خفايا الموقف الأمريكي من استفتاء كردستان
عمران نت/ 26 سبتمبر 2017م
وقع الكثيرون في فخّ بيانات البيت الأبيض والخارجيّة الأمريكية حول استفتاء كردستان، ولعل رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي أحد أبرز هذه الأطراف.
فبعد بيانات سابقة أمريكية ترفض استفتاء كردستان العراق، أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن خيبة أملها بسبب الاستفتاء على الاستقلال الذي أجراه الإقليم، مؤكدة أن هذا الاستفتاء “سيزيد من اختفاء الاستقرار والمصاعب” في الإقليم. فما هي حقيقة الموقف الأمريكي تجاه استفتاء استقلال، كردستان؟ ولماذا أبدت دعماً سياسياً لرئيس الوزراء العراقي الذي عارض بشدّة موضوع الاستفتاء؟
يكشف التدقيق في مسار المواقف الأمريكية تجاه الأكراد بشكل عام، والاستفتاء على وجه الخصوص، عن مواقف عدّة تؤكد أنّ واشنطن عملت منذ اليوم الأوّل وحتى اليوم الأخير، على دعم الاستفتاء ولكن من تحت الطاولة، إلا أنّها كانت تُبرز دعمها لموقف الحكومة العراقيّة لأسباب سنذكرها بين ثنايا هذه السطور.
كثيرة هي المواقف الأمريكية التي تكشف حقيقة موقف واشنطن الحقيقي حيال الاستفتاء، ففي حين دعم السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة جون بولتن إجراء الاستفتاء الكردستاني، يوضح رئيس مركز جيوستراتيجي الأمريكي للدراسات بيتر هوسي أن إعلان الدولة الكردية سيكون في مصلحة واشنطن كونه يحد من تنامي النفوذ الايراني في المنطقة، ويقلل من مخاوف سيطرة ايران بشكل كلي على العراق.
قد لا يقتنع البعض بهذه الآراء كونها محدودة، وصادرة عن أطراف أقلّ فعالية في القرار الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، إلا أن التدقيق مليّاً في مقاربة واشنطن لموقفها تجاه كردستان العراق يكشف جملة من الحقائق، التي سنشير إليها في عدّة نقاط.
أوّلاً: تعدّ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن المسؤولة عن زرع بذور الانفصال التي تُرجمت اليوم استفتاءً باعتبار أنّها أعطت خلال احتلالها للعراق وصياغة دستوره في العام 2005 أيّام الحاكم بول بريمر استقلال “غير رسمي” عبر مظاهر سياديّة غير محدود تقريباً قد غذّت من خلالها التطلعات الانفصالية للإقليم عن حكومة بغداد.
ثانياً: يعزّز هذا الاستفتاء موقف واشنطن في المنطقة، خاصّة انّها لم تعد تمتلك فعلياً على الساحتين السورية والعراقيّة سوى الأكراد التي تنظر إليهم كحصان طروادة لتحقيق مشاريعها. فكما حاولت واشنطن ابعاد شبح المقاومة عن احتلالها للعراق عام 2006 عبر الفتنة المذهبيّة التي حيّدت قوّاتها عن الواجهة، وكما عادت إلى العراق عبر البوابة الإرهابية (داعش)، تستخدم اليوم الأكراد لتعزيز دورها وإشغال دول المنطقة في مواجهة جديدة يغذّيها التصّب القومي. بعد أن نجح الشعب العراقي في وأد الفتنة المذهبية، ولاحقاً التكفيري، يبدو أنّه اليوم سيكون على موعد مع حرب قوميّة بين الأكراد من ناحية، والعرب والتركمان من ناحية أخرى، علّ واشنطن تنجح في بسط يدها مجدّداً على مقدّرات الشعب العراقي. لا تريد واشنطن لنيران هذه الحرب أن تبقى داخل العراق، بل أن تطال دول الجوار كتركيا وايران وسوريا.
ثالثاً: يمكن الانطلاق في فهم الموقف الأمريكي من خلال مقال للكاتب الأمريكي المخضرم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، جيمس جيفري، كونه عارفاً بتفاصيل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، خاصّة أنّه كان سفيراً لدى تركيا (2008-2010) والعراق (2010-2012) وهي المرحلة التي شهدت الانسحاب الأمريكي من البلاد. يلخّص جيفري في مقالة نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قبل خمسة أشهر تقريباً الاستراتيجية الأمريكية في العراق، والتي نرى اليوم خطواتها التنفيذية. يؤكد جيفري أنّه “من غير المستبعد تلويح واشنطن لبغداد بورقة التقسيم في حال رفض العراق التواجد العسكري والاقتصادي الأمريكي في مرحلة ما بعد تنظيم داعش الإرهابي”. وبالفعل برزت لدى واشنطن خشية من الرفض العراقي، الأمر الذي دفعها للعب من تحت الطاولة، لماذا؟ الإجابة تكمن في كلام جيفري نفسه عن العراق الذي “فيه ما يقرب من ثلثي احتياطيات السعودية من النفط والغاز، ويحتوي على مياه وفيرة”. أي أنّ واشنطن تريد ضمان موقفها من العراق في حال حدوث أيّ رد فعل ثلاثي عراقي-ايراني-تركي ينهي مفاعيل الاستفتاء، عبر مواقف إعلاميّة تدعم فيها حكومة العبادي. بل أكثر من ذلك، حتى لو خلص الاستفتاء إلى ما تصبوا إليه واشنطن، فإن الإدارة الأمريكية تريد الحضور العسكري والاقتصادي في كردستان والعراق على حدّ سواء.
رابعاً: نفّذ معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو مركز فاعل في القرار الأمريكي تجاه الشرق الأوسط وخاصّة في حقبة الحزب الديمقراطي (أوباما) حينها، في نوفمبر 2015 زيارة إلى العراق برفقة قوات التحالف الدولي ولاهور طالباني، رئيس مخابرات كردستان العراق. لماذا يرافق مايكل نايتس (متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران والدول الخليجیة) رئيس مخابرات كردستان وليس أي شخص آخر؟ واذا كانت واشنطن بالفعل لا تريد الاستفتاء لماذا لم تلوّح بعقوبات على الأكراد، أو بوقف تسليح قوّات البيشمركة؟
يبدو واضحاً أن واشنطن تسعى لإمساك العصا من الوسط بين الحكومة المركزيّة وإقليم كردستان العراق، وفي حين تميل في تصاريحها ومواقفها الإعلاميّة إلى دعمها لاستقلال العراق ووحدة أراضيه، إلاّ أنّ مواقفها العسكريّة تؤكد عكس ذلك تماماً، من ضمنها إبرام صفقات عسكرية بملايين الدولارات مع قوات البيشمركة الكرديّة. ولكن لماذا كل هذا الاهتمام الأمريكي بالملفّ العراقي؟ الإجابة ظهرات على لسان أحد الدبلوماسيين الأمريكيين أن “قرار استقرار المنطقة برمتها يتوقّف على اتخاذ العراق القرار الصائب”، فواشنطن لا تريد عودة بلاد الرافدين إلى دورها العربي والإقليمي الريادي.
في الخلاصة، لا يخرج الموقف الأمريكي عن “برستيج” واشنطن الدبلوماسي الذي يناور على كافّة الحبال حتى يحدّ من نسبة الخسائر ويرفع من نسبة المكتسبات بصرف النظر عن النتيجة.
الوقت