{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} هو من سيهيئ، من سيخلق المتغيرات، من سيهيئ الظروف
عمران نت/ 30 ديسمبر 2017م
من هدى القرآن
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} هو ملكها، ما أكثر الملوك في هذه الدنيا والرؤساء! لكن أليست الأمور تخرج عن أيديهم في كثير من أحوالهم، وفي كثير من أحوال شعوبهم؟ تخرج الأمور عن أيديهم، مَلِك قاصر، مُلْك الناقصين، مُلك من لا يعلمون سر السماوات والأرض، ملك من لا يعلم بعضهم بكثير مما يخص شعبه، فكثير من الأمور تجري على خلاف ما يريدون، والزعماء العرب الآن هل الأمور تسير على ما يريدون؟
هكذا تسير الأمور ويتغير الزمن من حيث لا يشعرون، فهو لا يدري إلا وقد أصبح ينادي بالديمقراطية، وهو من كان لا يريدها، أصبح ينادي – مثلاً – بضرورة أن يكون هناك مجلس شورى وهو ممن كان لا يريد أن يكون هناك أي شخص آخر يحتاج إلى أن يشاوره في أموره، تُفرض الأمور من هنا إلى هنا.
أما الله – سبحانه وتعالى- فهو وحده الذي إليه ترجع الأمور، وهو الذي يستطيع أن يخلق ويهيئ المتغيرات. وفي الدنيا – عندما تتأمل – أحداثٌ تحصل، متغيرات عجيبة، متغيرات عجيبة، تحولات بنسبة مائة في المائة في بعض الأمور، الله هو سبحانه وتعالى من هو غالب على أمره، من هو قادر على كل شيء.
فكل عبارة من هذه تأتي في القرآن الكريم: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} (هود: من ال آية123) هو يقول لعباده يقول للمؤمنين: ثقوا بي، انطلقوا في عبادتي، انطلقوا في نصري، وفي العمل لإعلاء كلمتي، وأنا من إليّ ترجِع الأمور فلا أدع المجال يقفل أمامكم. هو من سيهيئ، من سيخلق المتغيرات، من سيهيئ الظروف.
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} حتى وإن كان الناس هنا في الدنيا يتصرفون بعيدين عن الله سبحانه وتعالى: فهذا يتزعم على هذا الشعب، وهذا يتملك على ذلك الشعب، وهذا يقفز على هذا الشعب وهكذا.
هم ما زالوا في داخل محيط قدرته تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأنعام: من ال آية18) بل كثير من الأمور تفرض عليهم بتهيئة من الله، من حيث لا يشعرون.
ولو تأملنا لوجدنا أنه حتى أعداء الإسلام أنفسهم الذين يحاولون أن يقفلوا كل شيء بالنسبة للمسلمين ينطلقون في مجال ولا يدرون بأنهم يهيئون أجواء عظيمة جداً للمؤمنين من خلال ما تحركوا فيه؛ لأن الله غالبٌ على أمره.
جاءوا بالديمقراطية لتكون بديلاً عن نُظُام الإسلام، ولنكون نحن المسلمين يمسح من ذهنيتنا أن هناك في الإسلام نظاما، هناك ولاية أمر، هناك دولة، فيأتون بالديمقراطية، الديمقراطية نفسها ما الذي حصل؟ يُفرض داخلها حرية رأي، حرية التعبير، حرية الكلمة، حرية التحزب، حرية التجمع، حرية القول، أليس هذا هو ما يحصل؟ فكم أعطوا الناس من متنفس عظيم.
من أين جاء هذا؟ هل نقول: أنهم جاءوا بالديمقراطية رحمةً بنا؛ من أجل أن لا يكون هناك كَبْت ولا قهر؟ لا. لهم أهداف أخرى وغايات أخرى، لكن الله يهيئ حتى من خلال ما يفرضونه هم، وهم يتجهون نحو طمس معالم الإسلام حتى يغيب عن الذهنية اتصاله بأي شأن من شؤون الحياة بما فيها شأن ولاية الأمر، فلا يدرون بأنهم يمنحون من حيث يشعرون أو لا يشعرون: أن الله يهيئ من خلال ما أرادوا أن يفرضوه أن يكون هناك متنفساً لأوليائه، وما أكثر – لو تأمل الإنسان – ما أكثر الإنفراجات التي تأتي! ما أكثر الإنفراجات التي تحصل! لكن من لا يهيئ نفسه لأي عمل في سبيل الله تمر الأشياء ولا قيمة لها عنده، ولا يبالي.
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (الحديد:6) هو من يدبر كل شيء، الليل والنهار هو الذي يدبره فيولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، يتعاقبان ويتداخلان فينقص هذا حيناً ويطول هذا حيناً آخر، في حركةٍ مستمرة منظمة ومدبّرة بأمر الله سبحانه وتعالى، هذا مظهر من مظاهر ملكه، أن له ملك السموات والأرض هو خلقها ثم تحدث عن استوائه على العرش ليدبر شؤونها، ثم ها هو يتحدث كيف يدبر شؤونها، وكيف علاقته بها كملك للسماوات والأرض وما بينهن وما فيهن.
{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} هذا الليل الذي يُجِنُّ قطعة من هذه الأرض بظلامه، فيبدو أمام الأنظار وكأنه أصبح يمكن أن يخفي أشياء كثيرة عن الله، يقول: إنه {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} تلك الصدور التي هي ظلمة في داخلها، تجويف الصدر في داخله مظلم، وداخله ماذا؟ داخله هواجس من النفس، أشياء داخل النفس، الله يعلم بذات الصدور نفسها، فلا يمكن لليل أن يخفي شيئاً مما يحصل من عباده، ولا يخفي أي شيء من أشياء هذا العالم عنه.
من هذه الآية قوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} مما نفهم منه بأن الليل والنهار موجودان مع بعض، ثم يحصل بينهما تداخل، فنشهد بأن الحركة حركة مستمرة لليل والنهار وبشكل دائري، كما اكتشف أخيراً وأصبحت الأشياء واضحة فعلاً، قد تتصل بشخص إلى منطقة أخرى في العالم فيكون الوقت عندك نهاراً وعنده ليل أو العكس. اتصل بأمريكا تجد الوقت هناك لا يزال نهاراً وأنت في الليل.
فأولئك الذين كانوا يقولون: إن الأرض لها تكوير معين، وأنها فوق قرن ثور وأشياء من هذه، هي خرافات، بينما في القرآن ما يرشد، ما يرشد فعلاً أو ما يشير إلى أن الأرض بهذا الشكل الذي اكتشفت أخيراً وصورت من بُعْد، وأنها كروية الشكل أو بيضاوية الشكل، وأنها تتحرك بصورة مستمرة، ولها حركة حول نفسها، وحركة حول الشمس. فالليلُ والنهارُ في هذا العالم متعاقبان على هذا النحو.
{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (ال حديد7) بعدما قررت الآيات الأولى فيما يتعلق بكمال الله سبحانه وتعالى ثم خلقه للسماوات والأرض ثم ملكه للسموات والأرض، وما فيهما، إذاً آمنوا به، من هو ذلك الذي يمكن أن يكون له هذا الكمال، أن يكون له هذا الملك فتروا أنفسكم ملزمين بأن تؤمنوا به، أو تروا أن عليكم حقاً أن تؤمنوا به من هو هذا غير الله سبحانه وتعالى؟
ثم من هو الذي يمكن أن تخافوه من ملوك الأرض، من رؤساء الأرض، وهم من هم، من هم بالنسبة لملك الله سبحانه وتعالى؟ من هم بالنسبة لكمال الله سبحانه وتعالى؟ من منهم يستطيع أن يغالب الله سبحانه وتعالى؟ من منهم يستطيع أن يخرج عن دائرة قدرته وجبروته وقهره لعباده؟ فكيف تخافونهم أكثر مما تخافون الله؟!
كل حديث أو كل آية من هذه الآيات كلها تتجه نحو نفسية الإنسان، لتعزز داخلها الإيمان والثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(الدرس السادس)
آيات من بداية سورة الحديد
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:10من ذي ال قعدة1422 هـ
الموافق 23/1/2002م
اليمن – صعدة.