سوريا ..والهروب السعودي الى الأمام
عمران نت / متابعات
كانت سخرية ماريا زاخاروفا من أحمد العسيري كفيلة بشرح الصورة السائدة على مسرح الأحداث في الإقليم. ما إنْ أعلن المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي برتبة عميد ركن، عزم بلاده وحزمها المشاركة في قوات بريّة في سوريا، حتى خرجت الناطقة باسم الخارجية الروسية لتذكّره بحال “الجيوش” السعودية المتعدّدة الجنسيات في اليمن.
وردّت الحسناء الروسية على كلام “الهزبر” السعودي بتعليق ساخر: “أخاف أن أسأل.. هل غلبتم الجميع في اليمن؟”.
تعرف القيادة السعودية تمام المعرفة أن الإيحاءات المتزايدة حول التحضير لعمل عسكري بَرّي في سوريا في إطار التحالف الدولي، لن يُكتب له التحوّل الى حقيقة إلا بعد التنسيق مع روسيا، والحصول على موافقة الـ(4+1). السقوف العالية التي بلغها الخطاب الرسمي السعودي لا يرتبط بساحة بعينها من الساحات الكثيرة التي تتعرّض فيها السعودية وأذرعها لهزائم متتالية. في اليمن، كما في سوريا، أصبح واضحاً أن لا قيامة قريبة لمرتزقة السعودية. التلويح المتزايد بتدخّل مباشر في سوريا، المتماشي مع إيحاءات تركية ممالثة، هو آخر ما يستطيع التحالف “الإخواني – الوهّابي” فعله في سوريا، قبل العودة الى طاولات جنيف.
الخطط السعودية للتدخّل البري في سوريا التي أعلن عنها العسيري، ووضعها في خانة محاربة “داعش” من ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فاجأت واشنطن. لا أحد في الإدارة الأميركية كان على علم بمخطط جاهز للتحالف الدولي يحضّر للعمل المباشر على الأرض في سوريا. يقول الأميركيون إن التحدّث عن النوايا شيء، وإعلان الجهوزية والاستعداد للدخول في حرب شيء آخر مختلف تماماً. هذا الأمر دفع المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، الى القول في تعليقه على تصريحات العسيري: “لن أعلّق على هذا الأمر على وجه الخصوص إلى أن تتاح لي فرصة للإطلاع عليه”.. مرة جديدة استخدم السعوديون مبدأ “المفاجأة” في الإعلان عن تحالفاتهم وغزواتهم وزجّوا حلفاء مفترضين بها!
يواصل السعوديون الهروب الى الأمام. يُدرك جيداً مَن يُعطي الأوامر في السعودية، أن أياماً صعبة تنتظره في اليمن خصوصاً، بعد الضربات الموجعة التي يتلقاها في سوريا تباعاً وبشكل متسارع. تقول المعلومات إن إشارة وصلت للسعوديين تُفيد بأن قراراً كبيراً قد اتخذ. يقتضي هذا القرار بكسر الإرادة السعودية في اليمن تمهيداً لإنهاء العدوان المستمر هناك. شكل النهاية سيتحدّد وفقاً لمجريات الميدان، وهو على الأرجح سيكون على شكل مؤتمر دولي يشكّل امتداداً لمسلسل جنيف اليمني، لكن في حلقاته الأخيرة.
المعلومات تقول إن الجيش اليمني واللجان الشعبية يتحضّرون لخوض جولة جديدة متقدّمة من مرحلة “الخيارات الاستراتيجية” التي أطلقها السيّد عبد الملك الحوثي قبل أشهر. المرحلة المرتقبة كانت مبرمجة لتدخل حيّز التنفيذ قبل شهر تقريباً، لكن متطلبات الميدان من جهة، ومتطلبات العملية السياسية من جهة أخرى، أدّت الى تأجيلها. أما اليوم، ومع تعنّت السعودية وفريقها في مفاوضات سويسرا، ومع تمادي العدوان في قتل المدنيين من جهة، وتسلّم تنظيم القاعدة الإرهابي مناطق ومحافظات تسيطر عليها قوى العدوان من جهة أخرى، صار إعادة تفعيل المرحلة الجديدة من الخيارات الاستراتيجية أمراً مطلوباً.
بطبيعة الحال، ستكون هذه الخيارات منقسمة الى قسمين: سياسي وعسكري. سياسياً، تبدو مروحة الخيارات متعدّدة تركّز في شكل أساسي على تلبية المتطلبات الشعبية، وإعادة عجلة العمل السياسي الحكومي الداخلي الى الدوران، بأشكال مختلفة. أما عسكرياً، فتقول المعلومات إن الجيش اليمني واللجان الشعبية يتحضّرون لإدخال أنواع جديدة من الصواريخ الباليستية الى الميدان، لتعمل جنباً الى جنب مع الـ”توشكا” الذي أثبت فعاليته في تسديد ضربات موجعة لقوى العدوان. الصواريخ الجديدة هي الأخرى تنقسم الى قسمين: باليستية وذات مديات متفاوتة (موجّهة وقريبة ومتوسطة وبعيدة) بحيث تكون قادرة على ضرب أهداف خارج الحدود وأخرى في ثابتة ومتحركة تابعة لقوى العدوان في اليمن. الصواريخ على أنواعها جاهزة للاستخدام، وبكميّات كافية بعدما جرى تصنيع بعضها وتطوير البعض الآخر “محلياً”.
الاستراتيجية الجديدة التي من المرتقب البدء بتطبيقها قريباً، مبنية على الاعتماد على الكمائن المُحكمة في مناطق المواجهات، وفي المناطق الواقعة خلف خطوط العدو. الاعتماد على الكمائن يهدف، من بين ما يهدف إليه، الى إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية في صفوف قوى العدوان ومرتزقتها. ستشهد المرحلة المقبلة تركيزاً عالياً على عمليات الأسر، خلال المواجهات المباشرة أو من خلال عمليات نوعية تنفّذها وحدات خاصة. كما هو الحال الآن، من المقرّر أن تكون كاميرا الإعلام الحربي مرافقة لجميع العمليات الخاصة، من كمائن ومواجهات، الى عمليات أسر.
تتحضر الجبهة اليمنية للدخول في طور جديد ومختلف من المواجهة، لن يكون العمق السعودي بمدنه وقراه بعيداً عنها. السعوديون يُدركون طبيعة المرحلة. هم فشلوا سابقاً في إقناع دول كثيرة في الانضمام الى حلفهم في مواجهة برّية مع الجيش اليمني واللجان الشعبية. هم أيضاً ينظرون الى أذرعهم المسلّحة في سوريا تنهار وتفقد السيطرة على الأرض. تقف السعودية اليوم أمام خيارين: إمّا أن تتدخّل مباشرة في سوريا وهي ترى تجربتها في اليمن. إمّا أن تُسلّم لمبدأ التفاوض على إيقاع نتائج الميدان من اليمن الى سوريا.