اين تكمن خطورة انفصال كردستان العراق على محور المقاومة؟
عمران نت/ 26 سبتمبر 2017م
في الظاهر يبدو المشهد عبارة عن استفتاء للوصول الى رأي اكراد العراق حول العيش في دولة مستقلة بكل ما في الكلمة من معنى، سياسيا واداريا وعسكريا واقتصاديا .. الخ، وهو حسب من يروج له ويدافع عنه، إجراء ديمقراطي محض لا يستبعده اي نظام او قانون او دستور، انما في الحقيقة والواقع هو مشروع نزاع وفتنة وحرب واسعة، لن تقتصر تداعياته وخطورته على ميدانه المحدود، بل ستتعداه الى ما هو ابعد، في الجغرافيا وفي الاستراتيجيا، وخاصة لناحية زرع نقطة ارتكاز حساسة في هيكل المواجهة التاريخية بين العرب والمسلمين المقاومين وبين كيان العدو الصهيوني.
من هنا، وبمعزل عن عناصر العلاقة المتارجحة والمتأزمة بين العراق وبين اقليم كردستان العراق، والتي ربما تحتوي تجاذبات متبادلة وغير متوازنة، لناحية تعدي احدهم على حقوق الاخر في الاقتصاد وعائدات النفط او في الصلاحيات السياسية والادارية او في الحقوق الثقافية او ما شابه، ولكن، حتما سيكون لهذا الانفصال تداعيات خطيرة على دولة العراق وعلى المحيط وعلى حقوق الاكراد ايضا، حيثما وجدوا وخاصة بين الدول الاربع المعنية بازمتهم: تركيا – ايران – العراق وسوريا، وبالاخص لناحية التداعيات الكارثية على ركائز واساسات الصراع مع العدو الاسرائيلي، وذلك على الشكل التالي:
جغرافيا وميدانيا
تبدو الامور غير واضحة لناحية الميدان الذي ما زال يسيطر عليه داعش حتى الان بين سوريا والعراق، او لناحية مستقبل هذا الميدان تبعا للمخطط الاميركي المتحكم به بطريقة او باخرى، وحيث انه سوف يتأثر حكما بعد تثبيت انفصال كردستان العراق، لناحية مطالبة من يتواجد فيه حاليا (تنظيم داعش او تركته الشعبية او البيئة القريبة منه) بانفصال او بادارة ذاتية او ما شابه، حيث ايضا هذه البيئة ليست بعيدة عن معارضة الدولة العراقية في العراق او السورية في سوريا، الامر الذي قد يفتح الباب امام تواجد جغرافي مستقل وغير مرتبط لا في الدولة العراقية ولا في الدولة السورية، ويكون ممرا جغرافيا طبيعيا لكردستان العراق عبر اماكن نفوذ وتواجد قوات سوريا الديمقراطية في سوريا مرورا بهذا الاقليم المعني حيث داعش الان وامتدادا الى المملكة العربية السعودية او الاردن او الاثتنين معا ومنها الى اسرائيل، وذلك بعد تنفيذ إجراء عملاني ميداني في جنوب غرب العراق بين الرطبة ومعبر عرعر مع السعودية، او بين الرطبة ومعبر الوليد على الحدود مع الاردن، طبعا برعاية اميركية عسكرية وديبلوماسية.
سيشكل هذا الارتباط الجغرافي الميداني فصلا كاملا لمحور المقاومة بين ايران والعراق فسوريا ولبنان، وسيؤمن في نفس الوقت ارتباطا واسعا وآمنا بين اسرائيل والاردن والسعودية من جهة مرورا باقليم (تركة داعش بين غرب الانبار وشرق سوريا) وامتدادا مع شمال سوريا (الكردي) ودولة كردستان المرتقبة شمال و شمال شرق العراق.
عسكريا
ستكون حكما دولة كردستان العراق على علاقة جيدة مع كيان العدو الاسرائيلي، حيث المؤشرات على ذلك كثيرة وواضحة، الامر الذي سينسحب حتما على تواجد عسكري اسرائيلي في الدولة المرتقبة، ولن يكون شكل هذا التواجد بعيدا عن نقاط ارتكاز ومراقبة ورصد، او قواعد عسكرية تحضن منظومات مضادة للصواريخ، وذلك على الحدود الغربية الملاصقة لايران، وما لذلك من تأثير في الحرب الباردة وفي سباق التسلح بين الطرفين، وهذا التواجد سيكون حتما ردا مناسبا من الناحية الميدانية والاستراتيجية على النفوذ والتواجد الايراني في سوريا ولبنان، والذي تشكل مواجهته حاليا الشغل الشاغل لاسرائيل في المحافل الدولية والاقليمية.
اقتصاديا
– في ظل هذا التباعد الاقليمي الواضح حاليا من كردستان العراق، والذي من الطبيعي انه سوف يتطور اكثر نحو مقاطعة اقتصادية واجتماعية كاملة او شبه كاملة مع دول الجوار، سيكون لاسرائيل دور اساسي في كسر هذه المقاطعة الاقتصادية على الاقل، الامر الذي سيؤثر سلبا على اسواق الدول المحيطة في خسارتها ملايين المستهلكين الاكراد، والذين سوف يتلقفهم الاقتصاد الاسرائيلي بشغف وباحتضان.
– من ناحية اخرى، سوف يقتل هذا الترابط الجغرافي المعادي لمحور المقاومة التواصل الاقتصادي بين ايران والعراق من جهة وبين سوريا ولبنان والبحر المتوسط ودول الاتحاد الاوروبي من جهة اخرى، وما في ذلك من خسارة استراتيجية في قطع خطوط نقل الغاز والنفط والتي لم تكن بعيدة عن الاسباب الرئيسية للحرب على سوريا.
واخيرا … انها بكل بساطة التداعيات الكارثية من انفصال كردستان العراق، والتي تتعدى ما هو ظاهر منها لناحية الديمقراطية وحق تقرير المصير وحق احترام الثقافة والخصوصية التاريخية في اللغة وفي العادات الاجتماعية والشعبية، وحيث اسرائيل جاهزة لتلقف واستغلال هذه الازمة غير البسيطة. لا بد في مكان ما على اكراد العراق من مراجعة حساباتهم بتعقل وهدؤء وحكمة، ولا مفر ايضا للحكومة العراقية من اعادة النظر، بجدية وبصدق وبانفتاح في المطالب الكردية المحقة، في الاقتصاد وفي الادارة وفي الثقافة وغيرها، والتي لا تتعارض مع مصلحة العراق ومع سيادته من جهة، والتي تحمي من جهة اخرى مصلحة العرب والمسلمين في معركتهم التاريخية المفتوحة ضد العدو الاسرائيلي.
شارل أبي نادر / العهد الاخباري