التهافت السعودي في الحرب على الإرهاب
عمران نت/ 26 سبتمبر 2017م
خليل العناني
لا يملك المرء، وهو يستمع لكلمة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يتهم قطر بدعم الإرهاب، سوى أن يرفع حاجبيه تعجباً، ليس من جرأة الرجل غير المعهودة فحسب، وإنما من منطقه المتهافت في توزيع الاتهامات على دولة شقيقة من دون دليل. ولو جاء هذا الكلام من شخصٍ آخر لم يتورط خمسة عشر من بني وطنه في أسوأ هجمات إرهابية في التاريخ الحديث، قتلوا خلالها ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص في يوم واحد، وهناك ملاحقات لأفراد من العائلة الحاكمة في بلاده متورّطين في ذلك الحادث، لكان الأمر مفهوماً، وإن لم يكن مقبولاً. ولو جاء الكلام من وزير خارجيةٍ لا يستند نظام الحكم في بلاده على تحالف وثيق مع إيديولوجية دينية، أقل ما يمكن أن توصف به هو الرجعية والتطرّف، لربما كان لكلامه مصداقية.
يعكس منطق الجبير تهافتاً سعودياً مفضوحاً في محاولة لغسل أيدي بلاده من التورط في دعم جماعات متشدّدة، سواء من خلال نشر الإيديولوجية الوهابية، وما تحمله من تفسيرات متشدّدة ومغلقة للدين، إلى الدعم المادي والعسكري لها، سواء في أفغانستان إبان الثمانينيات، أو في سورية وليبيا بعد الربيع العربي. وهي محاولة للقفز إلى الأمام، عبر توريط غيره في مسألة دعم الإرهاب. حاول الجبير، وهو الذي فشل فشلاً ذريعاً في ملء فراغ سلفه الأمير سعود الفيصل، أن يتقمص شخصية وزير خارجية دولة ليبرالية عريقة، تعطي الآخرين دروساً في محاربة الإرهاب، عبر لوم الآخرين. وقد زاد الطين بلة، حين غازل الرجل إسرائيل، ملمحاً إلى ضرورة إنهاء الصراع معها، حتى ولو على حساب الحقوق الفلسطينية. وهو هنا يسير على خطى الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي نادى من على المنبر نفسه، قبل أيام، بضرورة حماية الأمن الإسرائيلي.
يتوازى حديث الجبير مع الحملة المسعورة التي تشنها سلطات بلاده على شخصياتٍ دينيةٍ، معروفة ليس فقط باعتدالها ووسطيتها، مثل الدكتور سلمان العودة، وإنما أيضا بدعمها نظام بلاده لحربه في اليمن، وصراعها مع إيران. وهو لا يخجل من أن يقع في تناقض فجّ، حين يرى في قطر مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة، بينما بلاده متورّطة في صراعات المنطقة من شرقها إلى غربها. وليس هناك شك في أن بعض فقرات خطاب الجبير، إن لم يكن الخطاب كله، قد كُتبت في أبوظبي، وروجعت في القاهرة، وذلك قبل أن يلقيها في الأمم المتحدة. فلم يعد خافياً على أحد مدى النفوذ والتغلغل الذي تتمتع به أبوظبي الآن في أوساط النخب السعودية السياسية والإعلامية، خصوصا فيما يتعلق بملفي قطر والإسلام السياسي. وهو ما يفسّر التحول الجذري لدى السعودية تجاه كلا الملفين في الشهور القليلة الماضية. بل لا مبالغة في القول إن ثمة تنسيقاً كبيراً مع تل أبيب، فيما يخص هذين الملفين أيضا. وهي مسألة لم تعد السعودية تخفيها، بل تجاهر بها علناً، وتعتبرها من أوراق تقارب اللعبة الجديدة في المنطقة.
وبمنطق الجبير الذي اتهم قطر بزعزعة استقرار المنطقة، يمكن بسهولة اتهام السعودية بزعزعة استقرار جيرانها، سواء في البحرين من خلال قمع انتفاضتها السلمية في العام 2011، وفي العراق بدعم القبائل السنية قبل سنوات، وفي سورية بدعم المعارضة المسلحة، وفي اليمن بدعم مليشيات علي عبد الله صالح، عندما كان حليفاً لها، وأخيراً في قطر بالتحريض عليها دولياً والسعي العلني إلى تغيير نظامها.
يحاول الجبير، ومن خلفه حلفاؤه الجدد في المنطقة، تركيز الأنظار على العدو الجديد، وهو قطر، من أجل لفت الأنظار بشأن الفشل الذريع الذي أصاب سياسات بلاده في كل ملفات المنطقة، بدءاً من العراق، مروراً بسورية واليمن، وانتهاء بإيران. وهو، كمن يقف خلفه، يعتقدون أن قطر هدف سهل يمكن اصطياده وتقديمه قرباناً لولي العهد الجديد، كي يدشّن به حكمه المنتظر. ولا يدري أنه بذلك يدقّ مسمار نعشٍ في شرعية نظام بلاده التي تقوم على التحالف المتين مع رجال الدين.
يقف الرجل، ومعه بلاده، على الجانب الخطأ من التاريخ، وهم يذهبون بعيداً في خلافهم مع جارتهم، بعد أن حرقوا كل مراكب العودة إلى العقل والحكمة، وضربوا بكل روابط التاريخ والدم والقبيلة عرض الحائط، وهو ما لم يحدث في كل جولات الخلاف السابقة. وهو ما يؤكد النوايا المبيّتة تجاه قطر، والتي لم تعد خافية على أحد.
العربي الجديد