الذين باعوا الدين وهم حملته هم أسوء وأكثر أثراَ وضرراً على الأمة
عمران نت/ 7 ديسمبر 2017م
من هدى القرآن
الدين لا يعني أنك كفرت به بلسانك وصرحت بنبذه. أليس بنو إسرائيل الآن لا يزالون يطبعون التوراة والإنجيل ويوزعونها؟ أليسوا إلى الآن لديهم إذاعات تدعوا إلى النصرانية، وتتحدث عن المسيح، وتتحدث عن أعلام الديانة اليهودية أو النصرانية؟ أليس ذلك قائماً؟ ماذا يعني الإشتراء؟ إنه عندما يعرض الباطل بشكل مال، بشكل مصالح، بشكل مكانة أو مقام معنوي ينطلقون فيه ويتركون الدين.
أوليست هذه حالة لدينا على نطاق واسع في أوساط المسلمين؟ بكل بساطة، وبدون اكتراث يدخل أحدنا في موقف باطل، يعمل على أن يحصل على مصلحة ولو من طريق باطلة غير مشروعة ولا يبالي أن دينة يحرم عليه هذا، ولا يبالي أن دينه يهدده إذا ما دخل في هذا. هذا هو البيع للدين ولو في موقف واحد، ولو في قضية واحدة.
ألسنا في الانتخابات ينطلق أعضاء مجلس النواب فيقولون: [سنعمل لكم، وسنعمل، وسنعمل…] يعدون هذا بوظيفة، وهذا يعدونه برتبة عسكرية، وهؤلاء يعدونهم بمدرسة، وأولئك يعدونهم بشق طريق، وأولئك يعدونهم بمستوصف، وفلان يعدونه بأنهم إذا ما وصل إلى مجلس النواب سيقف معه، وسيعمل على حل مشكلته، وسيحاول أن يكون موقفه هـو الأعلى ضد خصمه، فننطلق للتصويت لمـن يترشح دون أن نلحظ هـل أننا – من وجهة نظر ديننا – وقفنا موقفاً ينسجم مع الدين أم أنه متخالف ومخالف له؟ لا نبالي.
ألم يبع الناس في كثير من المناطق أصواتهم لأعضاء قد يكون بعضهم ليس من الدين في شيء، ولا تهمه مصلحة الدين، ولا تهمه مصلحة الأمة، ولن يفي بوعوده، يبيعون أصواتهم بقليل من السكر، أو من الأرز، أو بتُّنور غاز، أو بأي شيء من الوعود.
ما الذي يدل على أن هناك سوقاً كبيرة قائمة؟ هو أننا نرى كل من يترشح هل تسمع من أحد كلمة يقول فيها: [أنه سيعمل على إعلاء كلمة الله، أو أنه سيعمل على نصر الدين، أو انه سيعمل على محاربة المفسدين في أرض الله، أو الظالمين لعباد الله]؟ هل نسمع عبارات من هذه؟ لأن هذه بضاعة غير (نافقة) لن يحصل على صوت واحد! البضاعة النافقة هي أن نقول: سنعمل لكم، ونعمل ونعمل، أشياء من حطام الدنيا، مصالح، ماديات، فننطلق نصوت ولا نلحظ أي جانب من الجوانب التي هو عليها في واقعه مخالف للدين.
قد يقول: “حقيقة هو لا يصلي، وإنسان فعلاً عدو الله لكن وعد أنه سيهب لنا، ويهب لنا… إلى آخره ” أليس هذا حاصلاً؟ حتى نعرف أنه حاصل – وأكرر – أنها هي السلعة التي ينزلها المرشحون في كل انتخابات. ومتى رأينا دعاية؟ متى رأينا وعوداً من أحد من المترشحين – سواء كان لرئاسة الجمهورية، أو لمجلس النواب – يتحدث عن جانب الدين، يتحدث عن جانب المحاربين للدين، أو يتحدث عن الأشياء المهمة بالنسبة للأمة، الجانب الزراعي مثلاً، أنه سيعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي للوطن؟ هل نسمع عبارات من هذه؟ لاشيء.
من أين جاءنا هذا؟ أننا فعلاً كما قال الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم): ((لتحذن حذو بني إسرائيل)). ألم يقل الله لهم: {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} (البقرة: من ال آية174) هؤلاء الذين اشتروا بدين الله، بعهد الله، بأيمانهم ثمناً قليلاً {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (البقرة: من ال آية174) تعبير عن إعراضه، عن أي شيء فيه رحمة لهم يوم القيامة، إعراض عنهم، أولئك ليس لهم جزاء إلا النار، سوء الحساب، وجهنم، {وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: من ال آية174). ويقول في الآية الأخرى: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: من ال آية187) فبئس ما يشترون أن يبيعوا الدين مقابل ثمن.
هنا هو لا يقول: بأنهم لم يبيعوا الدين بالثمن الذي يساويه، إنما قال (ثمناً قليلاً) في كل المواضع يقول {ثمناً قليلاً} ليس اعتراضه على أساس أنهم باعوه بـ(250) لو باعوه بـ(1000) كان أفضل ولو باعوه بـ(1000) لما قال لكن المشكلة أنهم باعوه بثمن قليل هو (250). إن كل شيء في مقابل الدين هو ثمن قليل وإن كانت الدنيا بملئها ذهباً هي ثمنه فهي قليل؛ لأنك تبيع نفسك، لأنك توبق نفسك، توقعها في جهنم.
ألم يقل الله: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (الزمر:47) لو أن لك الأرض بكلها، ومثلها معها، وملؤها ذهباً، يوم القيامة عندما ترى جهنم، عندما تُبَرَّز جهنم للغاوين فتسمع شهيقها وزفيرها، وتسمع صراخها المرعب توَد لو أن الدنيا بأضعاف ما فيها لك لسلمتها فدية مقابل أن تنجو. أليست الدنيا إذاً ثمناً قليلاً؟ أليست ثمناً قليلاً؛ ولهذا تجدون في كل موضع يقول:(ثمنا قليلا) ثمنا قليلا.
كلنا سواء من ينطلقون مقابل مصالح مادية، أو من ينطلقون باسم الدين نفسه فيتكيف مع هذا، وينسجم مع هذا، ويكتم جزءاً من الدين من أجل أن يرضى عنه هذا، أومن أجل أن يحصل على مساعدة منه، يقف معه موقفا باطلاً من أجل أن يدفع له أكثر حتى يتمكن من إقامة مراكز أكثر، ويقول باسم الدين، من أجل نصر المذهب [وبسيط هذه ليست مشكلة، وبسيط هذا الموقف يدخل معهم فيه وإن كان باطلاً] هذا نفسه من بيع الدين، هذا نفسه من بيع الدين بثمن قليل، بل هذا أسوء من الآخرين.
الذين باعوا الدين وهم حملة الدين، أو يكونوا في مواقفهم وإن كان من باب مراعاة المصلحة للدين، إنهم أسوء وأكثر أثراَ وضرراً على الأمة؛ لأنه إذا باع أهل الدين الدينَ فمن أين ستلقى الدين نظيفاً ونقياً؟ بنو إسرائيل عندما باعوا الدين باعوه وهم حملته فكان بيع الدين هو إضلال للأمة؛ لأنهم من ينظر إليهم الناس في مختلف مراحل التاريخ أنهم الجهة التي يتلقون منها إرشادهم وتعليمهم، ويتلقون منها الكتب التي أورثهم الله إياها.
نحن كذلك إذا ما انطلقنا وقلنا: لدينا مشاريع ثقافية دينية، ولكن لا بأس ندخل مع هذا الحزب أو مع هذا، ونحاول أن نحصل على مساعدات من هنا أو من هنا [وبسيط نسكت عن هذه، ونسكت عن هذا المبدأ، ونلغي هذا المبدأ، ونقف في هذا الموقف] إنه من بيع الدين، إنه من بيع الدين في العصر الذي الأمة أحوج ما تكون إليه كاملاً ونقياً.
أولسنا نرى الدين الآن على رقعة واسعة من هذه الدنيا؟ أليست البلاد العربية كلها تحمل اسم بلاد إسلامية؟ أليست هناك شعوب أخرى تمتد إلى أوساط آسيا، وإلى أوربا، وإلى بلدان أفريقيا، أليست رقعة البلاد الإسلامية واسعة؟ أليست إذاً مساحة الدين منتشرة بشكل واسع؟ لكن ما بال هذا الدين لم يعمل شيئاً لهذه الأمة؟ ما باله؟ لأنه قُدم ناقصاً.
حينئذ سيكون عملك وأنت مرشد، وأنت تملك مشروعاً ثقافياً دينياً لن يعمل شيئا للأمة، ولست تختلف عن الكثير من أمثالك، وعمن يملكون أكثر مما تملك من مشاريع دينية على طول وعرض هذه الرقعة الإسلامية الكبيرة، ممن لم يقدموا للأمة الحلول التي تضمنها ديننا، الحلول التي تضمنها كتابنا، الحلول التي وجهنا إليها نبينا(صلي الله عليه وعلى آله وسلم).
ثم يقول: [حفاظاً على المذهب، حفاظاً على الدين، مراعاة للمصلحة العامة] وكأن الدين أمامه هو أن يرى أن مدرسة كهذه أصبح في قاعتها ألف طالب. هذا هو الدين! إن هناك ألف مليون، هناك ألف مليون مسلم أوَليس كذلك؟ فأنت تقول: ألف طالب أصبح لدينا (15) ألف طالب، لدينا (20) ألف طالب، لدينا كم معاهد، لدينا كم مراكز عبارات من هذه.
انظر إذا كنت ممن لا يعمل على أن يقدم الدين كاملاً بنقائه وإن كنت تشعر بخطورة بالغة عليك فإن تلك الأرقام لا تشكل أي شيء في إضافتها إلى هذه الأمة التي هي أوسع مما لديك، والكثيرون داخلها يمتلكون أكثر مما تمتلك.
إن بيع الدين – سواء من قِبَل من يحملون اسمه, ومن يتحركون باسمه, أو من قبل بقية الناس – مقابل مصالح مادية لا يبررها إطلاقاً، لا تجد مبرراً لها إطلاقاً، لا أن تقول: حفاظاً على المصلحة العامة، ولا أن تقول: حفاظاً على المذهب ماذا يضرنا إذا سكتنا عن هذه مقابل أن يبقوا لنا [حي على خير العمل] ويبقوا لنا أشياء من هذه الأخرى؟ فهذا هو المذهب نحافظ عليه!
هذا ليس مبرراً. أنت تريد أن تحافظ على الدين، أنت تريد أن تعمل للدين؟ إن الدين للأمة، فانظر ما الأمة بحاجة إليه، انظر وضعيتها، وحلل وضعيتها، وانظر ما هو الذي ضاع من الدين في أوساطها فانطلق لتحييه إنه الدين، والحفاظ على الدين، والحفاظ على المصلحة العامة للأمة. أنت تريد أن تحافظ على المصلحة العامة للأمة، أو لبلد، أو لشعب فحافظ على الدين بأكمله أن يُقدم لتلك الأمة، أوليس الدين لمصلحة الأمة؟ إن الدين لمصلحة الأمة فمن يهمه مصلحتها فليقدم الدين لها كاملاً، وليوجهها بتوجيه الدين كاملاً.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(لتحذن حذو بني إسرائيل)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 7/2/2002م
اليمن – صعدة.