محاولات السعودية للهيمنة على القبائل القطرية من الداخل
عمران نت/18 سبتمبر2017م
رغم الضغوط التي مارستها وتمارسها السعودية والدول الحليفة لها ضد قطر منذ عدّة أشهر والتي أخفقت في تحقيق أهدافها لازالت الرياض تسعى لإرباك الوضع في الداخل القطري من خلال محاولة الهيمنة على بعض القبائل في هذا البلد.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف عمدت الرياض إلى إغراء عدد من شيوخ ورؤساء القبائل في قطر لتكثيف الضغوط الاجتماعية والسياسية على هذا البلد.
ومن المعروف أن القبائل في دول مجلس التعاون ومن بينها قطر والسعودية تلعب دوراً مهماً في تغيير موازين القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه البلدان، ومن هنا يمكن إدراك طبيعة المساعي التي تبذلها سلطات الرياض للتأثير على القبائل القطرية خصوصاً بعد فشل محاولاتها في إخضاع هذا البلد لإرادتها رغم الضغوط الكبيرة التي لجأت إليها في هذا المجال.
ومن المعروف أيضاً أن قطر تضم أكثر من ثلاثين قبيلة أشهرها “آل تميم” و”آل عطية” و”آل مرّة”، بالإضافة إلى قبائل البوعينين والدواسر والعجمان والمحاميد والمرازيق وسبيع ولهيب وعتيبة، وغيرها.
وقد أكدت الكثير من هذه القبائل ولاءها لأمير قطر “الشيخ تميم بن حمد آل ثاني” فيما رفضت قبائل أخرى الزج باسمها بقصد الضرب في النسيج الاجتماعي والترابط السياسي داخل البلاد.
ودانت معظم هذه القبائل في مناسبات مختلفة حصار التحالف السعودي على قطر واصفة إيّاه بالجائر والظالم، وبأنه محاولة بائسة لضرب اللحمة الوطنية وتقطيع لصلات الأرحام والقرابة والسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في البلد.
وقد نجحت الأسرة الحاكمة القطرية إلى حد كبير في جمع قبيلة آل تميم تحت زعامتها، بما فيها فرعها القوي في نجد بالسعودية، لكن الرياض تساند قبيلة آل مرة المعارضة للحكم في قطر، والتي اتهمتها الدوحة بمحاولة الانقلاب في عام 1996.
وتعول السعودية على العلاقات بين قبائلها والقبائل القطرية لإحداث تغيير في قطر خصوصاً وإن الكثير من رؤساء هذه القبائل يتمتع بنفوذ كبير في أوساط قبيلته بالإضافة إلى الأنشطة التجارية التي تقوم بها هذه القبائل والتي من شأنها أن تلعب دوراً في تغيير المعادلة الاقتصادية في وقت تسعى فيه الدوحة إلى مواجهة هذا التحدي من خلال تفعيل آليات جديدة للتخفيف من الضغوط الكبيرة التي فرضت عليها في هذا المجال حتى الآن.
ويرى البعض في موقف الرياض من حكومة الدوحة حالياً، بأنه يمثل مظهراً من مظاهر العقلية القبلية وليست باعتبار قطر دولة مستقلة ذات سيادة، وكأن الأمر يستدعي للمخيلة الحروب التي كانت تشن بين القبائل في زمن الجاهلية.
وتعد العلاقات الاجتماعية بين قطر والسعودية هي الأقوى على مستوى دول مجلس التعاون. حيث تعود أصول معظم القبائل القطرية إلى نجد في الحجاز، فأسرة آل ثاني الحاكمة على سبيل المثال تعود أصولها إلى مدينة “أشيقر” بمنطقة الوشم في نجد ولا يزال لهم مزارع وأملاك في الديرة القديمة من هذه المنطقة. كما أن أسرة العطية المقربة من مؤسسة الحكم في قطر هم أولاد عم آل سعود الأسرة الحاكمة في السعودية.
أما بخصوص قبائل البادية في قطر مثل آل مرة و بني هاجر فقد كان معظم أفرادها إلى وقت قريب يحمل الجنسيتين القطرية والسعودية ولديهم أملاك ومنازل في الدولتين.
ويرى بعض المراقبين بأن الملك السعودي الحالي “سلمان بن عبد العزيز” يختلف عن سلفه عبد الله، فعلاقاته مع دولة قطر وأميرها السابق “حمد بن خليفة” كانت دائما تتسم بالتوتر، حتى أنه متهم بلعب دور رأس الحربة في انقلاب عام 1996 الذي أراد الإطاحة بالأمير السابق.
ويبدو أن محاولة شق الأسرة الحاكمة في قطر، والتلويح بإمكانية حدوث انقلاب في أوساطها من قبل الإعلام السعودي يمثل بنظر المتابعين ذروة محاولات الرياض لرفع سقف التصعيد مع الدوحة إلى أعلى المستويات.
وقد حاولت سلطات الرياض كثيراً استمالة بعض رجال القبائل لاسيّما من قبيلة آل مرة المتواجدين في قطر، وعمدت إلى استغلالهم ضد حكومة الدوحة ضمن ملفات أخرى لم تحسم بعد في الخلاف القطري – السعودي.
أخيراً يمكن القول بأن الأزمة الحالية بين السعودية وقطر ليست مجرد حالة استعراضية لمحاولة بسط نفوذ الأولى على الثانية؛ بل هي تعكس المأزق الذي تعاني منه معظم دول مجلس التعاون وتناقضاتها التي تجعلها نموذجاً للبلدان التي تجمع ما بين طغيان القبلية وتأثير التركيبة السكانية حيث يتصدر المال في توجيه السياسة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وحيث يحرص الكثير من الأفراد على إبراز التمايز القبلي في شتى الممارسات الاجتماعية، فلا يعلو سوى صوت القبيلة حتى وإن كانت لا تعمد للاستيلاء على الحكم المركزي في أغلب الأحيان.