أوروبا و محمد بن سلمان … مستقبل العلاقات السعودية الأوروبية
عمران نت/ 26 سبتمبر 2017م
بعد أن تمكن «محمد بن سلمان» من الحصول على الدعم من «دونالد ترامب»، هل بقي لدى «بن سلمان» وقتا أو رغبة في البحث عن مزيد من الشراكات مع الدول الأوروبية خارج التحالفات التاريخية التي أصبحت متأصلة مؤخرا في التجارة ومبيعات الأسلحة والمخاوف الأمنية.
منذ الحرب العالمية الثانية، كانت العلاقات السعودية مع الدول الأوروبية الرائدة، وتحديدا بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ثانوية بالنسبة لمشروع التكامل العسكري والأمني مع الولايات المتحدة. وقد رأت دولا أوروبية عديدة، وخاصة فرنسا وبريطانيا، فرصة سانحة للحصول على مزيد من التعاون مع السعوديين بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، مع افتراض أن الولايات المتحدة لن تكون مستعدة لمواصلة دعمها غير المشروط للمملكة بعد أن أصبح من المعروف أن 15 من بين الخاطفين الذين هاجموا نيويورك كانوا سعوديين. وقد أثبتت تلك الدول نيتها الطيبة تجاه السعوديين من خلال بيعهم الأسلحة التي رفض بيعها الكونجرس الأمريكي للسعودية، ومن خلال وضع أوروبا كحليف قديم يدرك حقيقة أهمية السعودية وتاريخها وقيادتها أكثر من الأمريكيين. ومن ناحية أخرى، سعت المملكة إلى تنويع مصادر أسلحتها واستغلت الفرصة بشراء المزيد من الأسلحة من أوروبا.
بريطانيا
وفي ظل حكومة «ديفيد كاميرون» المحافظة، بلغت مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية نحو 6 مليارات جنيه إسترليني. وكانت بريطانيا بحاجة إلى تعزيز تجارتها مع الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص بعد الأزمة المالية عام 2008 مباشرة. وبضغط من السعودية والإمارات العربية المتحدة، أمر رئيس الوزراء البريطاني بإجراء تحقيق بشأن جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، بهدف حظر الجماعة الإسلامية والحد من انتشارها العالمي. وكانت السعودية، حريصة على حرق الأرض تحت أقدام الإخوان في مصر بعد انتفاضة عام 2011، وتم حظر الجماعة في السعودية نفسها. ولم يعثر التحقيق الذي قاده السفير السابق في المملكة «جون جينكينز» على أي علاقة واضحة للجماعة بالإرهاب. ويواصل الإخوان المسلمين حضورهم تنظيميا في بريطانيا. واستغرق الأمر عدة أشهر من الحكومة البريطانية لإطلاق المعلومات التي تم جمعها خلال فترة التشاور، ولم تكن السعودية مسرورة بنتائج التقرير.
وأصبحت حملة البحث عن علاقات أوثق مع المملكة أكثر إلحاحا بعد الاستفتاء البريطاني عام 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث أصبح من المؤكد أن الاقتصاد البريطاني سيواجه إمكانية التقلص بعد خروجه من الاتحاد الأوروبي. وقد التزمت رئيسة الوزراء «تيريزا ماي» بتعهدها بأن تظل صديقة للسعوديين بامتناعها عن اتخاذ أي إجراءات أو الإدلاء ببيانات من شأنها أن تحرجهم على الساحة الدولية. وعلى غرار الزعماء الأوروبيين الآخرين، هرعت إلى زيارة السعودية كجزء من جولة خليجية. وفي أبريل/نيسان عام 2017، وصلت إلى الرياض (قبل ترامب)، وسعت إلى تعزيز العلاقات التجارية مع المملكة.
وفي الآونة الأخيرة، واصلت «تيريزا ماي» حظر نشر تقرير التحقيق الداخلي في الرعاية السعودية للأيديولوجية الدينية الراديكالية في بريطانيا. ويعتقد بأن «تيريزا ماي» لا تزال تقاوم تعريض السعودية لمزيد من النقد سواء في بريطانيا أو أوروبا. وقد يؤدي الإفراج عن التقرير إلى تقويض العلاقات مع الرياض في لحظة حاسمة بالنسبة لبريطانيا، في الوقت الذي تسعى فيه لشركاء تجاريين جدد لتعويض خسائرها المتوقعة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومنذ عام 2015 عندما بدأت السعودية ضرباتها الجوية على اليمن، تعرضت بريطانيا لضغوط متزايدة من اللجان البرلمانية ومنظمات المجتمع المدني التي تعارض بيع الأسلحة للدول التي لا تحترم حقوق الإنسان وانتهاك القانون الدولي من خلال التدخلات العسكرية غير القانونية في الخارج. وأصبح هذا الأمر ملحا بعد أن أطلق «محمد بن سلمان» هجومه، باستخدام القنابل العنقودية البريطانية وغيرها من الأسلحة المحظورة. وقد دفعت أعداد القتلى من المدنيين في اليمن، التي تقدر بأكثر من 10 آلاف، والأزمة الإنسانية الناجمة، الرأي العام البريطاني لرفض بيع الأسلحة، ولكن منطق الحكومة البريطانية لا يزال ثابتا: «إذا لم نبع الأسلحة للسعوديين، فسوف يفعلها الفرنسيون».
فرنسا
ومثل بريطانيا، بعد 11 سبتمبر/أيلول، أصبحت فرنسا والسعودية مترابطتين من خلال سلسلة من صفقات الأسلحة التي عززت الاقتصاد الفرنسي، ومنحت السعودية الشعور بالأمن، خاصة بعد أن ظلت فرنسا تنتقد بشدة سياسة إيران في المنطقة، ولا سيما في لبنان وسوريا والعراق. وكانت المساعدات العسكرية السعودية للبنان مشروطة بشراء معدات من فرنسا، وهو اتفاق تم التفاوض عليه مع رئيس فرنسا آنذاك «فرانسوا هولاند». إلا أن السعودية ألغت هذه المنحة إلى لبنان للضغط على حزب الله المدعوم من إيران، لكنها تعهدت بتعويض فرنسا عن خسائرها.
وتوجهت السعودية بنظرها إلى فرنسا لدعمها في مساعيها للإطاحة بالرئيس السوري «بشار الأسد» وتعزيز المعارضة السورية لنظامه. كما توقعت من فرنسا عدم تطبيع العلاقات مع إيران بعد الاتفاق النووي، وأن تحافظ على انتقاد سياستها الإقليمية. وقد التزمت فرنسا بذلك من أجل الحفاظ على تجارتها العسكرية المربحة مع السعودية ودول الخليج المجاورة. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، لم تنجح سياسة الإطاحة بـ«بشار الأسد»، وتواجه حاليا كل من السعودية وفرنسا، وفي الواقع معظم الأطراف الأوروبية المعنية، هزيمة خطيرة في سوريا. وفي بلد كانت فيه السياسة الخارجية من اختصاص الرئيس منذ عهد الجنرال «ديغول»، قد تستمر فرنسا في البحث عن علاقات أوثق مع المملكة بعد الانتخابات الفرنسية لعام 2017. لكن الأزمة السورية والفشل في حل الأزمة لا تزال تطارد كلا البلدين.
ويضيف إلى ذلك الأزمة السعودية القطرية الجديدة التي بدأت في مايو/أيار هذا العام. ويتوقع «محمد بن سلمان» من فرنسا ودولا أوروبية أخرى قبول الرواية السعودية حول رعاية قطر للإرهاب، بما في ذلك دعمها لحركة حماس والإخوان المسلمين، وزعزعة استقرار المنطقة، والسياسات الإعلامية التدخلية لقناة الجزيرة الإخبارية. وقد يتعرض الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا «إيمانويل ماكرون» لضغوط من أجل تأييد السعوديين ضد قطر، وهي خطوة من شأنها أن تقوض مصالح فرنسا الاقتصادية والعسكرية الأكبر مع هذه الدولة الخليجية الصغيرة والغنية.
ألمانيا
ورغم وجود علاقات اقتصادية وعسكرية واسعة النطاق مع المملكة، كانت ألمانيا أقل حماسا إزاء الصعود المفاجئ للشاب «محمد بن سلمان» إلى السلطة. وفي عام 2015، تم تسريب تقرير للمخابرات الألمانية ينتقد الأمير. واعتبر التقرير سبب القلق هو «تأثيره الإقليمي المزعزع للاستقرار». وفي حين أنه من غير المألوف أن تقوم أجهزة الاستخبارات الألمانية بنشر مثل هذه التقارير، ربما جاء التسريب كإشارة تحذير متعمدة موجهة للمجتمع الدولي بشكل عام، وشركاء ألمانيا الأوروبيين على وجه الخصوص.
ولم يحضر كل من الملك «سلمان» وابنه قمة مجموعة العشرين السنوية في هامبورغ في يوليو/تموز، على الرغم من أن هذا قد يكون بسبب انشغالهم بأزمة قطر المتصاعدة. ولعل السعودية لا تريد أن تواجه ضغوطا إضافية من أعضاء مجموعة العشرين لحل الأزمة والسعي إلى التفاوض، بدلا من الطريق الذي اختاروه، للمواجهة مع الإمارة الصغيرة. وتجنب الملك وابنه المزيد من الاستجواب عن طريق إرسال وزراء التكنوقراط إلى اجتماع مجموعة العشرين. وقد يكون هناك سبب آخر يتعلق بالإقالة المفاجئة لـ«محمد بن نايف»، والإقامة الجبرية التي يزعم أنه يخضع لها، وكلاهما يدل على لحظة صعبة للملك، نظرا لأنه يواجه في ذلك عددا كبيرا من الأمراء الطموحين الغاضبين، وكثير منهم كبار في السن وأكثر خبرة من ابنه الصغير.
إلا أن المملكة تعتز بالعلاقات الاقتصادية مع ألمانيا، بالإضافة إلى فرص التدريب التي توفرها للشباب السعودي. وفي عام 2016، دعت السعودية ألمانيا لتكون ضيف شرف في مهرجان الجنادرية السنوي تحت إشراف الحرس الوطني. ومع ذلك، وحتى مع بيع أكثر من نصف مليار يورو من الأسلحة إلى المملكة، تم رفض ألمانيا كشريك تجاري عسكري في المستقبل، بعد انتقادها للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. وأعربت المستشارة «أنجيلا ميركل» عن قلقها إزاء ارتفاع مستوى الخسائر فى صفوف المدنيين، وأصرت على رفض أي حل عسكري للصراع في اليمن. وقد ردت السعودية على الفور برفضها أي صفقات أسلحة من ألمانيا في المستقبل.
لا وقت لأوروبا
وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة القائمة بين السعودية والدول الأوروبية المذكورة آنفا، لا يبدو أن ولي العهد السعودي الجديد قد يجد الوقت اللازم للنظر إلى أوروبا في الوقت الراهن. وبالنسبة له، تبقى أوروبا مصدرا لأي أسلحة لا يستطيع الحصول عليها من الولايات المتحدة، وشبكة من الدعم لسياساته الإقليمية، وخاصة في المنافسة مع إيران وأجندته التدخلية.
ويؤدي ذلك إلى أن يتنافس مصنعو الأسلحة والحكومات الأوروبية على اهتمام الأمير الشاب، حتى لو كان ذلك يقوض مصالحهم الوطنية من خلال الاستمرار في الدعم غير المشروط للمملكة. ومن شأن وجود سياسة أوروبية مثمرة أن تدفع المملكة نحو مزيد من الحوار مع إيران مع تسوية مؤقتة مع هذه القوة الإقليمية الهائلة، بدلا من الانحياز إلى الجانب السعودي ببساطة، خشية أن يتم تحويل صفقات الأسلحة المربحة إلى أماكن أخرى.
وعلاوة على ذلك، بالنظر إلى المصالح الوطنية للحلفاء الأوروبيين للمملكة، سيكون من الأفضل تشجيع السعوديين على السعي إلى الوساطة وحل النزاعات في معاركهم الإقليمية، من دمشق إلى صنعاء. وكما هو الحال بالنسبة للتدخلات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، كان للتدخل السعودي في الشؤون الداخلية للدول العربية آثارا مدمرة، وأطال أمد الصراعات، ودفع إلى تسليح الانتفاضات العربية، وتصعيد الصراعات الطائفية، والتسبب في الكوارث الإنسانية، والتدفق غير المسبوق للاجئين إلى البلدان الأوروبية. ولا يزال دور المملكة في نشر الأيديولوجية الدينية الراديكالية موضوعا محرما في العديد من العواصم الأوروبية، حيث لا تزال الحكومات هناك تفضل الصمت وعدم مواجهة الرياض، برغم الدلائل الواضحة على تورطها في تطرف السكان الإسلاميين المضطربين.
وربما تكون أوروبا قد فقدت المرشح السعودي المفضل لها، ولي العهد السابق، الأمير «محمد بن نايف»، الذي أقام علاقة جيدة مع أجهزة المخابرات الغربية، حيث كان ينظر إليه على أنه لاعب رئيسي في مكافحة الإرهاب. وتهيمن مكافحة الإرهاب على الأجندة السياسية الأوروبية من لندن وباريس إلى بون وما بعدها.
ترجمة شادي خليفة – الخليج الجديد