التطبيع الإعلامي مع إسرائيل .. صحيفة “الحياة” نموذجاً
عمران نت/ 16 نوفمبر 2017م
لم يعد خافياً على أحد قيادة السعوديّة لمشروع ترامب في المنطقة. مشروع “صفقة القرن” الذي يهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينية عبر “إقامة العلاقات بين المملكة ودولة إسرائيل استناداً إلى اتفاق الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تمت مناقشته مع وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية”، وفق نصّ الرسالة التي بعثها وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
الصفقة قد بدأت بين الرياض وواشنطن، وفي حين تتولّى الأخيرة الشقّ الدولي لترتيب هذه القضيّة، تعمل الأولى على الشقّ الإقليمي بشكل عام، والفلسطيني على وجه الخصوص، ليس آخره استدعاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الرياض ومطالبته بالضغط لنزع سلاح المقاومة.
في الحقيقة، تدرك الرياض، ومن خلفها أمريكا وإسرائيل، أن العائق الأكبر أمام ما يُسمّى بـ”صفقة القرن” يتمثّل في رفض الشارع العربي “لما تمثله القضية الفلسطينية من مكانة روحية وإرث تاريخي وديني” للشعوب العربيّة والإسلاميّة، فقد اعترف الجبير في رسالته السريّة التي كُشف عنها النقاب مؤخراً أنّه “في مستهلّ تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، لن يكون التطبيع مقبولاً للرأي العام في العالم العربي”.
إلا أن الآلة الإعلاميّة السعوديّة قد بدأت باللعب على الوتر العربي- الإسرائيلي، في إطار سياسة قذرة تهدف لتمييع القضيّة الفلسطينية وتفريغها من محتواها، وبالتالي التأثير على الرأي العام العربي. سنتعرّض في هذا المقال إلى أحد هذه النماذج.
يجب تنفيذ وعد بلفور كاملاً!
صحيفة الحياة السعوديّة، نشرت أمس الأربعاء مقالاً للكاتب السعودي زياد الدريس تحت عنوان ” يجب تنفيذ وعد بلفور كاملاً!” تضمّن مفاهيم خطيرة حاول الكاتب زراعتها في الرأي العام العربي.
الدريس الذي رأى أن الفئة الأخرى التي عبّرت عن غضبها في الذكرى الـ100 لوعد بلفور “أعلى صوتاً فقط بسبب أن نبرة الاحتجاج تعلو دوماً على نبرة التأييد”، وليس لأنها قضيّة حق شعب بأكمله، حاول التخفيف من وطأة وعد بلفور مشيراً إلى أنّه “لم يكن في الحقيقة الخطوة الأولى لقيام دولة إسرائيل”، بل الخطوة السياسيّة الأولى.
ما جعل كلام الدريس الأخير موضع الشكّ هو محاولة فصله بين وعد بلفور والطابع الديني للدولة اليهوديّة مشيراً إلى “أن إسرائيل لم تقم على أساس ديني بل نفعي انتهازي، وإن بدا شعارها دينياً!”، ولعله تجاهل الطابع المتشدّد للعصابات الصهيونية التي دعت لبناء وطن قومي لليهود. هذا الكلام يصبّ في خانة إبعاد الرأي العام العربي والإسلامي عن قدسيّة فلسطين، وإن لم ينطقها الكاتب السعودي.
لاحقاً، انتقل الكاتب إلى نصّ “الوعد”، مسلّماً به، وكأن احتلال الرياض وجدّة والدمّام، سيدفع الجانب السعوديّ للحديث عن شرط المحتلّ الذي لم يكتفي بالرياض وجدّة، وتطالبه فقط بالانسحاب من الدمام وكأنه أمر واقع. الكاتب حاول استغلال فجوة عدم التزام الكيان الإسرائيلي بشرط ” المسّ بالحقوق الدينية للجماعات الأخرى؟!” لتكريس وعد بلفور، من حيث يدري أو لا يدري، ليختم مقاله بالقول “فقد تم تنفيذ الوعد من دون تنفيذ شرطه!”، وكأنه يدعو لتنفيذ الوعد وشرطه.
الخطوات المقبلة
ما نعيشه اليوم أوّل الغيث، فإضافةً إلى الدأب السعودي على التطبيع السياسي، ستتبنّى الآلة الإعلاميّة السعوديّة في المرحلة القادمة جملة من الخطوط، نذكر منها:
أوّلاً: محاولة إظهار الصراع على أنه فلسطيني إسرائيلي، وليس عربي إسلامي-إسرائيلي. وبالفعل، ظهر هذا الخطّ الإعلامي منذ فترة ليست ببعيد. الصراع نشأ عربياً-إسرائيلياً وسينتهي كذلك حتّى آخر نقطة دم تجري في عروقنا.
ثانياً: سيرتفع منسوب الحديث السلام وقد تدعم السعوديّة مؤتمرات شبابيّة لهذا الغرض خارج المملكة ابتداءً، ولعل هذا السلام يتجاهل كافّة الحقوق للشعب الفلسطيني، سواءً قبل 1948 أو بعده، قبل 1967 أو بعده.
ثالثاً: ستظهر محاولات لحرف البوصلة عن وجهتها الفلسطينية، عبر البدء بمقارنة ايران وحزب الله وفصائل المقاومة مع الكيان الإسرائيلي، لينتهي الأمر.
رابعاً: هناك العديد من الحناجر ستصدح بتعابير عاطفيّة رنّانة حول آلام الشعب الفلسطيني، وأن الحلّ الوحيد يكمن في السلام مع الكيان الإسرائيلي. سيحاولون تقديم هذا السلام على أنّه المنقذ للشعب الفلسطيني.
خامساً: هناك من سيتحدّث عن أخوّة الفلسطينيين مع العرب، وتعايشهم مع مجتعاتهم في دول الطوق. يهدف هذا النفاق لتبرير توطين الفلسطينيين حيث هم وفقاً لمشروع ترامب. وقد ظهر هذا النفاق في نصّ رسالة الجبير الذي أكّد سعي السعوديّة لتوطينهم “حيث هم، فمن الممكن للمملكة الاسهام بدور إيجابي إضافي في حل قضية اللاجئين من خلال دعم اقتراحات مبتكرة وجريئة مثل:إلغاء توصية جامعة الدول العربية الذي لا يزال سارياً منذ خمسينيات القرن الماضي، والداعية بعدم تجنيس الفلسطينيين بجنسية أي بلد عربي. وكذلك، بذل الجهود لتوزيع اللاجئين الفلسطينيين على البلدان العربية واعطائهم جنسياتها وتوطينهم فيها”.
اليوم، ستسعى السعوديّة لاستغلال أي حادث، كبر أم صغر، لتجييره في صالح مشروع التطبيع الهادف لتصفية القضية الفلسطينية.