الجنوب …. بذار الإرهاب وحصاده
عمران نت/ 19 نوفمبر 2017م
بقلم / صلاح السقلدي
«عدن… عدن… روحُونا عدن… روحُونا»… هكذا أظهرت الفيديوهات التي عُرضت قبل يومين هتافات غاضبة لمئات من الشبان الجنوبيين وهم يتظاهرون بمنطقة جيزان جنوبي المملكة العربية السعودية، احتجاجاً على نية السلطات السعودية واليمنية نقلهم إلى جبهة ميدي بمحافظة صعدة – شمالاً – للقتال هناك، وعلى سوء ظروفهم المعيشية والصحية، وتفشي الأمراض بينهم دون أي اكتراث من الجهات التي ساقتهم إلى هناك، والجهات التي استلمتهم كطرود تجارية مشحونة بشاحنات نقل كبيرة، واحتجاجاً على التجاهل والإهمال وغموض مصيرهم، بعد أن تم نقلهم إلى هناك بزعم تسجيلهم جنوداً وتدريبهم ضمن قوات مكافحة الإرهاب، على أن تتم إعادتهم إلى عدن، ليكتشفوا بالأخير أنهم ضحية لفخ كبير، وأنهم مجرد بضاعة لتجار المقابر والمنابر الدينية والسياسية والحسابات البنكية.
هذه الحالة ليست الأولى التي تتحدث عن مأساة الشباب الجنوبيين وكيف يتم استغلالهم بهذه الحروب، ولا هي الأولى التي تكشف لنا عمليات المتاجرة بأوجاع وجوع هؤلاء من قبل سماسرة الحروب والارتزاق، ولكنها الأولى – تقريباً ـ التي تتكشف بصورتها الواضحة هذه دون لبس أو تضليل أو أنكار، كما درجت العادة عند كل حديث عن مثل هذه الحالات المشينة المؤلمة.
سيظل الشاب الجنوبي سلعة بشرية تعرض بسوق نخاسة البشر والأوطان!
وبرغم كبر حجم هذه المأساة، وبرغم استمرار نزيف الدم الجنوبي خلف الحدود البعيدة، هذه الحدود التي لا علاقة لجغرافيا الجنوب بها من قريب ولا من بعيد، إلا أن كل القوى الجنوبية – إلا من رحم ربي من الشخصيات التي تحترم مكانتها وتأبه بمصير هؤلاء الضحايا – لم تنبس ببنت شفة حيال هذه المسألة، إمّا خشية من غضب جهات إقليمية ومحلية، وإمّا خوفاً على مصالح سياسية ومنافع خاصة تخشى ضياعها، وبالتالي سيظل الشاب الجنوبي سلعة بشرية تعرض بسوق نخاسة البشر والأوطان يتم تصديره كلما تطلب سوق الاستهلاك، ومجرد حطب يتم شحنه كلما خبا موقد الحرب.
كثير من هؤلاء الشباب يساقون إلى تلك المحرقة بعد أن تتم أدجلتهم بأيدلوجية فكرية متطرفة خطيرة ترفض محيطها ومجتمعها، وتنظر إليه على أنه نكرة يستوجب تغييره. فبعض الجبهات والمعسكرات – ولا نقول كلها – التي يتواجدون فيها تزخر بأعداد كبيرة من العناصر المتطرفة التي تقاتل هناك بزعم محاربة المجوس والروافض، وليس للجنوب في قاموسها أي حساب يذكر. ففي هذه الجبهات والمعسكرات ومراكز التدريب، تتم عملية تلقيح الأفكار وحقنها بعقول شباب غض العمر، صافي الذهن، ليكون هذا الشاب بالتالي ضحية، إن قتل، وخطراً على المجتمع، إن بقي.
فهذا التحدي الكبير «التطرف»، الذي واجه كثيراً من الشعوب منذ ثمانيات القرن العشرين يتكرر اليوم بأكثر من مكان بالمنطقة العربية، من سوريا شمالاً إلى اليمن جنوباً، وعلى إثر ذلك دخلت المنطقة بدوامات لا حصر لها ولا منتهى لضررها، فلا تزال المنطقة تدفع ثمن تخاذل نخبها السياسية والاجتماعية وارتهان رجال دينها لبلاط الحاكم، وصمتها إزاء القوى التي صنعت هذه الدوامة… والخشية اليوم أن يتكرر المشهد، ويعيد نفسه كمأساة كبيرة، وللأسف كل الشواهد، على الأقل بالجنوب، تشير إلى ذلك. فالتربة الجنوبية اليوم تبدو مسمّدة ومستصلحة لينبت فيها هذا الفكر ويتبرعم، وكل بذور وفسائل التطرف اليوم موجودة ويتم بذرها وغرسها على مرأى ومسمع من الجميع… كل عوامل الفكر الضال سانحة، وكل أدواته متاحة؛ من مال وإعلام ومنابر ودعاة وفتاوى وقنوات فضائية وكتب ومراجع دراسية ومظلات سياسية تظلله وتبحث لهعن مشروعية قانونية وسياسية واجتماعية، بل وحتى الدينية، يتحرك ويعبث فيها!
وبالتالي، فالمشكلة هنا لا تقتصر على هؤلاء الشباب كضحايا، بل على المجتمع كله، فمن يكتب له النجاة من هؤلاء سيكون عبارة عن مشروع فكري مفخخ فوق ما هو موجود من مخزون فكري جاهز على الواقع.
وبرغم ذلك يظل الرهان على وعي الجماهير واستشعارها بخطورة المآل الذي يُراد لها أن تصير إليه، بعد أن ذاقت وتذوق مرارة هذا البذار كل يوم… تذوقه على شكل سيارة مفخخة تنفجر في الشيخ عثمان، تخلف العشرات من القتلى والجرحى، أو دراجة نارية في المكلا تنال من شخصية وطنية، أو إرهابي محشو بـ «T.N.T» ينسف مقراً أو دائرة حكومية في أبين والحوطة وعتق.