناثر ركام المنازل والمصانع والمشافي وكل ما يمكن ان يتخيله العقل اختلط بكوم من اللحم وتتاطيرت وتبعثرت اشلاء البشر ..بقسوة لاتعد من الآدمية في شيء وكل هذا والعالم صامت !!
اربكتنا تلك الطائرات وجعلت من حياتنا كابوس خبيث كنا ننام ولا ندري هل يطل علينا الصباح ونحن احياء ؟!
كنا نحن النساء عندما نشاهد الضحايا من النساء ونشاهد مع بشاعة المنظر تكشف شعرها وغيره كنا ننام بالعباءة ونغطي شعرنا حتى اذا باغتتنا طائرة بالقصف نكون حينها متسترات بعد موتنا ..اجل هم انتهكوا بعدوانهم الكثير من حرماتنا وسيادتنا ومن حريتنا وآدميتنا …تشتتنا وصرنا ننتقل من منزل لآخر ونفكر بالرحيل من صنعاء لكن الغارات اللعينة طالت كل شبر وصلنا لحد اليأس وعدنا ادراجنا وفي قلوبنا خيبة امل كيف سنهرب من الموت والى اين سنهرب وكم سيستمر هروبنا …
اطفالنا انتشر بهم الهلع وكانت اجسادهم تترتجف كورق الخريف المصفر الذي تعبث به الرياح كنا وقت الغارة في ليل او في نهار نهرع للطوابق السفلية وندعي واطفالنا مبهوتين يرتجون مننا الأمان كنا نحاول ان نطمئنهم ببعض كلمات لكنهم كانوا يرون في اعيننا الجزع والارتياب ..مررنا بوقت عصيب ..تأزرنا وتواسينا وتقاسمنا رغيف الخبز …
ناشدنا الكثير وانتظرنا من العالم الاكثر لكن صمتهم ذبحنا فوصلنا لقناعة انه لا سوى الله من سينصفنا ومن سيرحمنا ومن سيحمينا
قيل انهم يحاربون مد ايراني …وقيل استعادة شرعية …لم نكن نلمس وفي قمة الوجع مصداقية لتلك الاعذار الواهية كنا وارواحنا المنهكة قد وصلنا لمرحلة تجلدنا فيها ورضخنا للأمر الواقع …انه لامفر من المواجهة دام والكل تخلى عنا دام وجميعنا مستهدف دام والموت يزحف نحونا …
عانينا اجل عانينا الكثييييير
توقفت عجلة التمنية عن السير قبع معظم الاباء في بيوتهم وانقطعت ارزاقهم حتى العملية التعليمية توقفت وتدرج بنا الحال الى ان انعدم المرتب زادات اوضاعنا سوء انتشرت الأوبئة والامراض جراء المخلفات الكيمائية التي خلفتها صواريخهم العفنة ..انعدمت سبل الحياة الكريمة بكل اشكالها عانينا الأمرين ونحن في بيوتنا بلا كهرباء بلا ماء بلا دواء بلا وظائف بلا مرتب بلا غذاء …
زاد الجور علينا يوم بعد آخر وكل بشاعة من حولنا تنطق وتفرض نفسها على واقعنا بقوة …تلك الغارات اللعينة لم تستهدف فقط المعسكرات كما يهرف اصحابها بل طالت المنازل ومنازل الابرياء ..
منهم المهمشين وحتى دار الكفيف .وحتى المقابر ..كل يوم كنا نصدم ببشاعتهم وكانت تصريحاتهم مفاجئة لنا كلها زور وتظليل وتجعل منهم مقام الابطال الشجعان المنقذين …بينما هم من قد اجروا الدماء انهار وقطعوا الاجساد بكل وحشية وتفحمت جراء نيرانهم الخبيثة
هناك جرائم مهولة لا زلنا نتجرع مرارة ذكرها ومرارة ألمها الذي لم يفارقنا والتصقت بمخيلتنا لبشاعتها ..قنبلة عطان المتوحشة وما خلفت من دمار مهول وضحايا لاتعد ولا تحصى من اطفال ونساء وشيوخ ..قنبلة نقم والكتلة النارية التي خلفتها تلك الظربة البربرية وما خلفت من دمار شامل وكيف خرح اهالي نقم من بيوتهم بشكل في وصفه يشابه يوم الحشر يوم مهول مهول جدا لم تجد النساء حتى فرصة للتستر خرجن بدون احذية وبدون عباءة عدى من اغطية على رؤؤسهن حيث يفضلن الموت على ان يتكشفن ولكن الموقف كان اقوى والحصى والنيران تتقاذف وتدخل حتى داخل بيوت نقم اما الشبابيك والابواب فحدث وبلا حرج …ظل اليمنيون على طوال هذه السنوات وهم يصلحونها بعد الكسر مرة بعد اخرى …
مجازر عديدة لا تنسى كالصالة الكبرى والبشاعة التي حوت الموقف عزاء مكتض احرق كل من فيه بشكل يقشعر له البدن …
والكثيييييير والكثيييير من الجرائم كم من طفل افقدوه كل اهله وكم من اب افقدوه كل اسرته وكم من أسر فقدت معظم اهلها وقصص كثيييرة يشيب لها الشعر من بشاعتها …
ورغم كل ذلك العالم صامت والغارات مستمرة
لم تكن تهمنا التقارير ولا التحليلات ولا تغيير اسم عاصفة الحزم الى اعادة الإمل او غيرها من الاسامي كنا نتجرع الموت الواااان . ..مر علينا اول رمضان كابوس فضيع سلب منا روحية الإيمان العميق الذي يغمرنا في شهر الخير. كنا نترقب الموت في كل لحظة وكنا نذوب أسى على أولأئك البشر الذين حصدتم الغارات في الأشهر الحرم !!
مرت الايام ومرت الشهور وكذالك السنوات ونحن كحقل تجارب يمارس فيه كل صفقة سلاح جديد كان يشرى من الأمريك او البريطان هم يجنون المال ونحن نجني الموت هم ينثرون التوحش ونحن نزداد يقين وصبر وثبات ونزداد سعة وثقة بالله …حركت الغيرة والنخوة كل الشباب المؤمن صوب جبهات العز والشرف بعد ان لمسوا ازدياد الجور على ارضهم واهلهم بذلت الروح رخيصة في سبيل الله والوطن باسلوا وضحوا وبذلوا واغدقوا بالعطاء وما اعظمه من العطاء …تهيء الصمود اليماني في لوحة عنفوانية حاكية وناطقة وتعلمنا الكثير اعطينا ونحن في قمة الألم وتجلدنا ونحن في عمق الوجع وتواسينا ونحن كلنا حزانى وتشاركنا وكلنا معدمين وتأزرنا وكلنا منكوبين واعطينا من لحومنا التي لا نمتلك إلا إيها …
مررنا بمحطات تمخضت منها دروس قوية رسخت في الأذهان عرفنا قيمة الجهاد وعرفنا قيمة الأستشهاد ..عرفنا ثقافة الزامل واحببناها واحببنا اعلامنا الحربي الشفاف الذي مدنا فخرا ورسخ الثبات عرفنا شخصيات بطولية نبجلها كالرزامي وكأبو حرب وكالمداني والحمزي ووو الكثير سافرنا مع قصائد الاسطورة معاذ الجنيد وعشنا تفاصيل كل بيت قصيد نثره فأنتشر عبر الأثير بلسم شافي يترجم معناتنا اوجدنا الحلول البديلة لكل ما طالته ايديهم وغاراتهم اللعينة وتأقلمنا مع الأوضاع التي تردت يوم بعد آخر ..ادركنا قيمة قيادتنا الحكيمة والتي على طول المدى عززت ثقتنا بالله وبحكمتها وفي دقة التصويب بقراراتهم التي لاتخطيء ولا تزل سقطت الكثير من الاقنعة وادركنا انه فعلاً كما قال الشهيد القائد حسين بدر الدين سلام الله عليه انه زمن الغربلة ..!!
وامتزجت كل خطابات سماحة السيد عبدالملك بأنفسنا وتداخلت وتخللت مساماتنا …فانتجت وعي ورشاد انتجت بصيرة نافذة يستضاء بها الدرب الشائك …انصفنا القدر وهو يسخر من الفارين والمتشدقون بالوطنية والمتباكين خلف الحدود وبعد حنان اليد الإجرامية عليهم صفعتهم بشدة فمرغت بهم وحطت من قدرهم وسلبت هويتهم بعد ان وعدتهم بالكثير …يطول الحديث وتتقاطر الكلمات وترتصف كي تصف المشهد الذي كان ولا زال …لكني اجد نفسي اكبح جماحها واختتم البديات بالنهايات ..
واعمد الكلمات بالدم التي ارتوت منه الأرض والذي نما عزة وكرامة وتلك الأشلاء التي تطايرت شهدت جرمهم الشنيع وتلك الاطفال الموتى واليتامي والجرحى والمشوهين والمنكوبين من تبعات الحرب يعمدون جرائم الحرب ونثرون مظلوميتهم عبر العالم الذي بعد سنوات بدأ يدرك ان الطفولة انتهكت في اليمن لحد لا يسكت عليه ..كانت المرأة اليمنية اعمدة هامة من اعمدة الصمود وصورة حية لقمة البذل ..
سيحل علينا يوم 26 آذار في هذا الشهر ومعه سنسترجع شريط الذكرى وندرك ما كنا وما اصبحنا …اليوم النصر يلوح لنا ويمد خيوطه إلينا قائلا ان الله لن يضيع اجر المحسنين والصابرين والتائبين والثابتين والباذلين …في يوم 26 آذار سنحيي تلك الذكرى للجرح ونحتفي بصمودنا وانجازاتنا النوعية سنتباهى بما وصلناه من تصنيع للسلاح وما خلفناه لهم من خسائر في الروح والعتاد رغم عدم تكافوء المعركة …سنحيي الذكرى …نحن ارتقينا وسمينا بمواقفنا وبإيماننا وهم سقطوا بجرمهم وفحشهم ورذيلتهم …
نحن خطينا على صفحات الزمن المكاسب والنجاح وتغلغلت مسامات جلدنا كل انتصاراتنا..
وحفرنا مجدنا في صخر لا تنمحي حروفه ولا ينكسر ..
استعذبنا هواء الحرية وان تلطخ بالبارود لكن القيود حطمت .. عرفنا بعمق معنى التضحية والفداء ..وعرفنا الجهاد بطريقته الصحيحة التي ذكرها القرآن لا بطريقة الدواعش الذين يفجرون دور العبادة ويحزون الرؤؤس ويبتدعون في الدين ما ليس فيه …
العام الرابع بعد ايام سيبداء ..
وكل ما تحويه الضلوع من ذكرى اليمية او حميمة طبعت في مخيلتنا وبذرت في انفسنا بذور انبتت صلابة وشموخ ويقين ..وبعد هذا كله تشكلت لوحة بديعة براقة لوحة متحررة حتى من البرواز تطفح من جنباتها كل مقومات الفخر والعز والشموخ الاستقلال الحرية الكرامة السيادة …
انها لوحة …صمود …
نقولها للعالم سنحتفل بالجرح ..سنحتفل سنحتفل .