مائة عام من العداء السعودي والمؤامرات … ألف يوم انتصار 1-2
عمران نت / 5 يناير 2018م
كان عدوانهم على عسير وبعض الجزر اليمنية، وشمالاً امتد إلى عرب شرق الأردن، وإلى كربلاء والنجف، ليتركوا في كل وجهة مذبحة، وتدميراً للآثار، وإبادة للسكان الآمنين.
حتى جاء محمد علي باشا، حاكم مصر، إلى الجزيرة العربية، بجيش يقوده ابنه طوسون باشا، ثم القائد إبراهيم باشا الذي محا الدولة السعودية الأولى، واقتاد أميرها عبد الله بن سعود أسيراً ليعدم في الأستانة.
في بداية القرن العشرين، أي عام 1915م، كانت بريطانيا تضع حمايتها على إمارة نجد وقائدها عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود، وتُقرر له راتباً مقداره 5 آلاف جنيه إسترليني في الشهر، مقابل أن يكون القرار السياسي في الشؤون الخارجية وشؤون الحرب والسلم وعقد الاتفاقيات بيد بريطانيا، وقد التزم لهم ابن سعود بعدم اتخاذ أمر إلا بمشورتهم ورضاهم…
في عام 1923م توسع ابن سعود إلى عسير، وأرسل ابنه الأمير فيصل لاحتلالها، وفي ذلك العام كان عبد العزيز بن سعود وأمير منطقة عسير، ومقاتلوه من (هجرة العُطعُط) ينفذون خطتهم في ذبح وإبادة 3 آلاف حاج يمني، قادمين من مختلف ألوية اليمن: من حضرموت، وتعز، وقضاء إب، ولواء ذمار، وعمران وحجة إلخ، بما عرف في كتب التاريخ بـ(بمذبحة تنومة وسدوان)، وبتواطؤ من بريطانيا التي قللت من عدد القتلى، وأغمضت عينها عن المذبحة، ولم تشر تقارير ضباطها في المنطقة لها إلا بصيغ الظن، لتواريها التراب!
لم ينج من هذه المذبحة سوى 500 حاج، كما يشير إلى ذلك الباحث (حمود عبد الله الأهنومي) في كتابه (مذبحة الحجاج الكبرى، تنومة وسدوان) الصادر عام 2017م.
لم تتوقف أطماع الكيان السعودي المؤسس على السطوة والغلو والتطرف، عند هذه المذبحة، التي أراد منها ابن سعود أن ينتصر نفسياً على اليمنيين، من خلال أثر الصدمة والرعب، لكنه مدَّ أطماعه إلى لواء عسير بالكامل، فعقد اتفاقية حماية مع علي بن محمد بن إدريس حاكم صبيا، عام 1927م، ليجد ابن إدريس نفسه مخدوعاً ومحاصراً بأطماع ضم وإلحاق ما تحت يده من أرض لسلطان نجد، وفر لاجئاً عند الإمام يحيى حميد الدين، الذي لم يتوقف يوماً عن تأكيد الحقوق التاريخية في اليمن الطبيعية كما هو متعارف على جغرافيتها عند المؤرخين والجغرافيين، ومن ذلك وصف الهمداني لحدود اليمن في كتابه (صفة الجزيرة العربية).
ليبدأ النزاع بين الإمام يحيى والملك عبد العزيز طيلة سنوات 1930-1934م.
وبعد مراسلات عديدة من الإمام يحيى لابن سعود طالباً منه فيها حسم موضوع الحقوق التاريخية في لواء عسير بالحوار، كان ابن سعود يعد عدته للحرب بدعم من بريطانيا وأمريكا، فلقد عملت شركة (ستاندر كاليفورنيا) بمد ابن سعود بالأسلحة الحديثة آنذاك من رشاشات وسيارات ومدافع وقنابل، وغيرها من الأسلحة حديثة الصنع، ومدته بالقروض المالية مقابل احتكارها للتنقيب في السعودية مع عدد من الشركات التي شكلت في ما بعد (شركة أرامكو).
في بداية ثلاثينيات القرن العشرين كان للجاسوس البريطاني، الذي عمل جاسوساً مزدوجاً لبريطانيا وأمريكا، مقابل راتب مدى الحياة تمنحه له شركات النفط الأمريكية، دور في توجيه ولاء ابن سعود نحو الشركات الأمريكية، بل والأطماع الأمريكية في الخليج العربي. وقد نصح ابن سعود مستشاره (جون فيلبي) أن يغير اسمه إلى (عبد الله فيلبي)، وأن يتظاهر باعتناق الإسلام، حتى لا يكون هناك حرج لابن سعود عند مشائخ القبائل ومشائخ الوهابية في تعامله مع (نصراني كافر)!.
لقد انتصر ابن سعود في حرب 1934م بسبب الفارق في التسليح، وتوزيع ابن سعود الأموال على مشائخ القبائل في طريقه للاستيلاء على الحديدة.
وقد سأله بعض المتحمسين له كي يكون أميراً على الجزيرة العربية، لماذا انسحب من الحديدة ولم يكمل سيطرته على اليمن؟
فكان جوابه: أن القبائل تُستأجر، لكنها لا تبيع، وسوف تنقلب عليه بعد حين.
وهي صفة ملاصقة للتكوين القبلي والبدوي، فقد كان (أنور السادات) في حرب اليمن والسعودية في الستينيات، يقول إن القبائل تريد مالاً بشكل دائم، فما أخذته بالأمس تنساه اليوم الثاني، وهي صفة متطابقة مع بدو ليبيا وغيرها.
استفادت بريطانيا من هزيمة اليمن عام 1934م، فقد فتحت حرباً موازية على المملكة اليمنية من أجل فرض الحدود الشطرية التي رسموها مع الاحتلال التركي عام 1904، وتم التوقيع عليها عام 1914م. فكان أن فرضت عقد اتفاقية هدنة لمدة 40 عاماً.
ومع حركة 1948م كان للسعودية دور في تحريض عبد الله الوزير وعلي الوزير، للقيام بالحركة، خاصة أن عبد الله الوزير الذي مثَّل الإمام يحيى في التفاوض على اتفاقية الطائف عام 1934م، كان متواطئاً مع الملك عبد العزيز بن سعود على حساب الحقوق التاريخية لليمن.
كان غرضه في وعده لعبد الله الوزير بالدعم إنهاك اليمنيين ببعضهم، فحين تم اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في 17 فبراير 1948م، أثناء ذهابه إلى منطقة (حزيز) جنوب صنعاء، كمن له هناك عدد من رجال القبائل وأفراد الجيش، وقتلوه بالعديد من الرصاص الذي أودى به وبأحد أحفاده وبسائقه وبرئيس وزرائه العمري.
كان مبرر ابن سعود في تخليه عن وعده بالدعم أن قال للوفد الذي ذهب إلى السعودية (لم نتفق على قتل الشيبة)، وانتهت حركة 1948م بنزيف دم دفعه اليمنيون.
أصبحت اليمن منهكة بعد هذه الحركة، ثم انقلاب الثلايا عام 1955م، وتآمر بعض مشائخ خارف، وعلى رأسهم الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر، وابنه حميد بن ناصر الأحمر، وبعض مشائخ بكيل مثل القوسي وبن راجح وغيرهم، أثناء سفر الإمام أحمد إلى إيطاليا للعلاج عام 1959م، كل ذلك شجع الملك سعود بن عبد العزيز عام 1961م على نهب 200 كيلومتر داخل الأراضي اليمني، بما يتجاوز علامات الحدود لاتفاقية الطائف، مما يجعل اتفاقية الطائف، في حكم الملغية، لعدم التزام السعودية ببنودها وعلاماتها.
وقتها لم يتحرج (الأحرار اليمنيين) من استغلال هذا الوضع، ومفاتحة الملك سعود كي يدعمهم لو قاموا بانقلاب على الإمام يحيى، وكان رسولهم هو القاضي عبد الرحمن الإرياني، الذي استخدم صفته الرسمية كأمير للحج في توصيل رسالة (الأحرار اليمنيين) للملك سعود، رغم معرفتهم باحتلال السعودية للمزيد من الأراضي اليمنية!.
وقد كان طلب (الأحرار) هو دعم السعودية لهم، وأن يعطيهم الملك سعود وعداً بعدم استخدامه الورقة الطائفية للمنطقة الشافعية ضدهم، فكان أن وعدهم الملك سعود بأن مشائخ (اليمن الأسفل) لن يتخذوا أي موقف دون إذنه!.
حين قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م، لم يكن دعم السعودية لأمراء بيت حميد الدين والإمام محمد البدر، من أجل إعادتهم للحكم، فبيت حميد الدين هم أعداء المملكة السعودية منذ 40 عاماً، بحسب ما صرح به الأمير فيصل للرئيس جمال عبد الناصر، أثناء لقائهم للتوقيع على اتفاقية جدة عام 1965م.
السعودية لا تريد في اليمن نظاماً بإرادة مستقلة وقرار سياسي سيادي، وتنمية مستقلة، بل تريد يمناً منهكاً ضعيفاً مفككاً، دون جيش ولا تنمية ولا تطور علمي ولا ذاكرة تاريخية.
وهو ما حققته في تسوية مايو 1970م، حين كانت جمهورية 5 نوفمبر برموزها مجرد بيادق منتفعين من رواتب السعودية وذهبها، وتابعين لإرادتها، لهذا تم تجميد الحقوق التاريخية المتمثلة باستعادة لواء عسير ونجران، وتكلل ذلك المسار في التبعية بالتوقيع على معاهدة جدة عام 2000م، بتنازل عن الأراضي اليمنية التي نهبت عام 1934م، وفي 1961م، وما سيطروا عليه بالقوة خلال العقود التالية لاتفاقية الطائف، وأضيف إليها نهب أراضٍ في حضرموت وغيرها وفق معاهدة جدة الأخيرة، والتي تم التوقيع عليه بضغط أمريكي وتواطؤ أركان النظام الحاكم آنذاك. وكان للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الدور الأبرز كمحتكر لملف المفاوضات مع السعودية، مما جعل الأمر يبدو مفارقة مبكية، ومأساة، حين يفاوض (جورج الخامس جورج الخامس)!.
فالشيخ عبد الله بن حسين الأحمر كان يرى أن (الأخوَّة مع السعودية أهم من حفنة رمال هنا وحفنة رمال هناك)، حسب تعبيره في لقاء له مع (نجيب رياض الريس) عام 1995م، ونشر في كتاب (رياح الجنوب) عن دار الريس، عام 1998م. وكذلك بحسب ما أورده الشيخ في مذكراته التي طبعت في كتاب بعد ذلك.
مع تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، كانت السعودية كاظمة غيظها بسبب ضغط الإدارة الأمريكية عليها، فقد كانت أمريكا تريد التخلص من إرث الاشتراكية في جنوب اليمن، كنظام وتنظيم، مع ذلك كان أتباعها في الجمهورية العربية اليمنية آنذاك في مجلس الشورى من ممثلي القبائل والإخوان المسلمين وكبار الضباط التابعين لها، رافضين للوحدة بحجة أنها وحدة مع الكفار.
وقد كان لهذه القوى عام 1985م ذات الموقف ضد تشكيل لجان الوحدة، وكانت السعودية تحشد جيشها على الحدود مع اليمن كضغط وتهديد.
وجدت السعودية والإمارات والكويت فرصة في حرب 1994م، لكن مرادهم لم يتحقق بسبب الفيتو الأمريكي الداعم للرئيس علي عبد الله صالح في التخلص من إرث جمهورية اليمن الديمقراطية كخاتمة لاغتيال المئات من كوادر الحزب الاشتراكي، فكانت حرب 1994م هي الجولة الأخيرة في قصة أدارتها الولايات المتحدة الأمريكية كهوامش لسقوط الاتحاد السوفيتي في البحر الأحمر الذي تريده أمريكا بحيرة غربية بشكل مطلق!.
المصدر: صحيفة (لا) 1 يناير 2018