هل استعدت الأمة لحرب عالمية ؟
عمران نت/ 6 سبتمبر 2017م
إيهاب شوقي*/العهد الاخباري
لا يستطيع العالم ان يتحمل طويلا المرحلة الراهنة والتي عنوانها لا حرب ولا سلام.
فهي ليست حربا باردة تم تسوية نزاعها العالمي الذي سبقها بمعاهدات تحترم مناطق النفوذ وقد تسخن بعض جبهاتها تارة وتفتر اخرى.
وانما هناك ملفات لم يتم تسويتها وازمات تستدعي الحسم للخروج منها ومستقبل غامض يستدعي تدشينه او الخوض في غمار صراع بالذخيرة الحية لاختبار القوة وتبين مآلات الصراع وتحسس ملامح المستقبل.
هذه الحالة والتي يبدو العالم فيها على اكثر من جبهة يحبس انفاسه وينتظر المجهول وينتظر ضربات البداية من مناطق جديدة غير المعتادة ومن اطراف كانت صاحبة رد الفعل لا المبادرة، هو فوق الاحتمال ويشبه ورما استفحل واصبح يشكل الما لا يحتمل يستدعي تدخلا جراحيا مهما كانت المخاطرة!
وقد تكون الولايات المتحدة هي رجل العالم المريض حاليا، فهي تمتلك من القوى المدمرة ما يحفظ مصالحها وهيبتها وفي ذات الوقت تعجز عن استخدام ما لديها كي لا تفرط في هذه الهيبة نظرا للمستجدات العالمية وتوفر ما يمس هيبتها لدى الاخرين!
من هنا فان المقاربة الامريكية مختلة فقد يكون قرار انتزاع الهيبة هو قرار زوالها وقد يكون قرار انتزاع السيادة على المعبد هو قرار هدمه، وهي حالة مربكة تنعكس على ممارسات امريكا في الداخل والخارج.
ففي الداخل تنعكس في صراعات خرجت للعلن بشكل غير مسبوق وفي الخارج انعكست في سياسات مرتبكة متناقضة.
والمتابع للتحليلات السياسية الداخلية الامريكية يلمح نصائح متناقضة وانتقادات حادة لسياسات سابقة وإلقاء للاتهامات المتبادلة بين الخبراء وهو ما يشي بكل اريحية بنتيجة مفادها الارتباك والصراع.
وربما فات العديد من المحللين المتصارعين مفارقة اكتشفها والقى الضوء عليها الكاتب المصري الراحل الكبير جمال حمدان، حيث اكتشف ان “الاحتكاك الحضاري الذي يصاحب الاستعمار لا يلبث أن يضيق الهوة الحضارية – التي هي أساس التفوق العسكري للاستعمار – بين القوة الدخيلة الداخلية. وهكذا يؤدي منطق الاستعمار من صميم نفسه وبطريقة ديالكتيكية ناعمة سلسة إلى نقيضه تماماً. تلك متناقضة ساخرة في منطق الاستعمار، وهي وحدها تجعل نهايته محتومة بطبيعته، فهو يهزم أغراضه ويستهلك نفسه بنفسه ويحمل في كيانه جرثومة فنائه”.
نعم ان القوى الكبرى تجني ثمرة زرعها للنفوذ في مناطق بعيدة حيث اصبحت لا تستطيع السيطرة على مستعمراتها الخارجية تماما مثل ما حدث مع بريطانيا العظمى، الان امريكا العظمى ومستعمراتها في اسيا تكاد تنفلت من انيابها بل والامر يتجاوز ذلك حيث يصل التهديد لانيابها ذاتها!
والامة العربية والاسلامية في هذا الصراع وبكل صراعاتها الداخلية وحجم الاحتقان والاقتتال هي مجرد جبهة ومجرد ملف من ملفات الصراع لان قرارها الرسمي اختار ذلك وكان امامه ان يكون طرفا اصيلا.
الا ان من عوامل امراض الرجل العالمي الامريكي ان الامة برزت فيها بؤر مقاومة استطاعت ان تشكل رقما في الصراع واستطاعت ان تفسد الهيمنة الامريكية وضمان هذه الجبهة العالمية، وهي قوى المقاومة والتي شكلت شوكة وحقلا للالغام تحت احذية المارينز الثقيلة.
ان مشكلة امريكا مع كيم في كوريا الشمالية هي مشكلتها مع المقاومة، حيث برزت قوى لم تعمل لها امريكا حسابا في مناطق تصورت انها ساحات لمواجهة اطراف اكبر، ففي اطار هيمنتها على شرق اسيا تصورت ان الصين هي الطرف الاصيل المنافس، فبرز كيم ليفسد سيطرتها على المجال الحيوي لمنافسها، وفي اطار هيمنتها على الشرق الاوسط تصورت ان روسيا هي الطرف الاصيل، فبرزت المقاومة.
والان تعد ايران وكوريا الشمالية قضيتين مرتبطتين في العقل الاستراتيجي الامريكي، فهي لا تستطيع اخضاع احداهما الا بضرب الاخرى، في حين ان مخاطرة الاقدام على خطوة تجاه اي منهما تدخل في نطاق التهور غير المحسوب وهي اشكالية امريكا الان.
ان الاشكالية الكبرى هي انه لا توجد مقايضات فامريكا مهددة بفقدان نفوذها في الجبهتين معا وهو ما لا يمكن قبوله امريكيا بينما لو تنازلت وخفضت سقف طموحها لتضمن جبهة وتتنازل عن الاخرى فلن يسمح لها لان كلفة حسمها لاي جبهة منهما مخاطرة!
هذه الاشكالية قد تدفع الامور لحرب عالمية لاعادة التفاوض على كامل الجبهات واعادة ترتيب النفوذ وهو يبدو قرارا لا مفر منه ومؤجل فقط بفعل التداعيات المرعبة، الا ان البدائل لدولة تعيش على الهيمنة هي اكثر رعبا.
فالبديل ان تعود امريكا لحدودها وتعترف بالهزيمة، ولكن هل تستطيع امريكا فعل ذلك؟ وهل مؤسساتها ومنظوماتها مؤهلة للاستمرارية والعيش على نمط انعزالي ام انها صممت على ان تقتات استعماريا؟
ان الشواهد في منطقتنا والتي تحاول الجمع بين “اسرائيل” والعرب “المستعربة” لا تشي الا باعداد جبهة لوجستية موحدة داخل صراع جبهات كبرى، واي تملص من اية التزامات يقابل بعقاب فوري حيث لا وقت للمراوغة، ولا تضحي امريكا باي اطراف لانها في حالة استعداد دؤوبة لحرب قد تنطلق شرارتها رغما عنها، فهي ليست بالضرورة هذه المرة من يطلق الضربة الاولى.
في حرب تكاد تكون حتمية وتؤكدها الشواهد كلها، ما هو مصير امتنا؟ يصعب التنبؤ باشياء الا ان هناك اشياء يكاد المنطق يحسمها دون جهد، وابرزها هو انهيار الانظمة التي ربطت نفسها بالاقتصاد العالمي ورهنت ارادتها بالقوى الكبرى، ففي حالة حرب كهذه فهي مناطق لوجستية محتلة ومخازن لقواعد عسكرية بالقوة طالما افتقدت مقومات البقاء الذاتي والقائم على الاستقلال الوطني، والضامن الوحيد لاستردادها بعد ايقاف النيران هو التماسك الأيديولوجي والفكري وتماسك الهوية وهو المنقذ الوحيد من الشتات.
في الواقع هي قراءة غير مرغوبة للواقع واستشراف غير محبب للمستقبل ولكن يحتمه الضمير البحثي وتفرضه مستخلصات المتابعة وشواهد الممارسات.
(*) كاتب صحافي مصري