الكيان الصهيوني والتهديد الشمالي … رهان خاسر وخيارات محدودة
عمران نت/ 25 اغسطس 2017م
حسن حجازي
*متخصص بالشؤون الصهيونية- محرر الشؤون العبرية في قناة المنار
كثيرة هي المحطات التي يجب الوقوف عندها لفهم ما آل اليه التقييم الصهيوني لمجريات الحدث السوري وما سيتركه ذلك من اثار وتداعيات على امن الكيان ومصالحه على المديين القريب والبعيد، وليس خافيا ان الحسابات الصهيونية كانت تطمح الى نتائج مختلفة كليا عما تتجه اليه الأمور ميدانيا على الأرض السورية، وما يمكن ان يتركه ذلك من اثار ستمس تل ابيب على مستوى تحديد الاستراتيجيات في التعاطي في المرحلة المقبلة وما يحمل ذلك من تحديات كبيرة لم يضعها الاحتلال بالحسبان قبل فترة وجيزة.
فبالعودة الى بداية الازمة في سوريا حيث كان قادة العدو يقفون في صف الكثيرين الذين راهنوا على نجاح الجماعات المسلحة في اسقاط الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد منذ الأسابيع الأولى للازمة، ولا تنسى الأوساط الصهيونية موقف وزير الحرب حين اندلعت الازمة ايهود باراك الذي بشر بنهاية وشيكة للدولة السورية ورحيل الرئيس السوري بشار الأسد، لكن هذا الموقف بقي علامة فارقة تظهر حجم التقييم المتسرع والقراءة الخاطئة التي وقع فيها الاحتلال مع غيره ممن راهن على الجماعات المسلحة، وما ستتبع هذا الامر من بناء سياسات غير واقعية وضعت تل ابيب بشكل واضح في سلة المهزومين نتيجة بقاء الرئيس الأسد.
القراءة الإسرائيلية التي عبر عنها ايهود باراك لم تكن مجرد عملية تكهن حول مجريات الازمة السورية، انما استندت الى رغبة كامنة لدى المؤسسة الأمنية والسياسية الصهيونية في كسر سوريا كحلقة مركزية في محور المقاومة لما تعلبه كعمق استراتيجي للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وكحلقة وصل ضرورية بين طهران وهذه المقاومة، وهذا ما عبر عنه اكثر من مسؤول صهيوني ومن بينهم وزير الحرب افيغدور ليبرمان ورئيس الموساد السابق مئير دغان ووزير الحرب السابق شاؤول موفاز وغيرهم الذين دعوا خلال سنوات الازمة الى التدخل المباشر الى جانب من تسميهم إسرائيل بالثوار ومدهم بمختلف وسائل القوة لاسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وتحقيق الحلم الصهيوني بكسر محور المقاومة.
العمل الإسرائيلي استقر على اعتماد عمليات التدخل الجراحي على المستوى العسكري تحت عنوان الخطوط الحمر الإسرائيلية التي تقضي بعدم السماح بالاعداد لجبهة مقاومة نشطة عند حدود الجولان المحتل، او ادخال أسلحة كاسرة للتوازن الى حزب الله في لبنان، هذا الجهد ترافق مع مد جسور التنسيق والتواصل مع مختلف المجموعات المسلحة في سوريا خصوصا تلك المنتشرة على حدود الجولان لبناء ما يشبه حزاما امنيا يضمن حماية حدود الجولان المحتل من أي هجمات مقابل توفير الاحتلال لهذه المجموعات مختلف وسائل الدعم العسكري والمادي، وقد رأت قيادة الاحتلال في انشغال الجيش السوري في مواجهة الازمة الداخلية فرصة ذهبية لترسيم تلك الخطوط الحمر تحت وطأة الحديد والنار، وقد كشف في الأيام الأخيرة قائد سلاح الجو المنتهية ولايته امير ايشل ان سلاح الجو الصهيوني شن عشرات الغارات ضد شحنات سلاح مخصصة لحزب الله داخل سوريا وسبقه الى هذا الإعلان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو اثناء زيارته احدى التدريبات العسكرية في هضبة الجولان في العام الماضي.
وفق تلك السياسة بُني التقييم الصهيوني على ضرورة إبقاء الازمة السورية في حالة توقد واشتعال لما يوفره ذلك من مكاسب لتل ابيب على مستوى اشغال واستنزاف محور المقاومة وضرب مقدراته المادية والعسكرية، إضافة الى قدرة تل ابيب على المناورة العسكرية داخل سوريا كلما دعت الحاجة لذلك، وقد دعا رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في اكثر من فرصة الى إبقاء هذه الازمة وعدم العمل على اخمادها وكان واضحا في موقفه عندما انتقد اعلان الولايات المتحدة وحلفائها الحرب على تنظيم داعش، معتبرا ان هذه الحرب ستمثل فرصة لتقوية ايران وحلفائها في المنطقة بعد تلاشي داعش الذي مثل مع الجماعات التكفيرية رأس حربة في المواجهة مع محور المقاومة.
المقاربة الصهيونية بقيت متماسكة وصلبة حتى اللحظة التي بدأ مشروع الجماعات التكفيرية بالانكفاء وعبرت مختلف الأوساط الصهيونية عن خيبتها من الموقف الأميركي الذي ترك وفق القراءة الصهيونية حلفاء واشنطن في مواجهة الجيش السوري وحلفائه، خصوصا بعد التوصل الى الاتفاق النووي مع ايران وما سبقه من دخول حزب الله الى سوريا لمساندة الجيش السوري ومن ثم المساندة الإيرانية والروسية المؤثرة والتي اعادت خلط الأوراق وجعلت الجيش السوري في موقع المبادر والمتقدم على مختلف الجبهات بعد ان كان في موقع الدفاع امام تقدم المجموعات المسلحة، الواقع المستجد دفع الجانب الإسرائيلي الى محاولة استمالة الجانب الروسي والبحث عن أي عناصر يمكن ان تمثل نقطة افتراق مع طهران ومحاولة اقناع الجانب الروسي بما سيتركه الدور الإيراني في سوريا من تأثير سلبي على امن واستقرار المنطقة، لكن حجم التعاون الروسي الإيراني على الساحة السورية كان اكبر من الحسابات الإسرائيلية التي لم تراعِ ان الروس والإيرانيين يخوضان نفس المعركة في سوريا ويلتقيان في الكثير من الأهداف وان اختلفوا في بعض الأولويات التكتيكية او الميدانية بعد ان حدد الجانبان هدف المعركة وهو اسقاط مشروع الجماعات الإرهابية والمحافظة على بقاء الدولة السورية.
في ظل هذا الواقع المعقد حاولت تل ابيب المحافظة على ما اعتبرته خطوطها الحمر من دون الانجرار الى التورط المباشر في المواجهة العسكرية داخل سوريا وان قام جيش الاحتلال بالرد الميداني ضد اهداف للجيش السوري بعد انزلاق بعض القذائف نحو أراضي الجولان المحتل، الا ان توالي انتصارات الجيش السوري وتزايد الحضور الروسي في الميدان السوري وتزايد الغارات الصهيونية داخل سوريا دفع القيادة السورية الى اتخاذ القرار بالرد على الغارات الصهيونية عندما اطلقت اكثر من مرة صواريخ ارض جو نحو طائرات إسرائيلية اثناء اغارتها على اهداف في سوريا، ومثّل هذا الامر بداية لمرحلة جديدة ونقطة تحول في الازمة السورية وفق القراءة الإسرائيلية وجعل قادة تل ابيب امام حسابات اكثر دقة وخطورة في حال قرروا مواصلة تلك الغارات.
هذه الوقائع تزامنت مع سقوط الرهانات الإسرائيلية الأخيرة على دور أميركي يمكن ان يوقف انتصارات الجيش السوري منذ استعادة السيطرة الكاملة على مدينة حلب وتوقيع اتفاقيات وقف القتال في أماكن مختلفة على الساحة السورية ما اعطى الجيش السوري الفرصة للتفرغ لمواجهة تنظيم داعش خصوصا في قطاع البادية السورية وباتجاه الحدود السورية العراقية، وهذا الامر مثل اشارة انذار خطيرة بالنسبة لتل ابيب خصوصا مع الحديث عن عودة التواصل الجغرافي بين العراق وسوريا، ومع تساقط مواقع داعش على امتداد الأراضي السورية والعراقية واقتراب القوات العراقية والسورية من الحدود بين الجانبين ومع فشل محاولة القوات المدعومة اميركيا من منع تقدم القوات السورية نحو الحدود العراقية عند معبر التنف وتواصل القوات بين البلدين شمال المعبر بات الإسرائيليون في وضع لا يحسدون عليه بعد فشل كافة المحاولات لمنع هذا التواصل الجغرافي.
مع اتجاه الأمور الى المزيد من الخطورة والتعقيد وبعد اظهار الاميركيين عدم اكتراثهم وعدم استعدادهم للتدخل لوقف تقدم القوات السورية والعراقية وتركيزهم على مهمة القضاء على تنظيم داعش اطلق رئيس الموساد يوسي كوهين صرخة مدوية اعتبر فيها ان ايران وحلفاءها يحققون مكتسبات جوهرية، وانهم يملأون الفراغ الناجم عن سقوط داعش مع ما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على المستوى الاستراتيجي بالنسبة للاحتلال، وقد اكد نتنياهو موقف كوهين ان تل ابيب لن تقبل بتلك النتيجة وانها ستبذل كل ما بوسعها للتصدي لما وصفه بمحاولة طهران بناء منطقة نفوذه من بغداد الى سوريا وشواطىء المتوسط، وتبع هذا الموقف تحرك مباشر نحو واشنطن عند توجه وفد امني صهيوني رفيع برئاسة رئيس الموساد يوسي كوهين الذي حذر الاميركيين مما يجري في سوريا الا ان لقاءه باء بالفشل بعدما لمس عدم مبالاة أميركية بمجريات الساحة السورية في ظل التركيز على الحرب ضد داعش وكثرة انشغالات الإدارة الأميركية في ملف المواجهة مع كوريا الشمالية إضافة الى المشاكل الداخلية التي تواجه إدارة ترامب التي التزمت أصلا بمبدأ عدم التورط بنزاعات عسكرية خصوصا في منطقة الشرق الأوسط.
مع الإخفاق اميركيا رأى نتنياهو ان عليه بذل المحاولة الأخيرة عبر الحديث مع الروس لاقناعهم بضرورة اخذ المصالح الإسرائيلية بالحسبان وعدم السماح لإيران بالتمركز على الساحة السورية وتهديد الامن المباشر لإسرائيل، وقد عاد نتنياهو اثناء لقاءه الأخير مع فلاديمير بوتين الى التذكير بنية ايران القضاء على إسرائيل ملمحا الى ان إسرائيل تجد ان كافة الخيارات مطروحة في مواجهة هذا التحدي وانه من حقها اللجوء الى أي أسلوب للتصدي للتمدد الإيراني على الحدود الشمالية مع سوريا، وفسر المعلقون الصهاينة موقف نتنياهو بالتلميح الواضح لامكانية استعمال القوة العسكرية.
التقييم الصهيوني لزيارة نتنياهو الى موسكو كان تقييما سلبيا وان هذه الزيارة لم تستطع تغيير الموقف الروسي نظرا الى التقاطع الكبير في المصالح بين موسكو وطهران في سوريا وان هذا الامر يبقي تل ابيب منعزلة ويضعها امام خيارات صعبة فإما عليها ان تقبل بالوجود الإيراني في سوريا الذي يمثل خطرا على امنها ووجودها واما ان تذهب الى مواجهة هذا التحدي بالقوة مع ما يعني ذلك من الدخول في مواجهة عسكرية ستكون مدمرة وقاسية وعلى جبهات عدة من دون ضمان أي نتيجة خصوصا في ظل الإمكانيات والخبرات الهائلة لدى محور المقاومة، حيث قدرت المؤسسة الصهيونية ان الساحة السورية استوعبت في السنوات الخمس الأخيرة سلاحا بمئات مليارات الدولارات وان هذا السلاح سيمثل “وجع رأس” لإسرائيل في السنوات العشرين المقبلة.