بذكراك نسعد يا رسول الله
عمران نت/ 29 نوفمبر 2017م
بقلم / طارق حامد رزق
كلما اقترب هلال ربيع الأول تزدان الدنيا وتتزين؛ ويستعد المسلمون ويتجهزون في مشارق الأرض ومغاربها لاستقباله؛ ففيه ذكرى ميلاد النور الخالد مفخرة الإنسانية وسيد البشرية، وخاتم الأنبياء وسلطان الأولياء، باعث الطمأنينة برسالة هي منبع الأمن والأمان؛ سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي سبق إلى الأنام نوره وكان رحمة للعالمين ظهوره.
ففي هذا الشهر الكريم شرفت الدنيا بالميلاد الأحمديِّ وبالنور الربانيِّ الذي تبدد به ظلام الجاهلية كما قال تعالى:( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ.) (المائدة:15). فهو النور الذي أضاء العالم وأناره، وهو الذي عرفه الناس بتميُّز أخلاقه وصفاته، فما جربوا عليه كذبًا قط، ولقبوه بالصادق الأمين، وبه وجدت الإنسانية نفسها وسلكت طريق الحياة الأبدية بعد أن زكَّاها وتلا عليها الآيات الربانية، فأخرجها من ظلمات الكفر والجهل والضلال وأخذ بيدها إلى طريق النور والهدى، وكان صلى الله عليه وسلم رحيمًا بها قبل البعثة وبعدها، جاء ليبلغها رسالة الرحمة لأنه نبي الرحمة ومنبعها، ومن جاءه وجد الرحمة عنده.
فهو صلى الله عليه وسلم إنسانٌ بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، شفيق بالإنسانية، ورحمةٌ مهداةٌ لها من رب العالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)، وكما يقول الأستاذ محمد فتح الله كولن في كتابه “النور الخالد محمد مفخرة الإنسانية” “إن رسولنا محمدًا هو الممثل الوحيد لتجلي صفة الرحمة والرحمانية لله تعالى، واستعمل هذه الصفة كإكسير شافٍ لفتح القلوب والتربع على عروشها.. وقد كان مرآة مجلوَّة تعكس رحمة الله تعالى وكانت الرحمة في يده مفتاحا سحريًّا” ص(236).
ونجد أنموذج هذه الرحمة التي لهجت بها الألسنة في حديث أنس بن مالك أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ”، والأمثلة على ذلك كثيرة أبهرت أعداءه قبل أصدقائه؛ فشهدوا بعلو أخلاقه وكمال صفاته، لأن الله تعالى هو الذي ربَّاه وأدَّبه فأحسن تأديبه؛ فكانت شهادة الله سبحانه وتعالى له: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(القلم: 4) وهي دليلٌ ما بعده دليلٌ على سمو أخلاق نبينا الكريم وعظمته.
وها هو الإمام البوصيري يعبر عن ذلك وغيره في بردته ويقول:
محمدٌ سيدُ الكونين والثَقليــنِ والفريقينِ من عُرب ومن عجمِ
فاقَ النبيينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ولم يُدانُوه في عِلمٍ ولا كَرم
فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم “كان خلقه القرآن” كما أخبرت سيدتنا عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن خُلُقِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويشير إلى ذلك الأستاذ محمد فتح الله كولن فيقول: “إنه صلى الله عليه وسلم متخلق بخلق الله ويعكس صفاته تعالى وأسماءه الحسنى فالقرآن الكريم يقول عنه إنه (بِالمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم ) (التوبة:127) ص (260) فهو رحيم حليم رؤوف كريم جوَّاد متواضع قائد مربٍّ…إلى غير ذلك مما لا يحصى ولا يعد من صفات اختصه الله بها، وهو أفضل وأكبر وأعظم نعمة لله سبحانه وتعالى على الإنس والجن وهو فخر كل الكائنات والموجودات صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله.
وما أجمل أن يحتفل العالم العربي والإسلامي بذكرى مولده في هذه الأيام، كل حسب عاداته وتقاليده، والناس في ذلك مذاهب.
والكل في مصر يعبر عن فرحته بمولده الكريم، وعن حبه لحضرته البهيَّة، فيحتفي الصغير والكبير بهذه الذكرى العطرة، ففي كل مكان تُعْقَدُ مَجَالسُ الذِّكر، وحلقات تلاوة آيات القرآن الكريم الذي هو معجزة رسولنا العظيم، وتُنْشَدُ قَصَائدُ المدح في خير المرسلين، ويعتلي الخطباء المنابر ليُعَرِّفُوا بسيرة خاتم الأنبياء وشمائله المحمودة، ويؤدي الناس العمرة في ذكرى المولد النبوي الشريف، بجانب تعليق الزينات وإضاءة الأنوار في الشوارع، وشراء الحلوى وتوزيعها على الأطفال في البيوت والمدارس، وإقامة المسابقات في سيرة خير الأنام.
والاحتفالات هذه ليست قاصرة على المدن فقط؛ بل تعم أجواء القرى فتبتهل بذكراه، وتقام الموائد وتنطلق الطرق الصوفية على اختلاف طوائفها تجوب الشوارع بمواكب ليلية، وهي تنشد الأناشيد الدينية والقصائد النبوية احتفالًا بمولده الشريف، كل هذا وغيره تعبيرًا عن حب رسول الله وإظهارًا لفضله.
فما أجمل أن نُحْييَ ذكراه ونسيرَ على هداه فيزداد الشوق لرؤيته ونيل شفاعته.. اللهم احشرنا في زمرته.