العراق بعد “داعش” وهدف أمريكا من مواصلة تواجدها العسكري في هذا البلد
عمران نت/ 26 اغسطس 2017م
يحظى العراق بأهمية استراتيجية كبيرة في الشرق الأوسط بسبب موقعه الجغرافي من ناحية ولامتلاكه لاحتياطي كبير جداً من النفط من ناحية أخرى.
ومنذ عقود من الزمن لم ينعم هذا البلد بالأمن والاستقرار نتيجة تسلط حزب البعث على مقدراته والحروب التي شنّها نظام صدام على دول الجوار وتحديداً إيران والكويت. ولازالت التداعيات الكارثية لتلك الحقبة ماثلة للعيان على جميع الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
كما ساهم احتلال العراق من قبل أمريكا والقوات الحليفة لها عام 2003 في تكريس هذه الأزمات وما صاحبها من ويلات وكوارث، وفي مقدمتها دخول الجماعات الإرهابية إلى أراضي هذا البلد.
وبعد احتلال “داعش” لمناطق واسعة من العراق أصدرت المرجعية الدينية في النجف الأشرف فتواها الشهيرة بوجوب التصدي لهذا التنظيم الإرهابي، الأمر الذي حظي بتأييد منقطع النظير من قبل الشعب العراقي من خلال تشكيل الحشد الشعبي الذي تمكن من دحر هذا التنظيم بالتنسيق مع الحكومة العراقية ومؤسساتها الأمنية لاسيّما الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب.
ورغم الانتصارات الباهرة التي حققها العراق على الجماعات الإرهابية لا زالت تواجهه مشاكل كبيرة في مقدمتها استمرار تواجد القوات الأمريكية على أراضيه. فما هي أهداف هذا التواجد وكيف سيواجهها الشعب العراقي بعد الخلاص من “داعش”؟
نظرة أمريكا للعراق بعد “داعش”
يعتقد المراقبون بأن تكريس التواجد الأمريكي في العراق يهدف إلى تحقيق عدة أهداف يمكن تلخيصها بما يلي:
– تعزيز النفوذ السياسي لمواصلة التدخل في شؤون العراق والمنطقة برمتها على الرغم من معارضة الشعب العراقي والكثير من قواه ورموزه وفصائله الوطنية لهذا التواجد.
– بعد فشل الجماعات الإرهابية الموالية لأمريكا في تنفيذ خططها لتقسيم العراق عمدت واشنطن لانتهاج سياسة جديدة تضمن لها البقاء في هذا البلد من خلال إرسال المزيد من القوات العسكرية بذريعة تدريب القوات العراقية ومساعدة الحكومة العراقية في حفظ الأمن في البلد.
وتحت هذه الذريعة عمدت أمريكا إلى إقامة العديد من القواعد العسكرية في العراق من بينها قاعدة “عين الأسد” في غرب مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، وقد جهزتها بمختلف أنواع الطائرات الحربية من بينها مقاتلات من طراز “اف 16″ و”اف 18” والكثير من مروحيات “الأباتشي” و”تشينوك”، بالإضافة إلى الأسلحة والمعدات الحربية الحديثة والمتطورة الأخرى.
ومن القواعد العسكرية التي أقامتها أمريكا في العراق يمكن الإشارة أيضاً إلى القاعدة الموجود في منطقة “اليعربية” قرب الحدود العراقية – السورية وقاعد “اسبايكر الجوية ” التي تبعد نحو 15 كيلو متر جنوب شرق مدينة تكريت، وقاعدة “الدبس” في أطراف مدينة كركوك.
ويؤكد المتابعون بأن أمريكا أنشأت 12 قاعدة عسكرية أخرى في العراق، أكثرها في المناطق ذات الغالبية السنيّة أو الكردية في هذا البلد. ومن هذه القواعد “القاعدة الجوية” بمنطقة “الحريرة” في شمال أربيل، وقاعدة في منطقة التاجي في شمال بغداد، وأخرى قرب الحبّانية بمحافظة الأنبار.
– من الأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها من خلال مواصلة تواجدها العسكري في العراق محاولة مواجهة محور المقاومة المدعوم بقوة من قبل إيران والذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تقسيم المنطقة والاستحواذ على مقدراتها والتحكم بمصيرها.
– من المعلوم أن أمريكا ومنذ احتلالها للعراق عام 2003 سعت إلى السيطرة على ثروات هذا البلد وفي مقدمتها النفط باعتباره يمثل عاملاً أساسياً في التحكم في الاقتصاد العالمي.
– تخشى واشنطن من إي تقارب عراقي – إيراني في مختلف المجالات ولهذا تسعى إلى خلق أزمات متعددة للحيلولة دون تعزيز هذا التقارب من خلال دعم بعض الأطراف المحسوبة على المكوّنين السنّي والكردي في العراق. كما تسعى واشنطن لبث الفرقة بين الحشد الشعبي وباقي القوات العراقية، وتحاول باستمرار الإيحاء بأن الحشد يمثل الشيعة فقط ولايمثل جميع العراقيين، في حين أثبتت الوقائع بأنه يضم كافة شرائح المجتمع العراقي بغض النظر عن انتمائاتهم المذهبية والقومية.
– يعتقد المراقبون أيضاً بأن التواجد العسكري الأمريكي في العراق يهدف كذلك إلى التنسيق مع القوات التركية لتعزيز تواجدها في شمال هذا البلد ومساعدة السعودية في تنفيذ خططها بدعم الجماعات الموالية لها لاسيّما في الوسط السنّي.
– مما لاشك فيه أن الهدف الأساسي لأمريكا في الشرق الأوسط يتمثل بالدفاع عن الكيان الصهيوني، وما تتخذه واشنطن من إجراءات عسكرية وسياسية في هذا المجال تصب في الحقيقة بهذا الهدف، بالاضافة إلى محاولة تقويض قدرات دول المنطقة لاسيّما إيران والعراق وسوريا ومحور المقاومة.
ومن هذه الإجراءات محاولة منع إيران وحزب الله من تعزيز قواتهم في سوريا، ومنعهم بالتالي من الاقتراب من منطقة “الجولان” السورية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني منذ عام 1967 وحتى الآن.
من خلال هذه المعطيات وغيرها يمكن إدراك خطورة استمرار تواجد القوات الأمريكية في العراق والمنطقة في شتى الميادين، ومن هنا يتحتم على كافة الدول والقوى التي تتصدى للمشروع الأمريكي أن تبذل المزيد من الجهود للحيلولة دون تحقيق الأهداف المشؤومة لهذا المشروع.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي قد أكد مراراً وفي مناسبات مختلفة على ضرورة عدم الثقة بأمريكا وعدم منحها أي فرصة لتقوية نفوذها في المنطقة، الأمر الذي حظي بدعم الشعب والحكومة العراقية ومعظم الشخصيات السياسية والدينية في هذا البلد.
كما ينبغي التحذير من التورط فيما يسهم بمساعدة أمريكا لتعزيز تواجدها العسكري في العراق، ويشمل هذا التحذير بشكل خاص إقليم كردستان الذي يطالب بعض قادته بالانفصال عن البلد في وقت لازال فيه العراق يحتاج إلى مزيد من الوقت لالتقاط أنفاسه وتثبيت الأمن والاستقرار في ربوعه وإعادة إعماره بعد القضاء التام على الجماعات الإرهابية.
أخيراً، لابدّ أن يدرك الجميع بأن وجود أمريكا في العراق وفي عموم الشرق الأوسط لن يؤدي إلاّ إلى مزيد من الاحتقان والتوتر السياسي والأمني والاجتماعي في الكثير من دول المنطقة، خصوصاً وإن التجارب قد أثبتت بأن واشنطن لن تتورع عن اتخاذ أي إجراءات لحفظ مصالحها حتى وإن أدى ذلك إلى إبادة شعوب بكاملها.